يتميّز كل من دستِن هوفمن وأنطوني هوبكنز بنجاحاتهما المتوالية، ولو إلى حين قريب، في ابتكار الأساليب التي يتسللون من خلالها إلى كنه الشخصيات التي يقومون بتأديته. لكن السؤال هو: من هو الممثل الأكثر قدرة على تمثيل شخصيات متعدّدة؟
دستن هوفمن... الممثل الثابت
في الأيام القليلة الماضية، أعدت مشاهدة أربعة أفلام قام دستِن هوفمن ببطولتها، وهي «المتخرج» لمايك نيكولز (1968)، و«مِدنايت كاوبوي» لجون شليسنجر (1970)، و«بابيون» لفرانكلين شافنر (1973)، و«رجل المطر» لباري ليفنسن (1988)، ووجدته يؤدي الشخصية ذاتها في كل واحد من هذه الأفلام.
تختلف الأدوار طبعاً: في «المتخرج» هو الشاب الخام المتردّد في تجربته الجنسية الأولى. في «مدنايت كاوبوي» (نال عنه أوسكاره الأول) هو الرجل الذي يعيش في هامش المدينة مكبّلاً بالحاجة والضعف. وفي «رجل المطر» هو الشاب المصاب بمرض التوحّد الذي لا يمنعه من القدرة على توظيف موهبة حسابية (أوسكاره الثاني). أما في «بابيون» فهو السجين الذي يصادق رجلاً أقوى شكيمة وأكثر تحدياً لنظام السجون منه (ستيف ماكوين).
العنصر المشترك بين هذه الشخصيات هو تأدية هذه الأدوار (وهناك سواها)، بنَفَس واحد. تقنية تمثيله لا تختلف، على الرغم من اختلاف الشخصيات التي يؤديها. هي تقنية حركة وإمعان درامي رائعين في «مدنايت كاوبوي»، ومتكررة في سواه. يعكس حال شخص ضعيف، يمشي متعثراً كما لو كان سيقع في الخطوة التالية، مع توفير تفعيل عاطفي خارجي، وليس داخلياً.
إنه نجاح لدى من يعتقد أن تميّز الدور هو تميّز في الأداء. هناك مشاهد عدّة في «رجل المطر» يمزج الممثل فيها خصال التوحد بطريقة غير علمية، يبدو من خلالها أقرب إلى أن يكون متخلّف ذهنياً. هذا النجاح جيّد مهنياً، ومقبول لدى الجمهور السائد، وحتى بين مانحي الجوائز، لكن الإتيان بشخصية مختلفة، مع ابتكار تقنياتها وحركاتها ونفسياتها الداخلية، محدود.
أنطوني هوبكنز... الممثل المتحوّل
على النقيض هناك أنطوني هوبكنز الذي قدّم أداءات مختلفة في معظم ما قام به من أعمال، كما الحال في النماذج التالية.
في «صمت الحملان» (The Silence of the Lambs) لجوناثان دَمي (1991)، هو شخص مختلف جداً عن دوره في الفيلم اللاحق «هواردز إند» لـجيمس أيفوري (1992)، وكلاهما مختلف عن دوره في «نيكسون» لأوليفر ستون (1995)، المختلف بدوره عن تمثيله في «الأب» لفلوريان زلر (2020).
هذه الاختلافات ليس مرجعها الأول اختلاف الدور الذي يؤديه. تميّز هوبكنز هو في اهتمامه بعدم تكرار الكيفية التي يتصرّف من خلالها مع المواقف التي يواجهها، أو يعايشها. لذلك هو مختلف في كل واحد من هذه الأمثلة، وسواها.
في جانب آخر، هناك المخرج وعلاقته مع الممثل. إذا كان لديه ممثل أدمن الشخصية الواحدة سيتركه يكررها غالباً، لأن الفيلم يتوجه لمن ينتظر من الممثل لون أدائه السابق. أما إذا كان لديه ممثل في وزن دنيرو، أو راف فاينس، أو إيف مونتان، أو في مهارة محمود حميدة، أو فاطمة بن سعيدان، أو فاضل الجزيري، فإن الأغلب أن يترك الممثل، وشأنه لأنه يعلم قدر موهبته.
من الأسماء البارزة التي سترد في سباق الأوسكار، ونقابة الممثلين الأمريكية، والبافتا، وغولدون غلوبز، ليوناردو ديكابريو عن «معركة بعد أخرى» لبول توماس أندرسن، وجووَل إدغرتون عن «أحلام قطارية» (Train Dreams) لكلينت بنتلين، يمسك الممثل بزمام شخصيته من دون مشهد واهن واحد. وتوني سرفيللو عن دفء أدائه في «النعمة» لباولو سورنتينون، وربيكا فرغوسن عن «منزل الديناميت» لكاثلين بيغيلو، بسبب قوّة تفعيلها شخصية تعيش على خيط رفيع.