منى زكي و محمد فراج في مسلسل" لعبة نيوتن"
حذر علماء الأزهر والإفتاء من الاستهانة بأمور الزواج والطلاق في الأعمال الفنية، وطالبوا بمراجعة شرعية لأحداث وحوارات المسلسلات والأفلام والبرامج النوعية والتي تتناول أمور الزواج والطلاق، حتى لا تتسبب بعض الأحداث في مخالفات شرعية تسهم في حالة الفوضى والبلبلة التي نعانيها في حياتنا المعاصرة، نتيجة غياب الرؤية الشرعية الصحيحة.
كانت بعض الأعمال الفنية التي شاهدناها خلال الأيام الماضية على الشاشات العربية قد تناولت أموراً مهمة وخطيرة في العلاقات الزوجية، مثل الزواج من مطلقة أو أرملة دون انتهاء العدة، والطلاق عبر الهاتف ورسائل "الواتس أب وماسينجر" وغير ذلك، دون الالتزام بالقواعد الشرعية المنظمة لها.
لذلك التقت "كل الأسرة" عدداً من كبار علماء الأزهر والإفتاء لاستجلاء حقائق هذه الأمور حتى لا تختلط الأوراق، ويختلط المباح بالمحظور في أذهان المشاهدين.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
إذا قام الزوج بتطليق زوجته عبر الهاتف؛ يقع طلاقه ويعد صحيحا في العموم إذا ما تم التأكد من صحة الرسالة
أولا وعن موقف الشرع من الطلاق عبر الهاتف والرسائل الإلكترونية، تقول دار الإفتاء المصرية: رسائل ومكاتبات الطلاق بين الأزواج والزوجات عبر مواقع ووسائل التواصل والاتصال الحديثة لا يقع بها الطلاق إلا بالنية؛ لأنها "إخبار يحتمل الصدق والكذب"، ولذلك لابد أن يسأل الزوج الكاتب عن نيته؛ فإن كان قاصدا بها الطلاق حسبت عليه طلقة، وإن لم يقصد بها إيقاع الطلاق فلا شيء عليه.
فلو تم التأكد من الزوج وقال أنه يقصد الطلاق فعلا، فتقع بهذه الرسالة "طلقة رجعية" إن لم تكن مسبوقة بطلقتين أخريين.
وأوضح الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه إذا قام الزوج بتطليق زوجته عبر الهاتف؛ يقع طلاقه ويعد صحيحا في العموم إذا ما تم التأكد من صحة الرسالة.. لكن لا يمكن الجزم بوقوع الطلاق بالاستناد على كلام عام عبر هذه الوسائل؛ بل لكل حالة ظروفها وملابساتها الخاصة التي تختلف عن غيرها. وأكد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن الدار تتحرى الحقيقة قبل الفتوى بصحة طلاق من عدمه، فلو حضرت سيدة وادعت أن زوجها طلقها برسالة أو عبارة لا يمكن التسليم بروايتها، ونطلب أن يحضر الزوج، للاستماع منه ووصف الأمر من وجهة نظره وإيضاح نيته، حتى نستطيع الجزم بوقوع الطلاق من عدمه.
أمور الزواج والطلاق خطيرة والمراجعة الدينية للدراما واجبة
يؤكد العالم الأزهري د. نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق ضرورة الوقوف عند الأحكام الشرعية الصحيحة في حياتنا الواقعية، وضرورة نشرها بين الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال كل وسائل وأدوات الثقافة في المجتمع، ويقول: نشر وترويج ما يخالف شرع الله في الأعمال الدرامية والترفيهية أمر خطير للغاية؛ لأنه يرسخ لمفاهيم وأحكام دينية خاطئة، ولذلك يجب مراجعة الأعمال الفنية قبل عرضها على المشاهدين للتأكد من سلامة ما بها من أمور تتعلق بالأحكام الشرعية.
ويضيف: يجب أن يدرك الجميع أن كل ما يتعلق بأمور الزواج والطلاق له أثره وخطره، ولا يجوز التلفظ فيه بما يخالف شرع الله، فالعلاقة الزوجية في الإسلام من أقدس العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ولذلك أحاطها بسياج من الحماية والضوابط الشرعية، وأمر باتخاذ كل السبل لتيسير هذه العلاقة المنضبطة بالضوابط الأخلاقية بين بني الإنسان (الذكر والأنثى)، ووصف القرآن تلك العلاقة بـ"الميثاق الغليظ"، وبين الحقوق والواجبات الزوجية والأسرية، حتى تبدأ العلاقة وتستمر لتحقق ما أشار إليه الحق سبحانه: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
ويؤكد مفتي مصر الأسبق أن الإسلام يرفض كل الصور الغريبة والمسميات العجيبة للزواج في مجتمعاتنا المعاصرة، كما يرفض كل البدع التي ابتدعها البعض في الطلاق، فالمباح في الزواج والطلاق واضح جلي ويجب على وسائل الإعلام المختلفة، كما يجب على مؤلفي الأعمال الفنية أن يرجعوا فيه للعلماء حتى لا يكونوا سبباً في نشر المفاهيم الدينية الخاطئة بين عامة الناس.
ويشدد د. واصل على أن العلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة في ظل تعاليم وآداب وأخلاقيات ديننا لا تكون إلا عن طريق الزواج المشروع، وهذا الزواج المشروع له أركان وشروط لابد أن تتوافر فيه، أهمها:
وكل زواج يخلو من هذه الشروط هو "زواج فاسد" لا تعترف به شريعتنا الإسلامية التي تستهدف بتلك الأحكام والضوابط أن تكون العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة في إطار كريم. أيضاً لا يجوز التفريق بين رجل وامرأة دون تحكيم الضوابط الشرعية، كما لا يجوز لامرأة أن تنتقل بين الرجال دون تحكيم القواعد الشرعية المتعلقة بالعدة حتى لا تختلط الأنساب، وتنتشر الفوضى في المجتمع.
فيديو من الموقع الرسمي لدار الافتاء المصرية
لا يجوز لامرأة مطلقة أو أرملة أن تتزوج قبل انقضاء عدتها
العالم الأزهري د. عباس شومان أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر السابق يضم صوته لصوت د. واصل ويحذر من تجاهل الالتزام بالأحكام الشرعية الضابطة لأحداث وحوارات الأعمال الفنية أياً كان شكلها، حيث لا يجوز مخالفة ما جاءت به شريعتنا الغراء من أحكام وضوابط في كل هذه الأعمال، حتى لا تكون سبباً في وقوع مخالفات شرعية لدى بعض البسطاء من المشاهدين.
ويوضح د. شومان فلسفة "العدة" في الشريعة الإسلامية والمقصد الشرعي منها، فيقول: شريعتنا الإسلامية نظمت كل ما يتعلق بأمور الزواج والطلاق حتى يرتبط الرجل بالمرأة بشكل يحفظ حقوقه وحقوق زوجته وحقوق أولاده، فالعلاقة الزوجية تبدأ بضوابط، وتنتهى أيضاً بضوابط، والعلاقة الزوجية تنتهي بين الزوجين إما بالطلاق، وإما بموت أحدهما، وعندئذ فإن شريعتنا تلزم المرأة بـ"العدة" وهي مدة زمنية معينة تختلف باختلاف نوع الفرقة بين الزوجين، وذلك لاستبراء الرحم حتى لا تختلط الأنساب، إذا ما تزوجت المرأة زوجاً آخر، وكذا لاعتبارات نفسية ومعنوية وصحية لا تخفى على المتأمل في الحكمة من تشريع العدة بعد انتهاء الزواج.
ويضيف: لا يجوز لامرأة مطلقة أو أرملة أن تتزوج قبل انقضاء عدتها، ولو فعلت ذلك لارتكبت محرماً، والعدة بعد الطلاق ثلاث حيضات إن كانت المرأة من ذوات الحيض، ولم تكن حاملاً، وذلك لقول الله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم".
والعدة ثلاثة أشهر إن كانت الزوجة لا تحيض وليست حاملاً، لقول الله تعالى: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن..."، وأنها تنتهي بوضع الحمل إن كانت الزوجة حاملاً، لقول الله تعالى: "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا".
أما عدة المتوفى عنها زوجها فهي أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة، وذلك لقول الله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير"، ويعلمن أن المعتدة من طلاق رجعي تعتد في بيتها ولا تخرج منه، لقول الله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا".
أين تعتد المرأة؟
وعن المكان الذي تعتد فيه المرأة قبل أن ترتبط بزوج آخر يقول د. شومان: أراد الشرع للمطلقة رجعياً- وهو ما يكون بعد الطلقة الأولى أو الثانية - أن تعتد في بيت مطلقها لتكون تحت نظره، وقريبة منه لعله يراجعها قبل انتهاء العدة، بخلاف المعتدة بعد الطلقة الثالثة، فبها تنقطع صلتها بزوجها الذي أصبح مطلقها انقطاعاً تاماً، ولا يتمكن من ردها إلى عصمته، ولذلك تعتد في بيت أهلها، فإن اعتدت في بيت مطلقها احتجبت عنه، لأنها أصبحت أجنبية لا يجوز لها أن تقيم معه في مكان واحد، فوجب عندئذ أن يكون مقر عدتها منفصلاً عن المكان الذي يعيش فيه مطلقها إن كانا في بيت واحد.
أما المعتدة من وفاة فإنها تعتد وتحد على زوجها في بيتها، ولا تخرج منه إلا لضرورة كإجراء عملية جراحية، أو خوف وقوع ضرر عليها لعدم أمن مكان إقامتها، أو لحاجة كذهابها إلى عملها إن لم يتيسر لها الحصول على إجازة، مع أنه ينبغي أن يكون حقاً متاحاً لها تضمنه القوانين بأجر كامل، كما يجوز لها أن تأخذ إجازة للوضع وأخرى لرعاية الطفل، فينبغي أن تكون هناك إجازة لاعتداد المرأة بعد الطلاق أو موت الزوج.
لكن للأسف التزام المعتدة بالقرار في بيتها أثناء العدة من أقل أحكام العدة تطبيقاً والأكثر تضييعاً وكأن العدة تنحصر في عدم الزواج حتى انتهائها؛ حيث نرى كثيراً من النساء لا يلتزمن بهذا الحكم ويمارسن حياتهن بعد بضعة أيام أو أسابيع بشكل عادي، في حين تبالغ أخريات فينعزلن عن المجتمع بشكل نهائي ويتركن وسائل العناية بالنفس، حتى إن بعضهن يعتقدن حرمة تسريح شعرهن، أو النظر في المرآة، أو ارتداء ملابس غير سوداء، أو الاغتسال أكثر من مرة في الأسبوع، أو التحدث في الهاتف، وغير ذلك مما لا علاقة له بأحكام شرعنا الحنيف، فغاية المطلوب من المتوفى عنها زوجها هي إظهار الأسى على فقد زوجها وترك الزينة والتطيب بالعطور ولبس الحلي، وغير ذلك مما يكون مظهراً من مظاهر الفرح والسرور، وليس مطلوبا منها ترك العناية بنظافة جسدها وملابسها، ولا ملازمة لون بعينه ما دام أنه ليس للتزين.
مسلسل لعبة نيوتن
هل يجوز للمعتدة من طلاق أو وفاة أن ترتبط بزوج آخر قبل انتهاء العدة كما حدث في مسلسل " لعبة نيوتن" ؟
يوضح د. شومان :يجوز أن توافق "تلميحا" على الارتباط برجل، وترتبط به شرعاً بعد انتهاء عدتها، ولكن لا يجوز التصريح بذلك في أثناء العدة، فلا بأس بقول بعض كلمات تفهم منها - أو وليها - أنه يريد خطبتها بعد انتهاء عدتها، لقول الله تعالى: "ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم".
اقرأ أيضًا: موقف الشرع من المرأة التي ترغب في الطلاق من زوج لا تريده