يستكمل مقدم البرامج في قناة أبوظبي أحمد اليماحي مسيرته مع الإنسان، وهذا التماس غيّـر حياته على مدى 8 سنوات من برنامجي «عونك» و«الدنيا بخير»، وقاده إلى أن يكون هو نفسه من دون رتوش وبـ«كامل عدّته» لنصرة المهمشين على الأرض.
في حوارنا معه يسرد اليماحي ملامح موجعة من معايشته رائحة الموت بعد زلزال تركيا وسوريا، ويطّل على عوالم مغايرة من نفسه، معترفاً بأن «البرامج الإنسانية غيرت في الكثير»، كما يسرد بعض طقوسه في رمضان وبالأخص «لقيمات والدته»؛ الطبق الأشهى بالنسبة له:
اليماحي يحاور أطفال سوريا
شهدت تداعيات زلزال سوريا وتركيا من الميدان، كيف عايشت رائحة الموت وتنسّمت ملامح الأمل في تلك البقعة؟
كنت أشارك في دورة في سلطنة عمان ورأيت مشاهد الزلزال وتواصلت مباشرة مع إدارة تلفزيون أبوظبي، وأعربت عن جاهزيتي للتغطية وقامت إدارة التلفزيون بإيفادنا. لا يمكن أن أتذكّر أنه مرّت علينا فاجعة طبيعية مماثلة. صحيح أنها كانت أشد وطأة على الإخوة في تركيا، ولكن ما يزيد الأمر ألماً وعجزاً في سوريا، هو سنوات الأزمة السورية التي فرضت «أزمة فوق أزمة»، حيث يعاني هذا البلد منذ نحو 12 عاماً، وتتوالى عليه الأزمات وبينها «كوفيد ـ 19» الذي حلّ شديد الوطأة، إلى الزلزال الذي زاد الأوضاع قساوة لدرجة اضطرت بعض الأسر للعودة إلى منازلها الآيلة للسقوط. فالمسألة أكبر من لجان هندسية تأتي لمعاينة الواقع الهندسي للمنازل، حيث السؤال: أين يذهب هؤلاء في ظل الطقس القارس؟ فضلاً عن الأطباء الذين يقفون عاجزين من دون معدات بعد أن أطاحها الزلزال حتى باتوا أشبه بمزارعين بلا معاول.
أحمد اليماحي في سوريا
برامجك الإنسانية عبر شاشة «أبوظبي» تسرد معاناة كثيرين، هل تعايشت مع الوجع؟
أبداً لم يخف هذا الوجع. لا أخفيك سراً أنه طوال سنوات برنامج «عونك» وبرنامج «الدنيا بخير»، لم أصبح ذلك الطبيب الجراح الذي بات متمرساً بالجراحات دون خوف أو شرطي المرور الذي تعايش مع حوادث السير، فما عشته خلال 12 يوماً لا يعادله أي شيء من مسيرتي؛ كون ما حصل في تركيا وسوريا، نمط مختلف من الأزمات الإنسانية، نمط لا يمكن وصفه، ولكن تتلمس ألفة الناس واتحادهم والتحامهم يداً واحدة، في ظل المعاناة التي تنسحب على الشرائح كافة. قبل أن أغادر سوريا، كان لغز ما حصل يستأثر بنا، ولكن امتنعنا عن السؤال عما حدث؛ إذ بات موجعاً لي وللحالة والمشاهد ولكون السوريين تشبعوا من الحزن عبر السنوات، ليتحول مسار الحوارات إلى بعض محطات الأمل ولو أنه أمر صعب للغاية.
مشاهد صوّرها اليماحي من زلزال تركيا وسوريا
عايشت قصصاً عدة منها قصة محمد وغيرها، ما القصة التي لم تزل عالقة بذاكرتك؟
أتيحت لي فرصة إجراء لقاءات مع عدة أفراد. كنت أدخل بمفردي في البداية من دون كاميرا. إحدى الحالات كانت لسيدة حالتها مستقرة، ولكنها فقدت أربعة من أبنائها ولا تعلم بالأمر. لم أستطع إجراء الحوار معها لاعتبارات مهنية أخلاقية، والحالة الأخرى لطفلة (13 عاماً) كانت منهارة نفسياً إثر فقدان كافة أفراد عائلتها، حيث هي الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة. هذا نموذج من «ما وراء الكواليس» التي لم أصوّرها، ولكنها لم تغادرني.
محمد أيضاً طفل ملهم عرّفت بقصته عبر حسابي في وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت إجاباته تفوق عمره. محمد كان نموذجاً مختلفاً في ظل أزمة، وفي ظل عمر صغير يحدّثك بهذا المستوى من الإدراك. كنت أرغب في مساعدة محمد بأي طريقة وسانده الهلال الأحمر الإماراتي ببرنامج خاص في ظروفه وسعدت بذلك، فأنْ تنقذ طفلاً وتعيده إلى مقاعد الدراسة فهذا إنجاز لا يضاهيه أي إنجاز آخر، ولو أن كلاً منا اهتم بطفل واحد لكنا بألف خير.
هدفي الانخراط في برامج تنموية وثقافية تحاكي تطلعات الشباب العربي والشارع العربي
تمثل منصات التواصل الاجتماعي ما يشبه منظومة الإعلام الموازي، ما المطبات التي تقع فيها هذه المنصات؟
من المؤكد أن من يمسك بهاتفه وينقل الحدث هو الأسرع والسرعة عنصر مهم وتعد خبراً، ولكن الدقة في نقل الخبر تستند إلى معايير صحفية، وكصحفي فأنت مسؤول أمام نفسك وجمهورك ومؤسستك التي تستند إلى سياسة تحريرية تتركز على دقة المعلومة.
أضرب مثالاً: كنت في مدينة جبلة في اللاذقية موجوداً مع الفريق الإماراتي، وكان بعض مشاهير سوريا ينقلون أخباراً عن سيدة عجوز تفتح بيتها أمام النازحين من الزلزال، وهي تفتقد رغيف الخبز. تأثرت بحكاية السيدة وتواصلت مع كثير من المصادر ليتبين أن السيدة غير موجودة في جبلة ولا في سوريا ولا علاقة لها بالأزمة. فالغاية قد تكون نبيلة، ولكن هذا ليس عذراً لاختلاق القصص، وهذه بعض المغالطات التي تقع فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا أنت غير موجود في هذا الموسم من رمضان؟
لا يوجد سبب. كانت تجربة رائعة في برنامج «الدنيا بخير»، بالتعاون مع الهلال الأحمر الإماراتي العام الماضي، ولكن توجهي يتبلور نحو برامج أخرى؛ كوني خضت 8 سنوات في مجال البرامج الإنسانية، وحان الوقت للتركيز على نوعية برامج أخرى.
أخذت قدري من البرامج الإنسانية وهي مسار نبيل
لكن البعض يقول إن أحمد اليماحي غير غائب على الشاشة؛ لأنه هو نفسه شخصية «غيث» في برنامج «قلبي اطمأن»، فهل هذا صحيح؟
لا. أعفيني من هذا السؤال وليس لي علاقة بهذا الموضوع.
ويستطرد: أخذت قدري من البرامج الإنسانية وهي مسار نبيل أضاف لي الكثير في حياتي الشخصية والمهنية، ولكن هدفي الانخراط في برامج تنموية وثقافية تحاكي تطلعات الشباب العربي والشارع العربي، وهذه أحد التحديات التي أسعى إلى خوضها في القادم من الأيام.
تقول إن البرامج الإنسانية غيّـرت شخصيتك.. إلى أي مدى انعكس ذلك على حياتك؟
عندما نعايش تلك الحالات عن قرب، تصبح همومنا صغيرة وتختلف أولوياتنا في الحياة. في حياتنا اليومية والأسرية والاجتماعية، أولوياتنا ليست أولويات وهي كماليات، عندما نتحدّث عن اقتناء «آيفون» من آخر إصدار أو سيارة من براند معيّـن. نتعلم أن الأولويات هي الأولويات المعيشية القاهرة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهي الاحتياجات الأساسية للبقاء. أذكر هنا مقولة لعلي عزت بيجوفيتش: «عندما تكون في السجن تكون لك أمنية واحدة: الحرية.. وعندما تمرض في السجن لا تفكر في الحرية وإنما في الصحة. الصحة إذن تسبق الحرية»، فالصحة هنا تصبح المرادف للبقاء.
أعترف بأن حياتي تغيرت كثيراً واكتراثي للأمور تغير، حيث كنت أنزعج في حال لم أستطع تحقيق شيء ما في خاطري. في الحقيقة، لست شغوفاً باقتناء الكماليات، ولكن تغيرت قناعاتي ومفاهيمي بشكل عميق وباتت القناعة والرضا مرتكز حياتي. فأنْ ترى سيدة في الـ70 من العمر وتردد على الرغم مما أصابها من هول الزلزال، أن «الله أنعم علـيّ بـ70 عاماً من النعم»، وتتحدث بهذا المنطق لا بد أن تتوقف وتراجع نفسك وحياتك وحتى محيطك.
فريق الإنقاذ الإماراتي
هل صحيح أنكم سكنتم في خيمة خلال تغطية زلزال تركيا وسوريا؟
نعم، استقررنا في مخيم في جبلة. ولكن للأمانة، لست صاحب القرار؛ بل إن فريق الإغاثة الإماراتي الذي سبقنا كانت له الأسبقية في تحديد مقر الإقامة. كانت الظروف صعبة ولكن لم نول اهتماماً لتوافر دورة مياه أو غذاء أو أجهزة تدفئة، على الرغم من البرد القارس. ففريق الإنقاذ الإماراتي عاش ظروفاً صعبة، ولكن كان الأمل يعانق أعضاءه بالوجود إلى جانب إخوانه السوريين وكان العطاء هو الحافز الأساس.
كوننا نعيش أجواء رمضان المبارك، حدّثنا عن طقوسك في هذا الشهر؟
في رمضان تختلف الطقوس. قبل الإفطار أمارس الرياضة وبعد الإفطار، تكون فرصة لمعايشة الأجواء العائلية واللمة الاجتماعية، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. فكلنا اشتقنا لرمضان وأجوائه بعد جائحة «كورونا»، وتحدثت كثيراً في برنامجي «العالم في مواجهة كورونا» عن فقدان نعمة الألفة والتقرب من بعضنا بعضاً، ويعتبر هذا الشهر فرصة لاستعادة الألفة واللمّة حول مائدة رمضان مع الأهل والأصدقاء والأحباب، كما أتابع مسلسلات درامية وبرامج تلفزيونية، سواء للمتعة أو الاستفادة.
ما أطباقك المفضلة خلال شهر رمضان المبارك؟
اللقيمات من يد الوالدة تحديداً هي المفضلة بلا منازع. لا نكهة تضاهي اللقيمات من يدي والدتي، وكذلك أتناول السمبوسة والهريس والثريد، وقرأت أنه من أحب الطعام عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
والفيمتو؟
الفيمتو مشروب رمضاني يصاحب المائدة الرمضانية ولكنني لا أتناوله.