25 نوفمبر 2025

إنعام كجه جي تكتب: معلمة فرنسية في إضراب

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

جلست فانيسا كويلر على الأرض أمام بوابة دائرة التعليم، في مدينة ستراسبورغ، شرقي فرنسا. وضعت الشابة، البالغة من العمر 25 عاماً، لافتة أمامها تعلن فيها أنها بدأت إضراباً مفتوحاً عن الطعام لحين منحها وظيفة في إحدى المدارس.

يتابع الفرنسيون الخبر، ويرون فانيسا على شاشات نشرات الأخبار، ويستغربون. فمن المعروف أن مدارس البلاد تعاني، منذ سنوات، نقصاً في المعلمين والمعلمات. وطالما سمعنا أولياء أمور التلاميذ يشتكون من ساعات الفراغ والفجوات بين الدروس بسبب غياب معلمة بسبب الولادة، أو معلم في إجازة مرضية. وليس أمام إدارات المدارس من حلول لهذه الحالات الطارئة لقلة عدد الكادر المشتغل بالتعليم.

لكن هذه الشابة التي تطالب بعمل كشفت وجهاً آخر لسوء الإدارة. فهي قد أنهت تعليمها الجامعي، واجتازت دورة تؤهلها للتدريس، وتسجلت مع عشرة زملاء لها في قائمة الانتظار. إنها قائمة تمهيدية تلجأ إليها المدارس لاختيار معلمين جدد في حال خروج أحد قدامى المعلمين على التقاعد، أو غيابه بسبب مرض عضال، أو حادث.

تقول فانيسا للصحفيين الذين ذهبوا لإعداد تقرير عنها، إن تلك القائمة كذبة كبيرة، وهي بمثابة ذر الرماد في الأعين، وتصبير الخريجين الجدد على أمل استدعائهم، ذات يوم، لوظيفة شاغرة. لكن ذلك الاستدعاء لن يحدث، لأن الإدارات تستعين بمتعاقدين مؤقتين من هنا وهناك، بدل تعيين معلمين ومدرّسين مؤهلين وثابتين. لماذا؟ لأن المدرس المتعاقد يحصل على أجر يقل عن مرتب الثابت.

قد لا يهم القراء ما يحدث في فرنسا، طالما أنه بعيد عنهم، وعن مدارس أبنائهم وبناتهم. لكن منظر معلمة تفترش الرصيف في موسم خريفي ماطر يبقى خبراً يستحق الانتباه. إنها تطلب عملاً هي أولى به من غيرها. لكنها تبقى في بطالة، وتضطر للاعتماد على أهلها في نفقاتها، أو أن تشتغل جليسة أطفال تقبض أجراً بالساعة لحين انفراج الأزمة. وهي ليست حالة فردية، بل تبين أن هناك المئات من أمثال حالتها في البلاد. يسمعون تصريحات وزيرة التربية الوطنية عن الحاجة الماسة إلى معلمين مؤهلين لكن الوزارة لا تتدخل لتعيينهم.

بعد ساعات عدّة من بدء إضرابها عن الطعام، خرج أحد العاملين في المديرية لكي يتحدث معها، ويفهم مطالبها. وقد فهمت منه أن التعيينات الجديدة لن تتم قبل الموسم المدرسي في العام المقبل. مع العلم أن عدداً من المعلمين والمعلمات قد استقالوا لأسباب مختلفة، في المدينة نفسها، وبقيت حصصهم شاغرة. ولهذا، فإنها ستبقى جالسة في مكانها على الرصيف من السابعة صباحاً، وحتى الثامنة مساء، كل يوم، لحين تدخّل المسؤولين وحلّ مشكلتها. تمنيت أن ألتقي فانيسا وأمسك بيدها لكي تنهض من جلستها، وتسمع مني ترجمة لما قاله شاعر مصر الكبير أحمد شوقي، قبل نحو من 100 عام: «قمْ للمعلّم وفّه التبجيلا... كاد المعلّم أن يكون رسولا».