هذا الفيلم من إخراج: كلايبر مندوزا فيلو، إنتاج البرازيل، ومن نوع تشويق سياسي. يتألّف الفيلم، الذي جرى عرضه الأول في مهرجان فينيسيا هذا العام، واستُقبل جيّداً في مهرجان البحر الأحمر، أخيراً، من ثلاثة أقسام كل منها بعنوان مختلف، لكن ليس بغرض سرد ثلاث حكايات مختلفة، بل لربط أحداث كل فصل وشخصياته بخيط واحد
يتناول، بالإيحاء غالباً، الجريمة السياسية في البرازيل سنة 1977. وسواء تحدّث القسم الأول عن جرائم قتل ارتكبها نظام تلك الفترة ضد المواطنين، أو رغبة بطل الفيلم مارسيلو (واغنر مورا) في البحث في أرشيف الدولة عن تاريخ عائلته (القسم الثاني)، أو لجوئه للتخفي بعيداً عن أعين مطارديه، في محاولته لإعادة فهم وتقييم الواقع المعيش (عموم الأقسام الثلاثة)، فإنه يوفّر من خلال شخصية بطله نظرة جامعة لأثر الاضطهاد السياسي في حياته كفرد، وحياة الآخرين كمجموع.
وهو يفعل ذلك بدراية كاملة، وبحريّة فنية تجعل الفيلم أكثر إشباعاً لمحبّي السينما، وتمنح المُشاهد معالجة تبدو كما لو كانت مستقاة من خطوط أحداث لا نراها، بل نعايشها كما نعايش الماثل أمامنا. هذا كان شغل فيلو منذ فيلمه الأول «أصوات مجاورة» (Neighboring Sounds)، وما زال شغله الآن، حيث إن ما نراه وما لا نراه، يتساويان في الإيحاء والأهمية.
يستخدم فيلو السينما كمرآة تعكس ذاكرة تقضّ المضاجع. مارسيلو يعيش في ماضيه، كما في واقعه الحالي. يلجأ إلى بلدة تعيش طقوساً احتفالية لا يأبه لها كثيراً، إذ إن غايته إعادة الوصل بينه وبين ابنه الذي يعيش في الخيال. كل هذا والشعور بأن السُلطة والعاملين فيها، أو المتعاملين معها، موجودون عن قرب، حتى إن لم نرَ لهم حضوراً فعلياً.
يتحرك الفيلم بحرية بين موضوعاته وأقسامه، غير مرتبط بمنهج سرد معيّن، ولكثرة مشاغله، وما يودّ البحث فيه، هناك تطويل يطغى لكنه يبقى قادراً على جذب الاهتمام، طوال الوقت. ما يتبلور على الشاشة هو عمل يجمع بين سيرة شبه شخصية لرجل يرفض نسيان الأمس، وبين حب السينما كلغة تعبير، وثقة المخرج بالكيفية التي ينجز فيها مفرداته هذه.