03 نوفمبر 2025

هدايا الشتاء البسيطة... دفء يحيي إنسانيتنا ويعزز روابطنا

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

مع بداية موسم البرد، تتبدّل طقوس التواصل بين الناس، فيصبح للعطاء طابع أكثر دفئاً وإنسانية، لتأتي الهدايا الشتوية لا لتعبّر عن الذوق، أو القدرة المادية فقط، بل لتكشف عن عمق العلاقة وصدق المشاعر، لتصبح قطعة صغيرة من الصوف، أو معطف يقي من البرد، قادراً على فتح نوافذ من الألفة بين القلوب، وإعادة دفء العلاقات التي بردت مع مرور الوقت.

لكن، ما الذي يجعل الهدايا في هذا الفصل تحديداً، أكثر تأثيراً في الروابط الاجتماعية؟ وهل تعكس الحاجة النفسية إلى الدفء والأمان أكثر مما تعكس الرغبة في الإهداء؟ وكيف يمكن لهدية بسيطة أن تزرع الامتنان في نفوس من يقدّمون لنا الدعم يومياً، من الفئات المساعدة؟. تساؤلات نطرحها في هذا التحقيق على مختصين في علم الاجتماع وخبراء في العلاقات الإنسانية والإتيكيت، لنتعرف كيف تتحول الهدايا الشتوية إلى لغة تُعبّر عن الحب والوفاء، بطريقة تفوق الكلمات.

د. نورة الكربي
د. نورة الكربي

الدكتورة نورة الكربي، أستاذ مساعد في قسم علم الاجتماع ورئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي في جامعة الشارقة، تقول «الأبعاد النفسية والاجتماعية لتبادل هدايا الشتاء لها خصوصية استثنائية، لكونها وسيلة فاعلة لتعزيز الروابط الاجتماعية، ومع ذلك تؤدي دوراً مزدوجاً، فهي من جهة تسد حاجة مادية محسوسة، كالحماية من البرد، ومن جهة أخرى تلبي حاجة عاطفية عميقة إلى الشعور بالاهتمام، لهذا، فإن تبادل الهدايا في هذا الموسم يعزز التماسك الاجتماعي، ويشعر الأفراد بأنهم حاضرون في ذاكرة الآخرين في هذا الموسم المميّز ببرودته».

«ولعل ما يرتبط بهدايا الشتاء هو رمزيتها العالية مقارنة بقيمتها المادية، فكثير من الأفراد يعبّرون عن تقديرهم لهدايا بسيطة تفوق بكثير ما يشعرون به تجاه هدايا فاخرة، في مناسبات أخرى، السبب في ذلك يعود إلى أن هذه الهدايا غالباً ما تُقدَّم من باب الرعاية، ومن عمق الحاجة، لذلك فهي تصل إلى القلب مباشرة. كما يمكن اعتبار هذه الهدايا وسيلة فعّالة لإعادة وصل ما انقطع من علاقات، فالهدية في هذا السياق تأتي كرسالة اعتذار غير منطوقة، أو كعلامة على التقدير المتجدد، وفي كثير من الأحيان، تكون هذه البادرة كفيلة بإذابة جليد الصمت، أو التوتر».

مجلة كل الأسرة

وعن أهمية ما تقوم به الأسرة من دور في هذا الصدد، توضح د. نورة «تلعب الأسرة دوراً مركزياً في غرس قيمة تبادل الهدايا الموسمية، من خلال سلوك الأهل تجاه بعضهم بعضاً، وتشجيع الأبناء على مشاركة الآخرين والاهتمام باحتياجاتهم. هذه الممارسات اليومية تكرّس قيم التعاطف والتكافل الاجتماعي، وتبني نموذجاً إيجابياً للروابط، الأسرية والمجتمعية، وعندما يُقدَّم المعطف، أو الشال، لفئات قد لا يُلتفت إليها عادة، كالحرّاس، أو عمال النظافة، أو الفئة المساعدة في المنزل، فإن الرسالة تكون بالغة التأثير، فالتقدير لا يُقاس بالموقع الاجتماعي، والعطاء لا يقتصر على دائرة الأقربين. هذه المبادرات تعزز ثقافة الامتنان، وتعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية، أما مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت ثقافة الهدايا أكثر انتشاراً، لكنها أيضاً أكثر عرضة للسطحية والاستعراض. ومع ذلك، لا يمكن إغفال الجانب الإيجابي، إذ تسهم هذه المنصات في نشر المبادرات الهادفة، وتذكير الناس بأهمية العطاء، بخاصة في موسم البرد. وأخيراً، ما يجعل هدية الشتاء عالقة في الذاكرة هو اجتماع ثلاثة عناصر: الحاجة التي تمسّ شيئاً حقيقياً في الإنسان، والرمز الذي يعكس مشاعر حقيقية، والموقف الذي يُقدم فيه العطاء، وحين تلتقي هذه العناصر، تصبح الهدية ذكرى دافئة لا تنسى».

د. شيخة الدوسري
د. شيخة الدوسري

الهدايا... لغة مودة واحترام

من جانب آخر، تعلق الدكتورة شيخة الدوسري، خبيرة المظهر والأناقة والحاصلة على البورد الأمريكي في الإتيكيت، قائلة «الأناقة في الشتاء ليست مظهراً فحسب، بل إحساس بالدفء والاهتمام، فقطعة الأزياء التي تُختار بعناية مثل معطف، شال، قبّعة، تعبّر عن المشاعر بصدق يفوق الكلمات، لأنها تحمل في طيّاتها لمسة ذوق واحتواء. فبلا شك تحمل هدايا الشتاء روحاً خاصة، إذ تجمع بين الفخامة والدفء في آنٍ واحد، فمع ملمس الأقمشة، ونعومة الصوف، والألوان الغنية، كل ذلك يحمل طاقة مريحة، تُشعر من يتلقاها بالعناية والاهتمام، كما أن استخدامها اليومي يجعل الهدية حاضرة».

الهدية وسيلة أنيقة للتعبير عن المشاعر بطريقة تفوق الكلمات

ولكن ما الذي يجب مراعاته عند اختيار هدية شتوية تعبّر عن الذوق والاهتمام في آنٍ واحد؟ تجيب د. شيخة «لم تعد الهدايا مجرّد ترف أو مظهر خارجي، بل تحوّلت إلى لغة تعبّر عن المودة والاهتمام. فالهدية تحمل بين طيّاتها رسالة دفء وتقدير، فضلاً عن كونها قادرة على إسعاد الطرفين وإضفاء لمسة إنسانية راقية على العلاقة، ومن المؤكد أنها وسيلة أنيقة للتعبير عن المشاعر بطريقة تفوق الكلمات، ومن الهام أن تُختار بعناية، وبما يتناسب مع أسلوب وشخصية من تُهدى إليه، فيجب الانتباه إلى نوع القماش، الألوان التي تليق به. وهنا أودّ أن أوضح شيئاً، وهو أن الألوان الداكنة لم تعد وحدها سيدة المشهد، فالدفء يمكن أن يُعبَّر عنه أيضاً بألوان مشرقة وناعمة، كالعسلي، والوردي الترابي، والرمادي المائل للأزرق، فالأهم هو التوازن بين اللون والنسيج، فكلما انسجما معاً، ظهرت الأناقة الدافئة والأنثوية في الوقت نفسه. ولا يجب تجاهل التغليف الأنيق، وأسلوب تقديم الهدية بطريقة راقية، يعكسان الذوق والاهتمام، فالتفاصيل الصغيرة هي ما يجعل الهدية مميزة لدى مستقبلها».

مجلة كل الأسرة

وعن فن اختيار الهدية الشتوية، تعلق د. شيخة الدوسري خبيرة المظهر والأناقة والإتيكيت «الاختيار المدروس يبدأ بفهم ذوق من تُهدى إليه، فللصديقة العملية مثلاً، يمكن اختيار قطعة بسيطة وأنيقة، كوشاح صوفي، أو حقيبة جلدية راقية، أما للوالدة فيُفضّل اختيار هدية تحمل لمسة حنان، كعباءة من المخمل، أو شال فاخر مع عطر تفضله. ومن الملاحظ أن بعض العلامات التجارية تطرح مجموعات هدايا شتوية جاهزة، وأرى أن هذه المجموعات، على الرغم من كونها تلهم وتسهّل الاختيار، إلا أنها لا تُغني عن اللمسة الشخصية، ويمكن اعتمادها كأساس، مع إضافة تفصيل خاص يعيد للهدية خصوصيتها، مثل اختيار لونٍ معين، أو بطاقة بخط اليد، أو تغليف بطابع شخصي يعبّر عن المهدِي. أما بالنسبة إلى الفئة المساعدة فالاهتمام بجودة الصوف التي تعطي دفئاً مع الألوان التي يفضلونها، يكون معبراً عن الأجواء».

مجلة كل الأسرة

وتتابع الدكتورة شيخة الدوسري «لابد أن نتذكر أن الهدية ليست بقيمتها، بل بما تحمله من مشاعر، وذوق في الاختيار، فربما شمعة فاخرة تعبق بدفء الشتاء، أو كوب خزفي أنيق لمشروب دافئ، أو شال ناعم بألوان حانية، تؤدي الغرض، فالسّر الحقيقي يكمن في النية خلف الهدية، فحين تُقدَّم بعفوية ومحبة، تتحول أبسط الهدايا إلى أثر عميق في القلب، وتغدو قيمتها المعنوية أغلى من أيّ ثمن مادي، فهي رسالة تقدير لا يُقاس جمالها بما يُعاد مقابلها، بل بما تُشعل من دفء في النفوس».

مجلة كل الأسرة

5 نصائح لهدية شتوية تترك دفئاً لا يُنسى

  • اختر ما يُشبه المُهدى إليه لا ما يُعجبك أنت: قبل شراء الهدية، فكّر في طباع الشخص، ألوانه المفضلة، وروحه، فقد يكون شالاً بلونٍ يحبه، أو كوباً مكتوباً عليه اقتباس يعبر عنه، فالتخصيص الصادق أهم من السعر.
  • اجعلها عملية ولكن بروح دافئة: الهدايا الشتوية الجميلة هي التي تجمع بين الفائدة واللمسة الإنسانية، مثل شال ناعم، أو شمعة عطرية، أو مجموعة عطور شتوية مغلفة بطريقة أنيقة.
  • أضف لمستك الشخصية: بطاقة صغيرة بخط اليد، أو جملة من القلب تُكتب مع الهدية، تجعلها أكثر تأثيراً من أي تغليف فاخر، فالناس يتذكرون المشاعر أكثر من الأشياء.
  • اهتم بطريقة التقديم لا بقيمتها: طريقة التغليف، اختيار الألوان الشتوية الهادئة، وربما تسليمها في لحظة غير متوقعة، كلها تفاصيل تحول الهدية البسيطة إلى ذكرى تبقى طويلاً.
  • قدّمها بنية الدفء لا المجاملة: عندما تُمنح الهدية من قلب صادق، تصل الرسالة من دون كلمات، فالمعطف، أو الشال يصبح وسيلة لقول: «أفكّر فيك، ولم أتذكر المناسبة فقط».