23 ديسمبر 2025

إنعام كجه جي تكتب: هدية المختار

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

اعتدتُ منذ سنوات، في مثل هذا الموسم من العام، أن تصلني بطاقة بريدية من مختار منطقتنا للتهنئة برأس السنة، مع دعوة إلى الذهاب وتسلّم علبة شوكولاتة هدية من البلدية.

المختار في فرنسا يسمّونه رئيس البلدية. وباريس تتألف من عشرين دائرة، أو بلدية. وأنا أقيم في الدائرة 13. ويزيد عدد سكانها على 780 ألف نسمة. هل يعقل أن يجري توزيع كل هذا العدد من علب الشوكولاتة؟ سألتُ، فقيل لي إنها مخصصة للأشخاص الذين يدفعون ضريبة دخل بسيطة فقط. يعني الفقراء، وذوي الدخل المحدود. ولم يزعجني الأمر، لأنني أدرك أن الغربة تنقل الكثيرين من رفاهية أوطانهم، إلى بحر الطبقة المتوسطة. 

شوكولاتة المختار هي أيضاً من نوع متوسط. لهذا لم أفكّر يوماً في الذهاب للحصول على هديتي. إن هناك طابوراً من سكان المنطقة يقف في انتظار دوره للدخول وإبراز هويته للتأكد من أنه يستحق الهدية. لكنّ جارتي الفرنسية استغربت موقفي، وكان لها رأي مختلف. قالت لي إنها تأخذ الشوكولاتة وتقدّمها للمتسوّل الذي يرابط عند باب الكنيسة.

للعلم، جارتي طبيبة أسنان لديها عيادة شهيرة، وتكسب في يوم ما يكسبه غيرها في شهر. لكنها لا تستنكف من الوقوف لساعة في الطابور، في يوم إجازتها الأسبوعية، لكي تقوم بعمل طيّب وتسعد قلب شحّاذ فقير، لا يملك أن يذوق الحلوى.

نكبر، ونتصوّر أننا تعلّمنا كل دروس الحياة. لكن هناك دائماً من المروءة ولطف الشمائل ما نتعلّمه، ولو على كِبر.