ثلاثة أفلام هامّة نظرت إلى المستقبل بقلق كبير. أولها «ميغالوبوليس» لفرنسيس فورد كوبولا (2024)، ، والثاني- حسب روزنامة عروضه، «معركة بعد أخرى» لبول توماس أندرسن (هذا العام)، أما الثالث فهو الفيلم الحالي «منزل الديناميت» لكاثرين بيغلو.
«ميغالوبوليس» أكثر وضوحاً في هذا السياق، لكن «معركة بعد أخرى» لا يتخلّف عن هذه القراءة الحاضرة التي تحذّر من مستقبل تؤول فيه البلاد صوب الممارسة الأحادية للحكم، الأمر الحاصل اليوم الذي دفع بنحو 9 ملايين أمريكي قبل أيام، إلى الخروج في تظاهرات عمّت المدن الأمريكية الكبرى.
«معركة بعد أخرى» يستمد من الماضي أيضاً ليتحدّث عن الحاضر، والمستقبل القريب. أما «منزل الديناميت» فهو تشويق سياسي يقوم على افتراض: ماذا لو أفاقت الولايات المتحدة على صاروخ نووي عابر للقارات لا تستطيع ردعه؟
أفلام تحذير
هذه الأفلام ليست الوحيدة التي نظرت إلى المستقبل بعين قلقة. وإن استبعدنا أفلام الكوارث الطبيعية والكوارث الناتجة عن حروب، أو أمراض معدية تبيد البشرية، أو تكاد (وهو النوع الأكثر مباشرة وأكثر انتشاراً)، فإن الحاصل مجموعة من الأفلام الجادّة في توفير هذا التحذير. وهي، في هذه القراءة الحالية، تختلف أيضاً عن أفلام الستينيات والسبعينيات التي تناولت موضوعات تتعلّق بخطر محدق بالرئاسة الأمريكية، مثل «المرشح المنشوري» (The Manchurian Candidate) لجون فرانكنهايمر (1962)، أو تناولت الدولة العميقة التي تُمارس الحكم من وراء ستار داكن، كما «منظر مُختلف» (The Parallax View) لألان ج. باكولا (1974). هذان الفيلمان ومعهما «كل رجال الرئيس» (All the President’ Men) لباكولا أيضاً (1976)، لم تتحدث عن مستقبل مُقبل، بل عن حاضر تلك الأيام، مستخدمة خيالاً جانحاً في «المرشح المنشوري»، وحكاية شبه واقعية («منظر مختلف»)، وحادثة حقيقية («كل رجال الرئيس»).
في عام 1968 أطلق ستانلي كوبريك A space Odyssey التحذير الأول (نسبة لما تلاه)، حيث ستستولي الآلة ذات الذكاء الاصطناعي على مقدّرات الإنسان، بما في ذلك حكمه، وآلية ذلك الحكم. لم يتضح ذلك إلا بعد أكثر من عقدين على نحو فعلي، لكننا في عام 2001 شهدنا كارثة نيويورك الإرهابية التي لا يزال الحديث يدور حول الجهات التي خططت لها.
في العام ذاته، قدّم ستيفن سبيلبرغ A.I: Artificial Intelligence الذي هو من كتابة كوبريك، وفيه مستقبل لأمريكا منقسمة بين طبقتين، واحدة ثرية والأخرى من السواد الذين يبحثون عن الترفيه في ميادين شبه رومانية. حتى فيلم كوبريك الأخير Eyes Wide Shut «عينان مغلقتان باتساع»، 1999 مع توم كروز ونيكول كدمان في البطولة، حمل حديثاً عن المؤسسات السريّة التي تُدير حياة الأفراد والمجتمعات. بعض النقاد الأمريكيين تحدّث عن أن كوبريك إنما يعني المؤسسة الماسونية، وهو أمر محتمل.
أفلام تشعل الترقب من فوق وتحت
ما الذي سيحدث لأمريكا إذا انفلت الحبل من يدي الإنسان، كان هذا موضوع فيلم آخر لسبيلبرغ، وهو «تقرير الأقلية» (Minority Report). في «ذكاء اصطناعي» تناول مستقبلاً بعيداً لكنه محتملاً في معظمه (أي استثناء النهاية التي تتحدث عن هبوط مخلوقات غير آدمية من الفضاء الخارجي). لكن «تقرير الأقلية» هو بالتحديد عن مستقبل قريب تستطيع فيه الحكومة مراقبة ما يدور، وتتدخل في حياة أيّ شخص متى أرادت.
إنه التقدّم الذي ينضوي على فاشية السُلطة تماماً، كحال سلسلة Hunger Games التي قد تكون مادة استمتع بها الجمهور السائد بسبب ما تحتويه من مغامرات، لكنها تحذير من حكومة الصف الواحد.
في صميم هذه السلسلة (تألّفت من خمسة أجزاء من عام 2012 حتى 2023، وهناك جزء سادس سيتم عرضه في العام المقبل)، أن أمريكا أصبحت عبارة عن دولة تضم الأثرياء في منطقة محدّدة، ما يسهّل حكمها. خارج تلك المنطقة تمتد الأراضي التي يسكنها باقي الأمريكيين، بلا أمن أو وقاية. النخبة التي في المدينة لديها لعبة لتسلية القاطنين فيها، وهي إجراء قتال فردي بين العامّة. هذا الجزء يدخل في عداد الحكاية التي يوفرها الفيلم لمشاهديه، لكن مفادها أن أمريكا قد خلت من حكم ديمقراطي.