انطلقت الدورة الثانية من معرض «ضيّ دبي الفني» في ساحة الوصل، بمدينة إكسبو دبي، لتفتح أبوابها أمام الجمهور لمعايشة تجربة فنية فريدة من نوعها، حيث يلتقي الضوء بالإبداع ليحكي حكايات الفن الإماراتي المعاصر، وروابطه العميقة بالتراث.
يمتد المعرض من 12 إلى 18 نوفمبر 2025، ويضم سبعة أعمال ضوئية متميزة، لفنانين إماراتيين من ثلاثة أجيال، تقدم رؤية جديدة للضوء كوسيط يجمع بين الثقافة والابتكار. في هذه المساحة التي تمزج بين التأمل والدهشة، يعيش الزائر رحلة بصرية وسردية، يكتشف خلالها عمق الهوية الإماراتية، في تجربة تتخطى حدود المشاهدة، لتصبح حواراً بين الفن والجمهور، مستلهمة شعار المعرض: «الضوء يلهم الحياة»، حيث تقود آمنة أبو الهول، المخرج الإبداعي التنفيذي للفعاليات والترفيه في مدينة إكسبو دبي، والقيّم الفني لمعرض «ضيّ دبي»، نسخة هذا العام مع أنتوني باستيك، الرئيس التنفيذي والمخرج الإبداعي التنفيذي لشركة «إيه جي بي» العالمية، بحيث يتعاون الحدث مع سبعة فنانين إماراتيين يمثلون ثلاثة أجيال مختلفة، يقدم كل فنان منهم منظوراً مختلفاً حول أهمية الضوء في الثقافة الإقليمية، فضلاً عن أهميته الرمزية في التقاليد المحلية.
فاطمة لوتاه... التأمل في الذات والوجود
تأمل فاطمة لوتاه أن يلامس العمل شيئاً بسيطاً من الجفاف الذي أصاب الكثير من القلوب. فقد استطاعت فاطمة لوتاه، أحد أبرز الوجوه الفنية الإماراتية، أن تمنح الضوء بُعداً إنسانياً وشاعرياً في أعمالها، فهي ترى أن الضوء ليس مجرّد انعكاس بصري، بل هو لغة داخلية تُترجم المشاعر والانفعالات. وفي منحوتتها المشاركة هذا العام، تنطلق لوتاه من مفهوم «الضوء بوصفه نبضاً روحياً»؛ إذ تحوّل حركته وانسيابه إلى سرد بصري يلامس الوجدان، ويعيد الزائر إلى تفاصيل الحياة اليومية التي تُنسى وسط زحام العصر. أعمالها مملوءة بالهدوء، لكنها تقود المتلقي إلى عمق التأمل في الذات والوجود.
وأوضحت فاطمة لوتاه في حديثها «لكل الأسرة» أن هذا العمل التركيبي المستوحى من «آية النور» هو عمل فني معقّد في تفاصيله، ولم يكن ليكتمل لولا الجهد الجماعي المبذول من فريق العمل، «فأنا شخصياً لم أكن لأستطيع إنجازه وحدي، ولهذا أتقدّم إليهم بالشكر العميق، فقد انطلقت الفكرة من مجموعة صور التقطتُها لشجرة الزيتون الموجودة في منزلي في إيطاليا؛ ومنها بدأت رحلة البناء الفني، لننتقل تدريجياً إلى كل العناصر التي ترونها اليوم في العمل. أما القصد من هذا العمل، فهو أن تهتزّ قلوبنا أمام جمال الآية، وأن يلامس نورها أعماقنا فيطهّرها، ويعيد إليها صفاءها، في زمن أصبح – للأسف – يزداد قتامة. نأمل أن ينجح هذا العمل في أن يغيّر ولو شيئاً بسيطاً من هذا الجفاف الذي أصاب الكثير من القلوب، وأن يفتح نوافذ للضياء والرحمة».
محمد كاظم... تفاصيل لا تُرى بالعين المجردة
يواصل محمد كاظم، أحد أعمدة الفن المفاهيمي في الإمارات، استكشاف العلاقة المعقدة بين الإنسان والمكان. يستخدم الضوء في عمله ككاشف للحدود غير المرئية، وكأداة تساعد الزائر على التفاعل مع الفضاء المحيط. يطرح كاظم أسئلة حول الذاكرة والجغرافيا، وكيف يمكن للضوء أن يكشف طبقات من التفاصيل التي لا تُرى بالعين المجرّدة. عمله في «ضيّ دبي» يقود الجمهور في مسار بصري يتغيّر بتغيّر زاوية النظر، ليصبح الزائر جزءاً من التجربة، وليس مجرّد متفرج، ويقول «مشروعي الفني تحت اسم «اتجاهات مدينة إكسبو». يُعد هذا المشروع عملاً إنشائياً يعتمد على تكوينات فنية ومعمارية دقيقة، فخلال ساعات النهار لا نستخدم أيّ مصدر للضوء الاصطناعي، إذ يعتمد العمل اعتماداً كاملاً على ضوء الشمس الطبيعي. أمّا عند لحظة الغروب، فنبدأ بإبراز تأثير بصري يجعل السماء تبدو بدرجة مميزة من اللون الأزرق، لتكون امتداداً بصرياً للمرحلة التالية من التجربة الفنية. ويتيح هذا العمل للمشاهد إمكانية التفاعل الجسدي والبصري معه؛ إذ يمكنه التجوّل حوله، ورؤيته من زوايا مختلفة، ليعيش في كل زاوية تجربة جديدة، ورؤية مغايرة للعمل».
الزينة لوتاه... التفاعل المباشر بين الضوء والزائر
تتعامل الزينة لوتاه مع الضوء بوصفه شريكاً في صياغة العمل الفني، لا مجرّد عنصر جمالي. فعملها يقوم على التفاعل المباشر بين الضوء والزائر، بحيث يصبح المشاهد جزءاً من تكوين القطعة نفسها. وتستفيد لوتاه من قدرتها على الدمج بين الفنون الرقمية والتشكيلية، لتقدم عملاً حيوياً يتغيّر باستمرار مع حركة الأجساد، والظل، والضوء. ويحمل عملها رسالة واضحة: الفن ليس ساكناً، بل كيان ينبض بالحياة عبر التفاعل والتجربة.
وأوضحت في حديثها «لكل الأسرة» أنها تقدّم من خلال معرض «ضيّ دبي» مشروعها الفني بعنوان «مساقي الصحراء»، وهو عمل يستلهم قصة أجدادنا وتجاربهم، والقرارات المصيرية التي اتخذوها آنذاك ليبنوا أسرهم ويحافظوا عليها، وليواصلوا المسيرة جيلاً بعد جيل «أردتُ من خلال هذا العمل أن أستحضر ذلك الشعور العميق، وأن أنقله إلى الزائر ليعيش جزءاً من تلك الحكايات التي شكّلت هويتنا. تبدأ القصة من شغفي بتوثيق دبي؛ فقد استلهمتُ فكرتي من صور التقطتها لبيئتها ومعالمها، إضافة إلى صورٍ أخرى عرضها لنا «إدبي»، والتي ساعدتني على صياغة الفكرة والتصميم».
خالد البنا... الضوء حلقة وصل بين الماضي والحاضر
يُعرف خالد البنا بقدرته على إعادة صياغة التراث الإماراتي برؤية تجريدية عميقة. يستخدم الضوء كحلقة وصل بين الماضي والحاضر، ويمنح عناصر التراث التقليدي حياة جديدة. في عمله لهذا العام، يستلهم أشكالاً من الموروث الشعبي، ويعيد تشكيلها بخطوط تفاعلية مضيئة تتناغم مع حركة الجمهور. يجذب البنا الزوّار من خلال تجربة حسية تدمج بين الدهشة والحنين، وتبرز الدور المستمر للضوء في تشكيل الوعي الثقافي.
علياء بن عمير... من الطفولة والذاكرة الشعبية والصناعات اليدوية
تقدّم علياء بن عمير عملاً يفيض بالذكريات، ويعكس حضور المرأة الإماراتية في المشهد الفني المعاصر. تنطلق في رؤيتها من الطفولة والذاكرة الشعبية والصناعات اليدوية، لتعيد تخيّلها في قالب ضوئي مبتكر. وتستخدم علياء الضوء ليكون «حافظة ذاكرة»، فتنسج من خلاله قصصاً صغيرة تنبض بالدفء، وتعيد ربط الأجيال بعناصر التراث. عملها هذا العام يحقق توازناً بين الحنين والابتكار، ويمنح الزوّار مساحة للتوقف عند تفاصيل بسيطة، لكنها مؤثرة.
وفي هذا المعرض، تقدم علياء للزائر لمحة بسيطة، مؤثرة من التجربة الشعورية التي يمكن أن يعيشها الإنسان حين يكون في قلب الصحراء، وسط الضوء والظل، وبين سكينة المكان وعمق الذاكرة. فقد أرادت أن يشعر الزائر بما شعر به أجدادنا. تلك اللحظات التي تجمع بين القوة والطمأنينة والانتماء.
* تصوير: السيد رمضان
