بولين حداد على غلاف مجلة كل الأسرة
بولين حداد ممثلة ومخرجة وكاتبة لبنانية حائزة جائزة أفضل مخرجة شابة لإخراجها مسرحية «كونترباص».. في رصيدها العديد من المسلسلات مثل «الشحرورة» و«الغالبون» و«لعبة الموت» و«الهيبة»، مثّلت أيضاً في فيلمي «رصاصة» و«يلا عقبالكن شباب»، وأيضاً في أعمال كويتية وإيرانية، وهي متخرجة في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية.
التقتها "هدى الأسير" في بيروت على هامش تصوير عمل رمضاني جديد تشارك في بطولته، وكان لنا معها هذا الحوار الشيق:
في البداية، تحدثت بولين عن العمل الرمضاني الذي كانت تصوره بعنوان «بيرلا»، وقالت "هو من إنتاج شركة مروى غروب، وكتابة لبنى مرواني، وإخراج أحمد حمدي وسيعرض عبر شاشة «أم تي في»". كما كشفت عن السبب الذي جعلها تقرر المشاركة فيه ، وبعض تفاصيل الشخصية التي تؤدي دورها في هذا العمل "شخصية «كارما» التي أُجسدها في العمل، وهي من الشخصيات الأساسية، ابنة عائلة غنية تملك شركة إنتاج، توفي والدها مبكراً، وبقيت والدتها التي تقنعها بأن الطفلة التي ولدتها ماتت بعدما حملت في سن مبكر، ثم تتزوج لاحقاً وتنجب فتاة ثانية، وبعدها تظهر الفتاة الأولى لتبدأ الأحداث التي تتركز على المشاعر والأحاسيس والمواقف المتصارعة.. باختصار العمل على صعوبته، جميل جداً، وقد أحببته، ووجدت فيه رسائل يجب إيصالها".
من الواضح أن بولين تعيش مشاعر متناقضة في هذا المسلسل الجديد، وهذا ليس بالأمر السهل عليها كإنسانة ، فهل يؤثر ذلك عليها؟ تجيب "لا شك في أنه ليس سهلاً، ولكن كممثلة محترفة لا أتأثر بالأمر في حياتي الشخصية، كل ما في الأمر هو التعب الناتج عن الجهود التي نبذلها أثناء التصوير". ويبدو أن مثل هذه الشخصيات تغني مخزونها الفني والشخصي ، كما تؤكد "بدون شك، وفي كل عمل يزداد المخزون مع الخبرة ومع التجارب المحيطة بالفنان".
بعض الفنانين نجحوا بدون دراسة، ولكنهم لا يستطيعون نقل قواعد التمثيل أكاديمياً لغيرهم
هذه الإجابات من بولين جعلتنا نتعمق في سبر أغوار مهنة التمثيل من وجهة نظرها، حاولنا أن نعرف منها فيما إذا كانت التجربة هي الأهم في عمل الممثل أم لدراسته الأكاديمية الأولوية كي ينجح في مشواره ، فأكدت "لا شك في أن الموهبة هي الأساس، ولا يتم قبول الطالب في معهد الفنون في امتحان الدخول إذا لم تكن موجودة لديه، ولكن الدراسة مهمة لصقلها، وتأتي التدريبات العملية في ممارسة العمل على الأرض لتغنيها بالتجربة".
ولكن هل يدفع هذا الواقع البعض إلى الاستهانة بالدراسة الأكاديمية ، ترد بولين "لا يُمكن الاستهانة بها إطلاقاً، فأنا تعلمت دراسة الشخصيات من الجامعة، كيف أدرس أبعادها ومحيطها وخلفياتها. صحيح أن بعض الفنانين نجحوا بدون دراسة، ولكنهم لا يستطيعون نقل قواعد التمثيل أكاديمياً لغيرهم، وهذا ما خبرته من خلال عملي في تعليم الفنون المسرحية، والتعامل مع التقنيات الإخراجية، والوقوف أمام الكاميرا، وكيفية استعمال الصوت والنفس والإلقاء؛ الأمر الذي يختصر الطريق على الطلاب ويسهّل لهم عملهم، إضافة إلى أن الثقافة الفنية العامة مطلوبة للفنان من أجل وجوده الاجتماعي، وفهمه لتاريخ المهنة وتطورّها، وأبرز النجوم في مجالها، ومؤسسي العمل الفني".
ومع الاستعدادات الجارية على قدم وساق للشركات الفنية من أجل طرح إنتاجها في المنافسة الرمضانية القريبة ، ومنها المسلسل الذي تصوره بولين حداد، أعربت عن تفاؤلها من قدرة الدراما اللبنانية على مزاحمة ومنافسة البقية في هذا الموسم، وتشرح "لن أقول إن الدراما اللبنانية في أفضل حالاتها ولا تواجه صعوبات، ولكنها أثبتت في السنوات القليلة الفائتة أنها قادرة على المنافسة في مواجهة الأعمال الضخمة، وتلك التي فُتحت لها ميزانيات ضخمة، وفي النهاية لكل محطة جمهور، ولكل نجم جمهور يتبعه أينما حل.. على أي حال الجمهور يشتاق للأعمال اللبنانية البحتة، وأصبح يطالب بها".
وفيما يخص المنطق القائل أن الأعمال الفنية تكون مخيبة للآمال في كثير من الأحيان إذا خلت من العناصر السورية أو العربية، ترد بولين بحزم "هذا غير صحيح. في الغالب يترافق وجود هذه العناصر مع الإنتاج الضخم، ولكن إذا غاب فقد يفشل العمل على الرغم من وجود سوريين وغير سوريين، وأكبر دليل على ذلك، فشل أعمال سورية بحتة. باختصار التركيبة الجيدة التي تُبنى على قصّة جميلة وإنتاج ضخم، وإخراج جيد هي الحصان الرابح الأكبر، والممثل اللبناني كان مظلوماً في هذا المجال، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما فُتحت أمامه الأبواب أثبت قدرته وبات يُطلب عربياً.
ولأكون صريحة أقول إن سخاء الإنتاج وحده لا يكفي لإنجاح عمل؛ بل هو عامل مساعد في استعمال التقنيات الحديثة المختلفة، فكم من عمل كان إنتاجه ضخماً وضمّ عناصر عربية ولم يجد النجاح نظراً لركاكة قصّته، وكم من عمل أثبت نجاحه من خلال النص والتمثيل والإخراج بدون إنتاج ضخم".
مشهد من مسلسل ستيليتو
كما أنها لا ترى وجود أزمة نصوص في السوق الفنية "في السنوات الأخيرة برزت نصوص جميلة جداً، ولكنها غير كافية، وعلى الرغم من سعادتي بالمشاركة في مسلسل «ستيليتو»، فإنه في النهاية عمل تركي، وهذا التوجّه نتج عن نقص ملحوظ في القصص المحلية". ورغم أن هذا المسلسل بالذات اعتبره كثيرون أنه لا يشبه مجتمعاتنا العربية ، إلا أن بولين لها رأي آخر "هو يتضمن نماذج موجودة في كل زمان ومكان، من الناس الذين يعيشون فوق السحاب، ومنهم من نراهم حالياً ممن لم يتأثروا بالأزمات التي نعيشها ولم يشعروا بها، ولكنه «ستايل» مختلف في الدراما من المهم أن نتعرّف إليه، بدل أن نبقى في دائرة مقفلة من الأعمال. كذلك هناك مسلسل «براندو الشرق» للفنان جورج خبّاز وجاء في إطار درامي مختلف فرضه وجود المنصات الإلكترونية، ومتطلبات الجيل الجديد وجيل الـ«سوشيال ميديا».
باختصار يجب أن يعتاد الجمهور على فكرة الأنماط المختلفة من الأعمال والقصص المختلفة، التي قد لا تكون مطابقة للواقع، ولكنها تحمل رسائل معينة. شخصياً ومع كل الانتقادات التي طالت مسلسل «ستيليتو»، أقول إنه تضمن رسائل أبرزها أن الانتقام لا يُوّلد إلا الانتقام والشر، وقد وجدت أنه مدروس ومشغول بطريقة ذكية".
ولمناسبة الحديث عن القصص المقتبسة ، ترى بولين أن هذا النوع بدأ يطغى على القصص المحلية ، وتضيف "هذه هي الموضة على ما يبدو، أقلّه في الوقت الحالي، وفي النهاية النص الجميل هو الذي يفرض نفسه، وأتمنى ألا يتم الاستسلام لهذا الواقع، وأن يُفتح المجال أمام الكتّاب البارعين الموجودين في العالم العربي، وحتى الجدد منهم، واعتماد سياسة الكتابة المشتركة من خلال ورش الكتابة، خصوصاً مع تشعّب الخطوط الدرامية والبطولات الجماعية". ومع ذلك، تفضل الدراما التي تكون مرآة للواقع وليست غريبة عنه "الدراما أنواع مختلفة، يختار منها المشاهد ما يعجبه، وأنا شخصياً أميل إلى ما يحاكي الواقع؛ لأن تأثيره يكون أكبر في الناس نظراً لاتصاله بواقعهم فيتعاطفون معه أكثر، وكذلك أحب الأعمال التاريخية والسير الذاتية".
أتطلع إلى دور شخصية مؤثرة في مجتمعها
يظل كل فنان في رحلة بحث عن الدور الذي يمكن أن يطلق عليه "دور العمر"، فهل وصل مثل هذا الدور إلى بولين حداد؟ وما هو الدور الذي تحلم به؟ تجيب "مهما عمل الممثل يبقى كل دور بالنسبة له دور العمر، ويبقى الحلم والطموح قائماً دائماً وأبداً، وفي ذهني عمل من نوع السيرة الذاتية، علما بأنني أديت دوراً ثانوياً في مسلسل الصبّوحة في هذا الإطار، وهو دور الفنانة نور الهدى، ولكنني أتطلع إلى دور شخصية مؤثرة في مجتمعها. على أي حال شغف المهنة يجعلني استمتع بأي عمل أقوم به في لحظته، وكأنه دور العمر".
بولين أكدت لنا أنها لم تندم إطلاقاً على خوضها مجال التمثيل، حتى في ظل أزمة الدراما اللبنانية، وأضافت "وحتى لو عاد بي الزمن فإنني سأكرر الاختيار نفسه في عملي الذي لم يقتصر على التمثيل في السينما، والمسرح والتلفزيون؛ بل تعداه إلى «الكاستينغ» والإخراج وتدريس الفنون المسرحية في مُحترف خاص بي، علماً بأنني درست اختصاصاً آخر غير الفنون، ولكنه بقي شهادة على حائط، ربما لأنني أكره الروتين الوظيفي البعيد عن مجال التمثيل، إضافة إلى الشعور اللذيذ الذي يمنحنا إياه العمل الفني من خلال محبة الناس الذين نلتقيهم في الشارع وأينما كنّا". ولكنها تستدرك بالقول أن الشهرة بالنسبة للفنان سيف ذو حدين.. لماذا؟ "لأن الفنان يفقد الخصوصية في حياته، وأي غلطة تصبح محسوبة عليه، خصوصاً في زمن الـ«سوشيال ميديا»".
وفي نهاية الحوار، تعرب بولين حداد عن ترحيبها بفرصة المشاركة في عمل فني بغير اللهجة اللبنانية، وتؤكد أنها ستقبل هذا الدور بدون تردد "فأنا أستمتع بمثل هذا التحدي لنفسي، وأشعر فيه بمتعة أكبر، فقد صوّرت في إيران فيلماً تحدّثت فيه باللغة الفارسية، وكانت التدريبات عليها صعبة جداً، إلا أنني استطعت إنجاز العمل بنجاح، وكذلك قدّمت شخصية الفنانة نور الهدى باللهجة المصرية، وأطمح إلى عمل باللغة الأجنبية يوصلني إلى العالمية والأوسكار.. وربما يكون هذا دور العمر بالنسبة لي".
* نشر الحوار كاملاً في (العدد 15287) بتاريخ 23 يناير 2023