كانت مجرّد «لحظة غضب» بين الطرفين في مقر سكنهما، تحولت في لمح البصر إلى مُصيبة حلّت على الاثنين، فأحدهما فارق الحياة، والآخر وجد نفسه خلف القضبان.
رجلان غيّرت لحظة الغضب، التي يمكن وصفها بأنها «لحظة غضب قاتلة»، حياتهما إلى الأبد، بسبب خلاف بسيط كان يمكن حله بعقلانية، وبإعمال الحِكمة، لكن غيابهما كان أثره كارثياً .
تعود تفاصيل قصة الرجلين التي اطّلعت «كل الأسرة» عليها من حكم قضائي، إلى أن الاثنين كانا متواجدين في مقر سكنهما، في ساعات المساء، وكان الأول يقوم بتحضير الطعام لنفسه، أما الثاني فكان يجلس في الغرفة على سريره. ونظراً لتأخر الوقت طلب من الأول أن يقوم بإطفاء إنارة الغرفة، وأن يستخدم إنارة الهاتف النقال لاستكمال إعداد طعامه بدلاً من ذلك، لكونه يرغب في النوم.
لم يستجب الأول لطلب زميله في السكن، بل رفض رفضاً قاطعاً أن يقوم بإطفاء الإنارة، أو أن يُملي عليه الآخر الأوامر والطلبات بهذه الطريقة، وهنا تبادل الاثنان عبارات الشتم، واشتدّ النقاش بينهما، وتعالت الأصوات .
وفي لحظات بسيطة، وفي موجة غضب، تصاعد النقاش واحتدم، فتوجّه الثاني نحو الأول وأصبح على مقربة منه، واشتدت بينهما المشادة الكلامية، أكثر فأكثر، بسبب طريقة الرد بين الطرفين، فتشاجرا.
في تلك الأثناء، كان الأول يحمل في يده سكين تقطيع الخضار والفواكه الذي كان يستخدمه لتقطيع البصل، وإذ به في «لحظة الغضب» يستخدمه في توجيه طعنة قوية إلى الثاني، ليخترق منطقة الصدر.
دماء وصدمة
على الفور، بدأت الدماء تخرج من صدر الثاني، فأصيب الأول بحالة من الصدمة والذهول، ما فعله في لحظة غياب للعقل، وهو يشاهد الدماء تتناثر أمامه.
يصف الأول تلك اللحظة وما حدث فيها، فيقول: «طعنته من دون قصد، كنت أحمل سكيناً لتقطيع البصل وإعداد الطعام».
وتابع: «لقد غضب مني بسبب قيامي بتشغيل إنارة الغرفة والطبخ، وطلب إطفاء نور الغرفة، وتشغيل إنارة هاتفي، ولكنني رفضت ذلك، وعليه حدث شجار بيننا كانت نتيجته أنني طعنته».
ضربة مؤثرة
سقط الثاني إثر الطعنة على الأرض مغشياً عليه، فيما أبلغ أحد الشهود من القاطنين مع الرجلين الشرطة عن الواقعة، فحضرت إلى المكان، بينما هرعت سيارة الإسعاف ونقلت المجني عليه إلى المستشفى، لكن الضربة كانت «مؤثرة».
ووفقاً للتقرير الطبي الخاص بالمجني عليه، فإن «السكين أصاب منطقة الصدر، ووصل إلى عضلة القلب، وأحدث تمزقاً فيها، ما نتج عنه ارتشاح دموي حول القلب أدى إلى وفاته».
لم أقصد
ألقت الشرطة القبض على الأول في مقر السكن، وضبطت السكين بحوزته، وأقرّ فوراً بأنه قام بطعن المجني عليه بواسطة السكين ما أدى إلى وفاته، مؤكداً أنه لم يكن يقصد قتله.
لائحة اتهام
رفعت النيابة العامة لائحة اتهام بحق الرجل الأول إلى الهيئة القضائية في المحكمة الابتدائية، بتهمة «قتل المجني عليه عمداً، لأنه طعنه في صدره بواسطة سلاح أبيض، سكين، والذي يعتبر أداة حادة قاتلة».
وطالبت النيابة العامة الهيئة القضائية، بمعاقبة الرجل عملاً بالمادة 384 البند أولاً من قانون العقوبات والجرائم الاتحادي رقم 31 لسنة 2021، التي تنص على عقوبة تصل إلى السجن المؤبد في جرائم القتل العمد، إلى جانب المطالبة بإبعاده عن الدولة بعد قضاء مدة الحكم، عملاً بالمادة 126 من القانون ذاته.
رأي المحكمة
مثُل الشاب أمام الهيئة القضائية وأنكر تعمّده قتل المجني عليه، مُجدداً تأكيده أن ما حدث كان من دون قصد منه.
نظرت المحكمة أوراق القضية ورأت عدم وجود تعمّد في جريمة القتل، وقالت في منطوق حكمها: «كان البيّن لهذه المحكمة من مطالعة أوراق الدعوى، وما حوته من أدلة، أنها لا تُنبئ عن توافر نية القتل العمد في حق المتهم، لأسباب حاصلها أن تعدّي المتهم على المجني عليه كان إثر خلاف بينهما بسبب طلب من الأخير تطوّر إلى حدوث مشادة بينهما، قام على إثرها المتهم بتسديد طعنة في صدر المجني عليه مستخدماً في ذلك السلاح الأبيض، السكين، الذي كان يحوزه أثناء إعداده الطعام الخاص به، من دون أن يُعدّه مُسبقاً بغرض التعدّي على المجني عليه».
وأضافت المحكمة: «ومن أسباب عدم توافر نية القتل العمد عدم قيام المتهم بموالاة التعدي على المجني عليه عقب سقوط الأخير أرضاً، وهو ما زال على قيد الحياة، على الرغم من أنه كان في استطاعته الإجهاز عليه لإزهاق روحه، ومن ثم فإن ما أتاه من أفعال يدل على أن قصده من التعدّي إنما جاء بهدف إيذاء المجني عليه من دون إزهاق روحه».
وقررت المحكمة تعديل وصف الاتهام من جريمة «القتل العمد» إلى جريمة «الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه الذي أفضى إلى موته، ومساءلة المتهم عن هذه التهمة».
7 سنوات وإبعاد
قضت محكمة أول درجة بمعاقبة الرجل بالسجن لمدة خمس سنوات، وأمرت بإبعاده عن الدولة، عن تهمة الاعتداء على سلامة المجني عليه ما أدى إلى وفاته، وأيدتها محكمة الاستئناف في التهمة، لكنها قضت بتشديد العقوبة إلى السجن سبع سنوات مع الإبعاد عن الدولة، مؤكدة أن رفع العقوبة لمدة سنتين إضافيتين يتناسب مع الجرم الذي ارتكبه، وأنهى به حياة إنسان، لتكون بهذه النهاية نتيجة «لحظة الغضب القاتلة».