جريمة نكراء ارتكبها زوج ضد زميل زوجته في العمل بسبب تحريضه الدائم لها على طلب الطلاق ووعدها بالزواج منها عقب انتهاء عدتها الشرعية مع تلبية كل مطالبها الشخصية وتقديم سيارة حديثة هدية لها.
الجريمة باختصار شهدتها محافظة الإسكندرية حيث ظل (س) يطارد زميلته في العمل (ع) والتي تتمتع بقدر كبير من الجمال ويحرضها على الطلاق خلعاً من زوجها مع تعويضها عن كل خسائرها وتلبية كل مطالبها المادية لتعيش الحياة السعيدة التي تحلم بها.. وهو الأمر الذي تسبب في توتر العلاقة مع زوجها.. وفي جلسة مصارحة اعترفت الزوجة بما يفعله زميلها معها يومياً من تحريض على الطلاق، فاستشاط الزوج غضباً وتربص بزميل زوجته وطعنه بسكين ليلقى مصرعه في الحال!!
هذه الجريمة النكراء تكشف عن جملة من التجاوزات السلوكية والتصرفات الخطأ التي تؤدي إلى كثير من المشكلات والأزمات الأسرية يوضحها علماء الإسلام هنا.
معظم المصائب تأتي من «الفضفضة»
في البداية يؤكد د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر وعضو لجنة الفتوى المركزية بالجامع الأزهر، أن وراء مثل هذه الجرائم سلوكيات خطأ يرتكبها الرجال والنساء معاً، ففي جانب النساء لا يجوز لامرأة متزوجة أن تنقل تفاصيل علاقتها بزوجها لشخص آخر حتى ولو بقصد التدخل للإصلاح، فالأولوية في مثل هذه المواقف تكون لأشخاص مقربين محل ثقة من محارم الزوج أو الزوجة ولا يكون لهم هوى أو غرض شخصي في إفساد العلاقة بين الرجل وزوجته.
ويضيف «معظم المصائب والأزمات التي تحدث لكثير من الأسر الآن تأتى من (الفضفضة) لأطراف من خارج الأسرة، وهذا الخطأ يرتكبه للأسف الرجال والنساء معاً».
ويوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الجريمة التي نتحدث عنها جاءت بسبب قبول المرأة تدخل شخص غريب- زميلها في العمل- في العلاقة بينها وبين زوجها، وإذا لم يجد هذا الزميل استعداداً لدى زميلته ما استمر في تحريضها على طلب الطلاق من زوجها، فالزوجة أخطأت خطأ فادحاً في السماح لزميلها في العمل في التدخل في حياتها الشخصية مع زوجها.
ما هو التخبيب؟
الخطأ أو التجاوز الشرعي الآخر الذي تكشف عنه هذه الجريمة ودوافعها هو تدخل زميل الزوجة في العمل في العلاقة بينها وبين زوجها، وتحريضه الدائم لها بطلب الطلاق وإغرائها بالأموال والهدايا والوعود، وهذا السلوك يسمى في الشريعة الإسلامية (التخبيب) وهو ما يطلق على إفساد المرأة على زوجها، أو الرجل على زوجته، وهو أمر أمر محرم شرعاً، لما يترتب عليه مفاسد كثيرة منها على سبيل المثال الجريمة التي نتحدث عنها.
ويوضح د.الفقي أن كل سلوك من جانب الرجل أو المرأة يؤدي إلى تحسين الطلاق وتزيينه للزوج أو للزوجة سلوك عظيم الإثم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده»، وفي حديث آخر عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة خب...»، فهذا السلوك من أفعال شياطين الإنس، وهو عمل يفرح به الشيطان فرحاً عظيماً، فعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت».
لذلك يحذر العالم الأزهري من هذا السلوك الشيطاني الذي يرتكبه كثير من الرجال والنساء، فقد تحلو امرأة متزوجة في عين رجل فيحاول أن يفسد علاقتها بزوجها، وينصب حولها شباكه لكي يتحقق هدفه الشيطاني، وقد يكون التصرف من امرأة ترغب في رجل متزوج وتدفعه بكل الوسائل ليطلق زوجته ويتزوجها، كما نرى في كثير من الأعمال الفنية، وهو سلوك محرم لا يجوز لمسلم أو مسلمة فعله لأنه يجلب لهما غضب الله وعقابه.
مشاعر طبيعية.. ولكن
وماذا يفعل الرجل الذي تعرف إلى امرأة في العمل أو الدراسة وكانت متزوجة وشعر تجاهها برغبة عاطفية لا دخل له بها؟
يقول د. محمد رجب، مدير إدارة الفتوى بوزارة الأوقاف المصرية، «إذا أحب الرجل امرأة متزوجة، أو أحبت المتزوجة رجلاً، وشعرا أنه حب لا إرادي غير مرتب له تماماً مجرد مشاعر لا يوجد مشكلة.. مجرد رجل يحب امرأة، والظروف حالت بينهما، يحبها مجرد مشاعر عن بعد، وهذا الحب لم يترجم لأي فعل يغضب الله تعالى. لكن على هذا الرجل أن يبتعد عن هذه المرأة ولا يفكر فيها، ويدرك أنها ليست من نصيبه ويبحث عن شريكة حياة مناسبة له.. وكذلك تفعل المرأة لو كانت تشعر بميول عاطفية تجاه الرجل، ولا يعاقب كل منهما على مشاعره لو وقفت عند حدود المشاعر.. لكن تكمن المشكلة في تقرب المحب بمن يحب ويحاول إفساده على شريك حياته.. فهذا من أعمال الشياطين كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة لو انشغلت بها، وأعرضت عن زوجتك، أو أعرضت هي عن زوجها، وعاشت في تشويش خاطر، وبلبلة فكر، وقلق نفسي، وتوتر أعصاب، وتكدير لحياتها الزوجية».
الزواج صحيح.. ولكن
وما الحكم لو طلقت المرأة من زوجها نتيجة التحريض الدائم من رجل.. هل يجوز له الزواج منها؟
يجيب د. محمد رجب «اختلف الفقهاء في حكم نكاح المخبب بمن خبب بها على قولين:
والراجح: هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من صحة نكاحه، فالتخبيب وإن كان حراماً وكبيرة من الكبائر، إلا أن النكاح إذا وقع بشروطه الشرعية كان نكاحاً صحيحاً، وما سبقه من تخبيب لا يعود عليه بالإبطال.
أما ما ذكره البعض من تحريمها عليه عقوبة له، فالواجب هو تعزيره على هذه المعصية على ما يقرره القاضي الشرعي، وأن تعرف المرأة بالموقف الشرعي، فإن أرادت الرجوع إلى زوجها وكان الطلاق رجعياً فلها ذلك، وإن أرادت الزواج بغيره فلها ذلك أيضاً».
وأخيراً.. كفى بتحريم هذا السلوك الذي يقع فيه رجال ونساء رادعاً، وكفى بالوعيد المنصوص عليه في الأحاديث السابقة زاجراً عن الإقدام على هذا الفعل الذي حمل عليه طغيان الشهوة، وإهدار حقوق المسلم على أخيه، وما أقرب الندم وفساد ذات البين ممن يفعل ذلك ويجترئ عليه.