في مجمله كان 2025 نقطة مفصلية في السينما على أكثر من وجه. وبكثير من الدقّة يمكن تحديد هذا العام على أساس نقطة تفصل بين ما قبله، وما بعده. تماماً كما حدث حين داهم وباء كورونا العالم، قبل خمس سنوات، ووجدت السينما (كما شؤون كثيرة أخرى)، نفسها في موضع تحدٍّ ومواجهة.
الحاصل هذه المرّة دخول السينما عصراً جديداً لاحت ملامحه في الأعوام السابقة، وتبلورت في 2025، كحقيقة ثابتة، وكقوة مؤثرة في عوامل وعناصر الصناعة السينمائية كافة.
ومع خروجه Avatar: Fire and Ashes للعروض العالمية، هذا الأسبوع، وما يحمله من تقنيات غير مسبوقة وتصاميم فنية رائعة، بات من الضروري البحث عن إيجابيات أو سلبيات هذه النقلة الخطرة في عالم التقنيات التي تتقدم حثيثاً، وتتدخل في صنع الأفلام أكثر من أيّ وقت مضى.
الإحاطة بتلك التطوّرات التي تضع السينما تحت تأثيرها تُبيّن تأثير دخول التقنيات عمق بؤرتها الصناعية، على أكثر من وجه.
استبدال المعهود
حتى سنوات قليلة سابقة، كان إنتاج الأفلام يتم بالطريقة المعهودة: حين الموافقة على مشروع ما يتم تطويع كل الإمكانات الفنية والتقنية لخدمته، استناداً إلى موضوع كل فيلم، وتبعاً للنوع الذي ينتمي إليه. بذلك بات من المعتاد استخدام تقنيات الكومبيوتر غرافيكس المختلفة، لإتمام ما لم يكن متاحاً إنجازه عبر الخيال المرتبط بالواقع. كمثال، مشاهد مطاردات السيارات كانت (كما الحال في «بولِت»، 1968، أو «ذَ فرنش كونكشن»، 1971، أو «رونَن»، 1998) تتم بجهد بشري مشترك بين السيارة ومن فيها، وكيفية تصويرها في كل مراحل الخطر. وتبعاً للقاموس الجديد من التنفيذ بات هناك اعتماد متزايد لتنفيذ كل شيء عبر برامج الكومبيوتر، وأمام شاشات خضراء يمكن لاحقاً أن تصوّر الممثل يركض في شوارع باريس بينما هو في استوديوهات يونيفرسال.
تكفي مقارنة أيّ من هذه الأفلام الثلاثة بأي فيلم من سلسلة Fast and Fury لكون هذه تعتمد على مشاهد المطاردات بدورها.
لكن المد لم يتوقف هنا. دخول الذكاء الاصطناعي، هذا العام، ارتفع عدداً عما كان عليه قبل عام واحد. وبات الحل المطلوب لتوفير فيلم من السيناريو إلى الشاشة اعتماداً على فكر غير بشري. كل شيء بات من السهل استبداله من فن الكتابة إلى فن الإخراج، ومن التصوير إلى المونتاج، بما في ذلك الممثلون.
دافع رئيسي
الإضراب الذي قامت به نقابتا الكتّاب والممثلين قبل عامين، وأدّى إلى تراجع كم الإنتاج، تلفزيونياً وسينمائياً، انتهى بقبول استوديوهات هوليوود إرضاء النقابتين مادياً، والالتزام بعدم استبدال الجهد البشري في هاتين المهنتين، بما يستطيع الذكاء الاصطناعي توفيره. لكن هذا لم يمنع من تمادي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بحيث لم يعد من الممكن التفرقة بين ما هو مصوّر فعلاً، وبين ما هو مركّب.
وقبل أسبوعين، وقف المخرج غييرمو دل تورو، على منصّة «أميركان فيلم إنستتيوت» لاستلام جائرته عن فيلمه الجديد «فرانكنستين»، ونال تصفيقاً حاداً عندما أعلن «فيلمي فني في كل لقطة. خال مئة في المئة من الذكاء الاصطناعي«.
هناك دافع رئيسي لاستخدام هذا التطوّر متعدّد الجوانب. ففي غمار ارتفاع ميزانيات صنع الأفلام التجارية في هوليوود أساساً، يوفر الذكاء الاصطناعي القدرة على تخفيض التكاليف إلى ما قد يصل إلى النصف (لا يبقى منها سوى الرواتب والأجور أساساً).
هذا الواقع الجديد يلتقي مع استعداد الجمهور العريض، قبول كل ما يريده طالما إنه عبارة عن مشاهد متراكمة من الأكشن والخيال. لا ينتظر المُشاهد أن يختار الأفلام التي يريد مشاهدتها على أساس إذا ما كانت بشرية أم لا، وإذا كانت فبأيّ حجم أو نسبة.