28 أغسطس 2021

مفتي مصر: الزوج الذي يبخل على زوجته ولا ينفق عليها مخالف لشرع الله

محرر متعاون

محرر متعاون

مفتي مصر: الزوج الذي يبخل على زوجته ولا ينفق عليها مخالف لشرع الله

ما أكثر المشكلات الأسرية والاجتماعية في بلادنا العربية، والتي تتطلب رأياً وتوجيهاً شرعياً صحيحاً ينير الطريق أمام الجماهير، رجالاً ونساء، حتى لا يضلوا طريق الصلاح والهداية، فشريعتنا الإسلامية توجه دائماً لما فيه الأنفع والأصلح للإنسان، فحيثما تكون المصلحة والهداية يكون شرع الله. لذلك توجهنا للعالم الأزهري الدكتور شوقي علام، مفتي مصر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، بالعديد من التساؤلات الشرعية التي تفرض نفسها على واقعنا الأسري والاجتماعي في البلدان العربية ، وكما عودنا تأتي إجاباته واضحة ومجسّدة لتعاليم الإسلام الصحيحة.

وفيما يلي أبرز ما طرحناه على مفتي مصر وإجاباته عن تساؤلات «كل الأسرة»:

كيف تنظرون إلى مظاهر العنف في محيط الأسرة العربية في الآونة الأخيرة، حيث لم يعد يقتصر هذا العنف على ما يحدث بين الأزواج والزوجات، بل إن عنف الأبناء تجاه آبائهم بات مفزعاً ومخيفاً؟

هذا العنف غريب على مجتمعاتنا العربية التي تميزت بالاستقرار والتماسك، نتيجة الالتزام بتعاليم الإسلام، والحرص على منظومة القيم الأخلاقية التي تميزت بها الأسرة العربية عبر العصور، وهي قيم وأخلاقيات مستمدة من تعاليم وآداب الإسلام، وعندما نتجاهل تلك الآداب، وتتلاشى هذه القيم والأخلاق الإسلامية من نفوس البعض، من الطبيعي أن يظهر العنف والقسوة داخل الأسرة العربية.

والإسلام يواجه هذا العنف، ويقضي على أسبابه، سواء أكان بين الزوجين، أو كان بين الآباء والأبناء، وتعاليم الدين توجهنا دائماً إلى حل كل مشكلاتنا بالحوار، وأن نحتكم إلى تعاليم شريعتنا التي نظمت العلاقة تنظيماً دقيقاً بين الأزواج والزوجات من حيث الحقوق والواجبات، فلا يجوز لزوج أن يجور على حق لزوجته سواء أكان هذا الحق مادياً أو معنوياً، كما لا يجوز لزوجة أن تهمل أو تتجاهل حقوق زوجها، وعندما يتم الحرص على ما يجوز وما لا يجوز شرعاً بين الزوجين، تختفي معظم المشكلات الزوجية التي نشكو منها الآن.

أيضاً في علاقة الآباء بالأبناء هناك حقوق متبادلة يجب الحرص عليها، وقد أوضح ذلك الشرع الحنيف، ووضع منظومة أخلاقية تحكم هذه العلاقة، فالبر والإحسان في العلاقة ليس من جانب واحد، فكما يطلب الشرع الوفاء بحقوق الآباء من بر وإحسان وطاعة في غير معصية الله، يؤكد ضرورة وفاء الآباء بحقوق أبنائهم وهي كثيرة، وتبدأ بحسن اختيار الأم، فهي المربية والراعية الأولى للطفل، وتشمل حسن التربية والرعاية الصحية والاجتماعية، والإنفاق على الأبناء دون تقتير وفق أحوال الأب، كما تشمل حسن الرعاية والتربية، أي تربية الأطفال على الالتزام بالحلال والحرام منذ نعومة أظفارهم، وحسن التعليم بأن يلحقهم بالتعليم النافع لهم وللمجتمع الذي يعيشون فيه، وتشمل حقوق الأطفال أيضاً الرعاية النفسية السليمة بأن يتعامل معهم برحمة، ويتجنب القسوة والعنف في تربيتهم.

ليس من حق الزوج شرعاً إجبار زوجته على ترك عمل

منذ أيام فجعنا بجريمة قتل زوج لزوجته لإصراره على أن تترك عملها وهي لا ترغب في ذلك، كيف تنظرون إلى مثل هذه الجرائم؟ وهل من حق الزوج شرعاً أن يجبر زوجته على ترك العمل والتفرغ للبيت والأولاد؟

هذه الجريمة وما يشبهها من الجرائم المنكرة التي اقتحمت حياتنا الأسرية الآمنة، جرائم شاذة، ومرفوضة من المجتمع كله، ويقود إليها العناد والتحدي بين الزوجين، ومسألة عمل الزوجة وحسمها يتم بالحوار بين الزوجين دون عناد، وينظر فيه إلى مصلحة الأسرة، ومصلحة الزوجة أيضاً، فقد تكون الزوجة قد تعودت على العمل، وتحتاج إليه لإثبات ذاتها أو للإنفاق منه على نفسها، وهنا ينبغي أن يكون الزوج مرناً، ويفتح عقله وقلبه لحوار ودي مع الزوجة بعيداً عن الأوامر والنواهي، وبعيداً عن القسوة المفرطة التي يلجأ إليها بعض الأزواج لفرض سطوتهم على زوجاتهم.. فليس من حق الزوج شرعاً إجبار زوجته على ترك عمل وجدت نفسها فيه وتحتاج إليه لأسباب مادية أو نفسية، طالما كانت تلك الزوجة تؤدي واجباتها تجاه زوجها وأولادها باعتدال.. أي دون تعسف ومغالاة من الزوج.

للأسف.. لا تزال النظرة القاصرة للمرأة تسيطر على عقول كثير من الرجال في عالمنا العربي نتيجة شيوع الثقافة الذكورية الظالمة للمرأة، وهذه الثقافة الذكورية ترفضها الشريعة الإسلامية، حيث يترتب عليها حرمان المرأة من بعض أو كثير من حقوقها، وشريعتنا الغراء منحت المرأة كل حقوقها، وشرعت لها ما يكفل لها حياة كريمة في بيت أسرتها، وفي رعاية والديها، أو في بيت زوجها، وبعد أن يتقدم بها السن، فرضت لها حقوقاً على أولادها، بل على المجتمع كله لترحل بشكل كريم، ولا تتعرض لإهانة أو حاجة من أي نوع.

ولم تتعامل الشريعة الإسلامية مع المرأة على أنها كائن بشري محدود الإمكانات، أو ناقص الأهلية، أو عاجز عن القيام بواجبات التنمية والتقدم الحضاري، كما تعاملت معها فلسفات وأنظمة أخرى، بل نظر الإسلام للمرأة نظرة موضوعية، وقدر إمكاناتها، واحترم طاقاتها، وكلفها بواجبات أسرية واجتماعية وإنسانية ووظيفية وتنموية وحضارية، فالمرأة في نظر هذا الدين العظيم مخلوق كامل الأهلية، يستطيع أن يعمل وينتج ويعمر ويسهم في بناء مجتمعه كما يفعل الرجل تماماً، وهذا ما جعل المرأة المسلمة تقوم بأدوار مشهودة في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية.

لكن لا يزال بعض العلماء يصدرون فتاوى تؤكد ضرورة التزام الزوجة برغبة زوجها، والبقاء في البيت طالما يرى الزوج ضرورة لذلك، كيف ترون كلام هؤلاء في ميزان الشرع الصحيح؟

هؤلاء مخطئون.. فالإسلام لم يقل أبداً بحبس المرأة في البيت وحرمان المجتمع من جهودها، أو حرمانها من العمل الذي تجيده، فمن حق المرأة أن تعمل كل الأعمال المناسبة والمؤهلة لها، وليس في شريعة الإسلام ما يمنع المرأة من أن تقوم بأي عمل كريم تجيده، ما دامت تؤدي عملها باحتشام وستر لما أمر الله تعالى بستره، فالمرأة المسلمة من حقها أن تمارس كل الأعمال المشروعة التي تحسن أداءها.

لكن لو اتفقت المرأة مع زوجها، سواء قبل إتمام الزواج أو بعده، على أن تتفرغ لبيتها، ولم يجد في حياتها أي أمر طارئ يدفعها للخروج للعمل، وكان الزوج يقوم بواجباته الاتفاقية تجاهها كما ألزمته شريعة الإسلام، فلا ينبغي أن تخرج للعمل في هذه الحالة، إلا بعد الحوار معه، والحصول على موافقته. فالمؤمنون عند شروطهم.

ليس من حق الزوج شرعاً أن يستحوذ على مال زوجته أو يأخذ منه إلا برضاها، والزوجة ليست مسؤولة عن الإنفاق على البيت والأولاد

توتر العلاقة بين الزوجين أحياناً تكون له أسباب مادية، فبعض الأزواج يرفضون الإنفاق على زوجاتهم بدعوى أنهن يمتلكن مالاً خاصاً بهن، وبعض الأزواج يحاولون الاستحواذ على مال الزوجة، بماذا تنصح هؤلاء؟

الزوجة في الإسلام لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها، وليس من حق الزوج شرعاً أن يستحوذ على مال زوجته أو يأخذ منه إلا برضاها، والزوجة ليست مسؤولة عن الإنفاق على البيت والأولاد إلا ما كان تفضلاً منها ومساهمة في مشاركة الزوج أعباء المعيشة، وينبغي أن تكون هذه المساهمة برضا نفس من جانب الزوجة ودون إكراه.

لكن لو كانت الزوجة تعمل ولها دخل خاص بها من راتب أو تجارة أو استثمار فمن حسن العشرة مع الزوج أن تتحمل مصروفاتها الشخصية، ويكفيه ما ينفقه على البيت والأولاد، فالشعور بالتعاون والتكافل مهم جداً بين الزوجين ويمنع مشكلات كثيرة قد تنشأ بينهما وتفسد علاقة الود والرحمة بينهما.

وما الحكم لو كانت الزوجة «مسرفة» وتهدر مال الزوج فيما لا يفيد أو كانت مطالبها فوق طاقته المادية؟

أولاً، نوضح للجميع أن الإسلام قد ألزم الرجل بالإنفاق على زوجته حتى ولو كانت مليارديرة مادام قادراً على الإنفاق، والإنفاق هنا يكون على قدر يسار الزوج، فلو كان الزوج محدود الإمكانات، وكانت هي مسرفة في نفقاتها، فالزوج ملزم فقط بما يتناسب مع إمكاناته المادية.. وهكذا.

ولذلك، فالزوج غير ملزم بتلبية مطالب زوجته المسرفة، وأيضاً الزوج الذي يبخل على زوجته ولا ينفق عليها النفقة الواجبة مخطئ، ومخالف لشرع الله.. فواجب على الزوج في كل الأحوال أن يوفر لزوجته ما تحتاج إليه من طعام وشراب ودواء ومسكن، حتى ولو كانت الزوجة غنية، لأن النفقة على الزوجة من حقها على زوجها في حدود قدرته واستطاعته لقول الله عز وجل «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»..

ولقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح».

نظمت شريعتنا الغراء العلاقة الجنسية بين الزوجين تنظيماً دقيقاً، وجعلت الاستمتاع حقاً للطرفين

انشغل البعض في المجتمع المصري بل والعربي عموماً خلال الشهور الماضية بما سمي بـ«اغتصاب الزوجة»، فهل يحق للزوج أخذ حقوقه العاطفية بالعنف والإكراه؟

حق الفراش لا يؤخذ عنوة، حيث ألزمت الشريعة الإسلامية كلاً من الزوجين أن يتعامل مع شريك حياته بالمودة والرحمة والرفق في الأمور كلها، وإذا كان هذا هو شأن التعامل في الأمور الحياتية التي يجوز فيها الأخذ والرد، فهو أوجب في الحقوق النفسية والمعنوية بين الزوجين. كما نظمت شريعتنا الغراء العلاقة الجنسية بين الزوجين تنظيماً دقيقاً، وجعلت الاستمتاع حقاً للطرفين، لا سلطان لأحد فيه، فالمرأة من حقها الاستمتاع بزوجها، كما أن من حق الزوج الاستمتاع بزوجته، ولذلك أفاض الفقهاء قديماً وحديثاً في بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالاستمتاع بين الزوجين وآدابه وأخلاقياته، وضرورة أن ينال كل طرف حقه دون إهدار لحق شريك حياته في الاستمتاع المشروع.

ومن المؤسف أن بعض الرجال أو الكثير منهم يسيئون استخدام هذا الحق، ويفهمون الأحاديث النبوية التي تحث المرأة على الاستجابة لزوجها لإشباع رغباته المشروعة وكفه عن الحرام فهماً خاطئاً، بل إن بعض دعاة الإسلام وهؤلاء الذين يتصدون للفتوى دون علم كامل بأبعاد وجوانب وتداعيات ما يتحدثون فيه أباحوا للرجل قهر زوجته في الفراش، ومعاشرتها رغم أنفها، ودون النظر لظروفها وأحوالها النفسية والجسدية، وهذا أمر مرفوض من الناحية الشرعية، ولا يمكن أن تقره شريعة الإسلام، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الصحيح «إذا دعا الرجل المرأة إلى فراشه ثم أبت، باتت تلعنها الملائكة حتى يرضى» فإن هذا الحديث يحمل توجيهاً للمرأة باتباع الأسلوب الصحيح في التعامل مع حق من حقوق الزوج، وهذا الحديث لا يعني أن يجبر الرجل زوجته على معاشرته وهي في غير حالتها المزاجية أو الصحية.

والشريعة الإسلامية ترتقي دائماً، وتسمو بالعلاقة الحميمة بين الرجل وزوجته، وقد رسمت لها طريقاً سوياً يحقق مطالب الزوجين النفسية والجسدية بعيداً عن السلوكيات الشاذة.

بعض الأزواج أو الزوجات يبالغون في هجر فراش الزوجية، مما يخلق حالة من التوتر بين الزوجين، ماذا تقولون لهؤلاء؟

الهجر في الفراش وسيلة من وسائل مواجهة نشوز الزوجة، وقد تفعل زوجة ذلك مع زوجها للتعبير عن غضبها منه في أمر ما، لكن في كل الأحوال لا يجوز لأحد الزوجين أن يبالغ في استخدام عقوبة الهجر في الفراش دون وجود داع قوي لذلك، فكل شيء إذا زاد على حده انقلب إلى ضده، والهجر في الفراش لا يكون إلا عند نشوز الزوجة، وتمردها على زوجها وعصيانها له فيما هو مباح، وبعد فشل كل أساليب النصح والإرشاد والتقويم، بالكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة، وذلك عملاً بقول الحق سبحانه «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا».

والإسلام راعى في العلاقة الزوجية كل ما يؤدي إلى تحسين العلاقة بين الزوجين، وقرر لكل من الزوجين حقوقاً وواجبات تجاه الآخر، ومن هذه الحقوق حسن المعاشرة الزوجية، وحسن المعاشرة، يتطلب الوفاء بحق الفراش، فقد يكون في حياة كل من الزوجين أهم من الحقوق المادية، ولأهميته في حياة الزوجين جاء حث الرسول صلى الله عليه وسلم فقال «وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».

ولأن واجب الزوج أن يحصن ويعف زوجته حسب حاجتها إلى التحصين فإن المبالغة في استخدام عقوبة الهجر بين الزوجين تأتي في الأغلب بنتائج عكسية فهي توسع الفجوة النفسية بين الزوجين، وتعمق من مشاعر البعد والفراق بينهما، وقد تدفع الزوجة إلى التفكير في الحرام انتقاماً من الزوج.

لذلك ننصح الأزواج والزوجات بالتعقل في هذا الأمر، والوقوف عند تعاليم وتوجيهات الإسلام حرصاً على الحلال والحرام، وحرصاً على العلاقة بينهما، الحرمان يولد الجفوة والقسوة والرغبة في الانتقام.. ونسأل الله أن يهدي الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، ويحقق الحب ويضاعف من المودة والرحمة بين الزوجين.

 

مقالات ذات صلة