اختص الله سبحانه وتعالى يوم الجمعة بفضائل كثيرة، فهو كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة»، كما يقول صلوات الله وسلامه عليه في شأن ساعة الإجابة يوم الجمعة «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل فيها خيراً إلا أعطاه إياه».
فيوم الجمعة يوم عظيم مبارك، يوم عبادة وقربى إلى الله، يوم تواصل ومودة ومحبة وصفاء بين المسلمين جميعاً. فكيف يحظى المسلم بعطاء هذا اليوم؟ وما أفضل الأعمال فيه؟
تساؤلات كثيرة وضعناها على مائدة عدد من العلماء والفقهاء.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
يوم الجمعة.. ساعة إجابة وتكفير للذنوب
في البداية، يحدثنا العالم الأزهري د. أحمد معبد، أستاذ السنة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عن فضل هذا اليوم، فيقول «ليوم الجمعة فضائل كثيرة منها أن فيه ساعة إجابة وتكفير للذنوب، وأنه خير أيام الأسبوع، كما بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه بمثابة عيد أسبوعي للمسلمين. وهناك العديد من السنن والمستحبات التي ينبغي الحرص عليها في هذا اليوم المبارك منها، كثرة الدعاء، لا سيما في آخر النهار، فقد روي عن عبد الله بن أبي سلام سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال «إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا قضى له حاجته» أي ساعة هي؟ فرد عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم «آخر ساعة من ساعات النهار».
صلاة الجمعة من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم، فهي أهم طقوسه، وأعظم ما يتقرب به المسلم إلى خالقه
الصلاة على النبي
وعن تخصيص البعض ليوم الجمعة للصلاة على النبي، يقول عالم السنة النبوية الأزهري: الصلاة على النبي من فضائل الأعمال في كل وقت حيث يقول الحق سبحانه في كتابه الحكيم: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً».
لذلك فالصلاة على النبي تفتح أبواب الرزق والخير والبركة، وهى مستحبة في كل الأوقات وكل الأيام.
التقرب إلي الله
عن فضل صلاة الجمعة وأهمية حرص المسلم عليها، يوضح العالم الأزهري د. فتحي عثمان الفقي، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر، «صلاة الجمعة من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم في هذا اليوم الأغر، فهي أهم طقوسه، وأعظم ما يتقرب به المسلم إلى خالقه فيه، حيث يقول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم لو كنتم تعلمون». وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُناً بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» أي من تركها متعمداً أو مستهيناً بها دون وجود عذر شرعي. وقد اتفق الفقهاء على أن صلاة الجمعة فرض عين على المسلم البالغ العاقل الخالي من الأعذار التي تبيح التخلف عنها، وهي فرض عين مستقل، وليست بديلاً عن صلاة الظهر، وكما يعرف الجميع أنها ركعتان، لكن لو فاتت أو لم تتحقق شروط إقامتها صلى المسلم بدلاً منها صلاة الظهر أربع ركعات».
الدعاء يوم الجمعة
وبما أن يوم الجمعة يوم فضيل، فيه ساعة يُستجاب فيها الدعاء، فيستحب للمسلم أن يكثر من الدعاء في هذا اليوم، ولا توجد أدعية وأذكار بعينها ليوم الجمعة وليلتها؛ إلا ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم كالإكثار من الصلاة عليه، وقراءة سورة الكهف، فيدعو المسلم بما شاء من الأدعية، وكل مسلم يدعو بحاجته وحاجات الناس متفاوتة، وعليه أن يتحرى ساعة الاستجابة وهي آخر النهار.
ولمن لا يحفظ أدعية.. هذه بعض الأدعية المختارة التي اجتهد فيها بعض العلماء:
هؤلاء لا تجب عليهم صلاة الجمعة
صلاة الجمعة لا تجب على الصبي، ولا على المجنون، ولا على المرأة، ولا على المريض الذي لا يستطيع أداءها لعجزه عن الانتقال إلى المكان الذي تؤدى فيه، ولا على الأعمى الذي لا يجد من يذهب معه إلى المسجد، لكن لو اصطحبه مرافق وأداها فصلاته صحيحة ومقبولة إن شاء الله. كذلك لا تجب على المسافر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي الجمعة في سفره، ولم يصل الجمعة في عرفات. كذلك لا تجب الجمعة على خائف من عدو يخاف غدره وبطشه، وشبيه بهؤلاء كل من لا يستطع حضور صلاة الجمعة لعذر شرعي قاهر؛ وذلك من باب التيسير ورفع الحرج، وهما أمران تمتاز بهما الشريعة الإسلامية.
خطبة يوم الجمعة
لأهمية تجمع المسلمين في هذا اليوم واستغلال هذا التجمع في النصح والتوجيه شرع الإسلام لصلاة الجمعة خطبة وجعلها واجبة ولا تتم الصلاة إلا بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤد صلاة الجمعة إلا وقبل الصلاة يخطب الناس خطبتين في جمهور المصلين، وحث الإسلام على وجوب الإنصات وحرمة الكلام أثناء إلقائهما وذلك حرصاً على الاستفادة منهما، وقد ورد في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت». والذهاب إلى المسجد مشياً لو تيسر ذلك، حيث يقول رسول الله «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا».
الصدقة يوم الجمعة
سألنا د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر: بعض الناس يحرصون على إخراج صدقاتهم يوم الجمعة، فهل للصدقات والمساعدات الإنسانية فضل في هذا اليوم؟ فأجاب «العطاء الخيري والإنساني يجب أن يتواصل لتلبية حاجات الفقراء والمساكين وغيرهم في كل وقت، وبما أن يوم الجمعة من الأيام التي اختصها الله بمزيد من الفضل فلا شك أن كل عمل خيري وإنساني له أجر وثواب مضاعف، ولذلك ينبغي أن تكثر النفحات والبركات يوم الجمعة، والله عز وجل يعطي ويزيد فيه الأجر بكرمه وفضله على عباده بما يقدمونه من قربات ابتغاء مرضاة الله.
وقد قال بعض العلماء إن الصدقة التطوعية من القربات التي يجزل الله الثواب لفاعلها يوم الجمعة، ولذلك يستحب كثرة الصدقة وفعل الخير في يوم الجمعة وليلتها».
وينبه أستاذ الشريعة الإسلامية إلى ضرورة التفرقة بين الزكاة المفروضة والصدقات التطوعية وهي ما يزيد على الزكاة، ويشرح «الصدقات التطوعية في كل وقت وخاصة عند احتياج الفقير لها مزيد من الأجر والفضل، وعلى المسلم أن يحرص على أن تكون صدقة التطوع سراً؛ فهذا أقرب إلى صدق النية، وأبعد عن الرياء، وأحفظ لكرامة الفقير ومشاعره، وإن كانت تصح ويثاب عليها في العلن».
أدعية مختارة
أمور مستحبة في يوم الجمعة
من الأمور المستحبة يوم الجمعة قراءة سورة الكهف، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله النور ما بين الجمعتين».
ومن السنن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها في يوم الجمعة (الاغتسال للجمعة، والتطيب، وارتداء أحسن ثياب)، وقد حث رسول الله كل المسلمين أن يفعلوا ذلك فقال (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)، وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث أن الغسل للجمعة من الأمور الواجبة للمسلم والمسلمة، لكن جمهور الفقهاء قالوا إنه ضمن السنن التي ينبغي الحرص عليها، وليس من الواجبات.