على مدار 30 عاماً، مرّ شربل زيادة بتجارب شخصية وفنّية صعبة، وتحدّيات شكّلت شخصيته، الإنسانية والفنية، المميزة التي جعلته متجدّداً في كل عمل، في الشكل والمضمون، رحلة بدأها بعد تخرجه في كلية الفنون بالجامعة اللبنانية عام 1992، وانطلاقته في التمثيل كانت من خلال مسرحيات تعامل بها مع مخرجين، أمثال مروان نجار، جورج شلهوب ريمون جبارة، ومسلسلات أبرزها «شارع الكسليك»» و«الينابيع»، وأول برنامج قدمه بعنوان «البيت السعيد» على قناة الجديد بمشاركة رنا تلحوق، عام 1993.
سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمدة خمس سنوات، لكنه عاد إلى لبنان. شهرته جاءت بعد تقديمه برنامج «يا عمري» على شاشة تلفزيون «المستقبل»، بمشاركة ملكة جمال لبنان، نسرين نصر، وأخرجته نادين لبكي، توقف بعدها مدة عشر سنوات عن التمثيل ليتفرغ لشركة الإنتاج التي أسّسها، لكنه عاد لتقديم برنامج «مثل ما أنت»، مع برناديت حديب.. في ظهوره الأخير عبر منصّة «شاهد»، يُجسّد شربل زيادة دور الدكتور أيمن في مسلسل «الخائن»، ومن هنا بدأنا اللقاء معه..
كنت تتوقع أن يحصد مسلسل «الخائن» كل هذا النجاح، خصوصاً أنه عند بدء التصوير لم تكن أتممت قراءة دورك؟
عند بداية التصوير لم يكن تمّ الانتهاء من كتابة النص العربي للمسلسل، ولم يكن بين أيدينا إلّا خمس حلقات، ولكننا كنّا نعرف نسخته الأصلية البريطانية «د. فوستر»، والنسخة التركية التي عُرضت في اكثر من دولة أوروبية وحصدت نجاحاً كبيراً، لذلك كنت أتوقع له النجاح، خصوصاً مع إنتاج «إم بي سي»، والمخرج، والنجوم الذين جمعهم المسلسل، كلها عوامل تُبشر بنجاح العمل.
ولكن قد تجتمع كل عوامل النجاح أحياناً ويفشل العمل لأسباب غير واضحة؟
هذا صحيح، مسألة النجاح والتوفيق لعبة حظ، وقبول من الناس لا يُمكن التحكّم فيها، ومع ذلك كنّا نراهن على النجاح الذي حقّقه المسلسل.
البعض انتقد الذهاب باتجاه المسلسلات التركية التي لا تُشبه مجتمعنا
الممثل لم يكن صاحب قرار في أي من المواضيع التي تُقررها سياسة المحطّات، والمنصّات، وشركات الإنتاج، ونحن تردنا العروض، فإما أن نقبلها، وإما نرفضها، ومع ذلك أقول إن «الخائن» موجود في مجتمعنا، وكذلك الخائنة، الكذب والرياء و«الشو أوف» أيضاً، موجودة في مجتمعنا، وهذا العمل يقدّم نماذج منها، ولا يُعمّم.
بماذا يُشبهك الدكتور أيمن؟
هو لا يشبهني كثيراً، إلّا بالقدر الذي يجمعني بالناس، في احترامهم والتعامل معهم بأدب، وما عدا ذلك أنا عكسه، إنسان فوضوي، يملّ بسرعة، حتى من زيارات الأصدقاء التي تمتد لأكثر من ساعتين، رغم محبتي لهم، وربما لذلك لم أتزوج حتى الآن.
أردت لفت الانتباه إلى مخاطر الانجرار وراء الصحبة السيّئة التي استطعت النجاة منها
أعلنت عن تجربتك في تعاطي المخدّرات في سابقة نادرة بين الفنانين، ما كان دافعك إلى ذلك؟
أردتها نصيحة لجيل الشباب، خصوصاً المبتدئين في العمل الفني، وإن كنت لا أعلم مدى التزامهم بها، ولكني أردت لفت الانتباه إلى مخاطر الانجرار وراء الصحبة السيئة التي استطعت النجاة منها، واسترجعت حياتي الطبيعية، ربما لأن ظروفي سمحت لي بذلك، ولكن ظروف الآخرين قد تكون مختلفة، فيحصل ما لا تُحمد عُقباه، أردت أن أُمرر رسالة حقيقية، رغم أنها قد تؤخذ ورقة ضدّي، ولكن هذا الواقع الذي عشته، والذي أردت أن يكون اختصاراً لتجربة مضى عليها 20 عاماً، وقد يستفيد منها غيري.
لطالما كنت صريحاً ولم تحاول يوماً تلميع صورتك، هل هذا عائد إلى عدم اهتمامك بانحسار الضوء يوماً ما عنك؟
أنا مررت بمرحلة انحسار الأضواء بعد فترة من التألق والنجومية، في لبنان والوطن العربي، عقب تقديمي برنامج «يا عمري»، ولا أُنكر أنني شعرت بالضيق، لأنني لم أعد موجوداً بالنسبة إلى الناس في ذلك الوقت، ولكن في الوقت نفسه شعرت بأن هذه المرحلة أعطتني مناعة، لأن أيّ فنان، مهما بلغ حجم نجوميته، سيصل إلى هذه المرحلة، وسيصاب بمشاكل نفسية، وهذا الأمر حصل مع فنانين كبار لم يستطيعوا تقبّل واقعهم الجديد. ولذلك أعتقد أنه كان من الجيد أن أُقدم على هذه الخطوة في مرحلة سابقة، لأعتاد عليها مستقبلاً، فصرت أعمل كأني أعمل في أي مهنة أخرى أُحبها، بعيداً عن هاجس الأضواء، وأصبحت متصالحاً مع فكرة اعتزال الأضواء مستقبلاً.
كيف تحاول التأقلم مع الواقع المستجد في الحياة اليوم، وهل أنت ناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
كثيراً ما توجّه إليّ النصائح بالاعتماد على هذه المواقع، ولكنها بالنسبة إلي مضيعة وقت.
مع أن كثيراً من الفنانين يعتمدون عليها ويعمدون إلى شراء المتابعين؟
كل يوم يُعرض عليّ شراء متابعين، ولكن هذا الموضوع لا يهمني بصراحة، والموجودون على صفحاتي لا يشكّلون أكثر من 2 في المئة من نسبة المعجبين الذين التقي بهم في الشوارع، ويتكلّمون معي في لبنان، وحتى في الخارج.. في فرنسا التقيت بكثير من المعجبين من تونس والجزائر، علماً بأن قيمة الفنان للأسف أصبحت تنحصر في عدد المتابعين.
ما زال للإعلام دور في حياة الفنان بعد انتشار مواقع التواصل؟
بالنسبة إلي، يبقى ارتكاز الفنان على الإعلام في الانتقاد والتوجيه القائم على العلم والخبرة، وليس على الإحساس.
أين ترى الدراما اللبنانية اليوم؟
لا أراها في خطر، لأنها لا تزال ناشطة برغم كل المشاكل، الأمنية والاقتصادية، التي مرّت على البلد، ولا تزال موجودة على خارطة الدراما العربية، بكل عناصرها الفنية والتقنية، وستتخطى الظروف. أنا لا أجد أن من الضروري وجود مئة عمل لنشعر بأن الدراما بخير، ويكفي أن يكون هناك عملان، أو ثلاثة أعمال، ناجحة لإثبات أن الدراما بخير.
هل أنت مع تجزئة الأعمال الدرامية؟
هذه ليست موضة مكسيكية، أو تركية، بل هي موضة عالمية موجودة في أمريكا، وأنا لا أجد ضيراً في استثمار كل عمل ناجح يُمكن أن يُبنى عليه جزء ثان، أو ثالث، أو رابع.
أعلنت عن كرهي لمجال التقديم بسبب تجربتي في عمر مبكّر ولم يكن لديّ خبرة الحياة
هل يُمكن أن نراك مُجدّداً في مجال التقديم، مع كرهك لتجربتك السابقة فيه؟
بالتأكيد، إذا وردني عرض يُناسبني، وأنا عندما أعلنت عن كرهي المجال كان بسبب تجربتي في عمر مبكّر، ولم يكن لديّ خبرة الحياة التي أملكها اليوم، إضافة إلى أن الإطار الذي وُضعنا فيه (أنا وزميلتي نسرين نصر)، آنذاك، كان إطاراً ضيّقاً، لم يُسمح لنا فيه بالدّخّل في الأسئلة، فكنا كمن يحفظ درساً، ويسمّعه أمام الكاميرا، لذلك لم أحب التجربة، ولكن إذا وجدت البرنامج الذي يُشبهني لن أتردد في قبول خوض التجربة ثانية.
علامَ تبني خياراتك اليوم، وكم تُصارع لتكون في الصفوف الأمامية؟
أحاول اختيار الأفضل من القليل الذي يُعرض عليّ، وأعتبر نفسي، بكل تواضع، من الأوائل، ولا أجد أن من الضروري أن ألعب دور البطل لأكون في الصفوف الأولى، في كل حال الكل يُصارع، الأول من أجل البقاء، والمبتدئ من أجل الارتقاء.
وهنا أود الإشارة إلى أن كثيراً من الموهبين يسألوني عن كيفية دخولهم المجال، ولا أعرف إجابة، لأني أنا نفسي لا أعرف كيف بدأت.. فهذه المهنة غريبة جداً، وليست هناك قواعد مُحدّدة فيها.
الدراسة الأكاديمية يُمكن أن تكون قاعدة الانطلاق؟
بالنسبة إلي لم تعطني الجامعة اللبنانية أكثر من القواعد الأساسية للتمثيل المسرحي، ولكنها لم تساعدني على أن أكون ممثل سينما، أو تلفزيون، وهذه تجربة نتعلمها مع الوقت.
كيف تعيش الحالة الدرامية وبانتظار أيّ دور؟
كل ما حصل في حياتي كان مصادفة، لذلك أعيش يوماً بيوم، ولا أُخطط للبعيد، وأعيش بثقة المتفائل دائماً، واليوم أنتظر نتيجة مسلسل «الخائن».
تعتقد أنه سينقلك إلى مكان آخر؟
بعد كل عمل انتقل إلى مرحلة جديدة، بحسب الفرص التي تردني، لأن الفرص ليست من صنعنا في مجالنا.
اقرأ أيضاً: تاتيانا مرعب: سعيدة بدوري في «الخائن» والناس يوقفونني في الشارع ليبدوا إعجابهم به