فاطمة الخاطري: تكريم الشارقة بـ«نجم» يحمل اسمها دلالة على تميزها العلمي والثقافي
برزت فاطمة الخاطري، مدير قبّة الشارقة الفلكية بأكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك، كأحد الوجوه الإماراتية في مجال نادر الحضور نسوياً. كانت أول باحثة من جامعة الشارقة تنال درجة الماجستير في علوم الفلك والفضاء. في عملها واصلت تقدمها بأسلوب يجمع بين الدقة العلمية، ومتعة الاستكشاف. لتكون رحلتها ليست مجرد قصة نجاح فردي. بل حكاية إرادة تصنع مستقبلاً وتفتح أبواباً جديدة أمام الشباب.
في حوارنا معها نستعرض أهم محطات رحلتها المهنية، ورؤيتها لدور الإمارات في تمكين المرأة، إلى جانب طموحاتها في الارتقاء بالمشهد الفلكي على مستوى الدولة:
بداية، ما هي الأسباب التي قادتك إلى اختيار تخصص علوم الفلك والفضاء، رغم ندرة وجود النساء فيه محلياً؟
منذ بداياتي، كنت شغوفة بالفيزياء، وفهم الظواهر العلمية، ووجدت في علوم الفلك والفضاء مجالاً يجمع بين العلم، والابتكار، والإلهام. نُدرة وجود النساء في هذا التخصص محلياً، لم تكن عائقاً بالنسبة لي، بل شكّلت دافعاً أكبر للاستمرار، وإثبات أن المرأة الإماراتية قادرة على التميز في أدق المجالات العلمية. هذا التخصص بالنسبة لي ليس مجرّد اختيار أكاديمي، بل مسار يعبّر عن شغف ورغبة في المساهمة في تقدم الدولة في قطاع علمي متسارع، ومؤثر عالمياً.
كنت أول امرأة تحصل على درجة الماجستير في علوم الفلك والفضاء من جامعة الشارقة، ما موضوع رسالتك، وماذا عنى لكِ ذلك شخصياً؟
تمحورت رسالتي حول التصنيف الطيفي لعدد من مصادر الأشعة السينية في سحابة ماجلان الصغرى، اعتماداً على بيانات مرصد شاندرا، وتحليلها باستخدام جهاز VIMOS، على التلسكوب الكبير جداً (VLT)، في تشيلي. وقد ساعد هذا البحث على تمييز الأنظمة الثنائية من نوع Be-XRBs، وتحديد الأنواع الطيفية لنجومها المانحة، ما أتاح الحصول على أحد أكثر التعدادات شمولاً لهذه الأنظمة خارج مجرتنا.
كان هذا الإنجاز بالنسبة لي محطة هامة، ليس على المستوى الأكاديمي فقط، بل كخطوة أساسية لتمهيد الطريق أمام الشباب الإماراتي، وتشجيعه على خوض تخصصات علمية متقدمة.
تتولين إدارة القبّة الفلكية في أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك، ما هي أهم الأدوار التي تؤديها القبّة، وما هي أبرز المشاريع، أو المبادرات، التي تعمل عليها حالياً؟
قبّة الشارقة الفلكية تمثل منصة علمية متقدمة لنشر المعرفة وتعزيز الوعي بعلوم الفضاء والفلك والتكنولوجيا، لدى مختلف فئات المجتمع. نستقبل يومياً العديد من الوفود، الزوار، وطلبة المدارس، والجامعات، ونقدّم عروضاً تعليمية متخصصة تعتمد على أحدث تقنيات المحاكاة الفلكية، إلى جانب تنفيذ ورش علمية تفاعلية للطلبة لدعم مسارهم العلمي، وتمكينهم من المهارات الأساسية في هذا المجال.
ونعمل حالياً على تطوير مبادرات نوعية تهدف إلى ابتكار ورش علمية جديدة تسهم في تنمية جيل واعٍ، وقادر على التعامل مع المفاهيم الفلكية، كما نقوم بتحديث شامل للعروض الفلكية باستخدام أحدث أنظمة العرض والمحاكاة لضمان تقديم تجربة غامرة تثري الفهم العلمي، وتلهم الجمهور. وتأتي هذه الجهود انسجاماً مع رؤية إمارة الشارقة، ودولة الإمارات، في تعزيز علوم الفضاء والفلك والتكنولوجيا، وترسيخ دور القبّة كواجهة علمية وتعليمية رائدة.
حصلت الشارقة على نجم يحمل اسمها من الاتحاد الفلكي الدولي، ما الدلالات العلمية والثقافية التي يحملها هذا التكريم؟
يمثل هذا التكريم تجسيداً لمكانة الشارقة المتقدمة في دعم علوم الفضاء والفلك والتكنولوجيا، كما يحمل دلالات علمية وثقافية عميقة. فعلى الصعيد العلمي، يعكس هذا الاعتراف الدولي مستوى التقدم الذي حققته الإمارة في تطوير منظومة بحثية راسخة، وقادرة على المساهمة في الجهود الفلكية العالمية. وعلى الصعيد الثقافي، يشكّل هذا التكريم رمزاً يخلّد الدور الريادي للشارقة في نشر العلم والمعرفة، ويجسد رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في جعل العلم ركناً محوّرياً في الهوية الثقافية للإمارة.
كأول امرأة إماراتية تدخل هذا التخصص بعمق، ما أبرز التحدّيات المهنية والعلمية التي واجهتك؟
من أبرز التحدّيات التي واجهتها كان التعامل مع المتطلبات العلمية الدقيقة لهذا التخصص، بما يشمله من تحليل بيانات معقدة، واستخدام تقنيات متقدمة في البرمجة. كما كان الانتقال إلى مجتمع بحثي دولي يتطلب تطوير مهارات بحثية قوية، والالتزام بمعايير علمية عالية. ومع ذلك، شكّلت هذه التحدّيات فرصة للنمو المهني، أسهمت في صقل خبرتي، وبناء مسار علمي يمكّن الباحثات الإماراتيات من دخول المجال بثقة وكفاءة.
عندما تنظرين اليوم إلى تجربتك، ما البصمة العلمية التي تشعرين بأنك تركتها حتى الآن؟
أشعر بفخر بأنني أول إماراتية من جامعة الشارقة تحقق هذا الإنجاز في مجال علوم الفلك والفضاء. وأعتبر الإسهام في بناء حضور علمي إماراتي في التخصص البصمة الأبرز التي تركتها، إلى جانب تقديم نموذج مهني يعزز ثقة الشباب الإماراتي بقدرتهم على دخول مجالات علمية متقدمة. أسعى دائماً لأن يكون عملي إضافة حقيقية للمنظومة العلمية في الدولة، يساعد على فتح المجال لغيري لمواصلة البناء والتطوير.
اليوم، نرى المرأة الإماراتية تقود مشاريع فضائية، وتشارك في مهام تاريخية، وهذا دليل كبير على الثقة الكبيرة التي منحتها القيادة للمرأة
ونحن نحتفل بعيد الاتحاد، كيف ترصدين دور الدولة في تمكين المرأة الإماراتية، علمياً وقيادياً؟
دولة الإمارات قدّمت نموذجاً عالمياً في تمكين المرأة، حيث أصبحت شريكاً أساسياً في مسيرة التنمية والابتكار. وفي المجالات العلمية تحديداً، وفّرت الدولة البيئة المناسبة، والمنح البحثية، والفرص القيادية التي تمكّن المرأة من الإبداع والتأثير. اليوم، نرى المرأة الإماراتية تقود مشاريع فضائية، وتشارك في مهام تاريخية، وهذا دليل كبير على الثقة الكبيرة التي منحتها القيادة للمرأة.
ما هي رسالتك إلى المرأة الإماراتية التي ترغب في دخول هذا المجال؟
أدعوها إلى التقدم بثقة نحو علوم الفضاء والفلك، فهذه المجالات أصبحت ركيزة رئيسية اليوم في مسيرة التطور العلمي للدولة. ومع الدعم الكبير الذي تقدمه القيادة الرشيدة للباحثين والكوادر الوطنية، تمتلك كل امرأة فرصة حقيقية للمشاركة في مشاريع الاستكشاف والاكتشاف، والإسهام في توسيع آفاق المعرفة، وتعزيز حضور الإمارات في ميادين الفضاء العالمية.
* تصوير : السيد رمضان
