10 ديسمبر 2025

محمد رُضا يكتب: هموم مهرجاناتية

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

منذ أن عمد مهرجان صندانس، قبل نحو 20 سنة، إلى إقامة ورشة سيناريوهات يتقدّم فيها الكتّاب بمشاريعهم إلى لجنة تختارها إدارة المهرجان، ازداد عدد المهرجانات التي تريد أن توسّع دائرة نشاطاتها لتشمل لا السيناريوهات فقط، بل كل ما له علاقة بالصناعة.

مهرجان «كان» نموذج في ذلك. إنه عنوان تحوّل المهرجانات الكبيرة إلى سوبرماركت. كل ما تطلبه موجود من عرض أفلام (في تظاهرات وبرامج متعددة)، إلى سوق للأفلام لبيع المنتوج الفيلمي، أو شرائه، إلى حلقات، وندوات، وورش، ودكاكين أخرى. هو أقرب إلى «كرنفال» منه إلى «مهرجان»، وبنجاح فائق، بسبب مزايا كثيرة يتمتع بها.

اليوم معظم مهرجانات الصفين، الأول والثاني، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، افتتحت أسواقها الخاصّة بها. وبات العديد منها يسهم في الإنتاج عن طريق صناديق دعم. تعرض منتجات جانبية (كاميرات، إكسسوارات، كراسي الصالات). هذا مفرح لكثيرين من أبناء الصناعة، لكن أحداً لا يكترث لمفهوم المهرجان الحقيقي. لا أحد يريد أن يغامر باختيار الطريق الصحيح للتبلور كحدث.

المهرجان هو لاستقبال الأفلام المنتجة، وعرضها، في مسابقات أو خارجها، بهدف تعزيز ثقافة الجمهور، أو توسيع مداركه. لا بأس إن كان هناك أفلام ترفيهية جيدة. هناك جهات وأسواق خاصة لترويج المشاريع ودعمها.

بتُّ أحن إلى مهرجان سينمائي لا طموح له سوى اختيار الأفضل لجمهوره. هذا وحده علامة النجاح.

من ناحية أخرى يغيب عن الكثير من مهرجانات السينما العربية غاية أسمى، وهي التفكير في منهج يخرج منه المُشاهد بأكثر من الأفلام المطروحة، والتي من السهل جلبها. لا شيء تقريباً في إطار الاحتفاء بسينمات الأمس. لا أسابيع، أو تظاهرات داخل كل مهرجان لممثل، أو لمخرج، أو لكاتب، أو لموضوع ما. هناك فيلم أو فيلمان من الماضي يمرّان عابراً.

الناتج أن الجمهور يدخل ويخرج، وينسى بعد حين. معظم أفلام اليوم لا تتمتع بتلك القيمة التي كانت لأفلام الماضي، مصرية كانت أو أجنبية. هل هناك من يوازي غودار؟، تروفو؟، فيلليني؟، زيفرللي؟، شِبتكو؟، تاركوفسكي؟، أو بستر كيتون؟

يغيب عنها أيضاً الاحتفاء (أو «تكريم» كما يقولون) بسينمائيين من مخرجين، وممثلين، وكتّاب، ومصوّرين، أفنوا حياتهم في السينما، وبذلوا فيها كل شيء، ثم هم الآن في الشوط الأخير من حياتهم، لا يعملون، ولا أمل لهم أن يتذكرهم أحد. سينمائيون من أمثال محمد ملص، ورضا الباهي، وجيلاني فرحاتي... وعدد كبير آخر.

المهرجانات العربية تملك الفرصة لتزيد من ثقافة الجمهور. ما يقوم به معظمها هو ترفيه باختيارات تُقبل عليها، عندنا، نسبة محدودة.