مجلة كل الأسرة
01 نوفمبر 2025

عائشة الحمراني: الفن جسور بين التراث والحداثة

فريق كل الأسرة

على غلاف
على غلاف "كل الأسرة" لهذا الشهر عائشة الحمراني

بين زخارف المندوس العتيقة، وألوان الحداثة وحيوية الملاعب، تصنع الفنانة الإماراتية عائشة الحمراني عالماً يلتقي فيه التراث بالإبداع المعاصر. الفن بالنسبة إليها ليس مجرّد رؤية، بل تجربة حيّة تصل الأجيال، تحفظ الذاكرة، وتفتح أبواب الفضول أمام كل من يريد اكتشاف قصة الإمارات وهويتها، بألوانها وروحها الخاصة.

في هذا الحوار الذي أجرته الزميلة هويدا عثمان، تأخذنا عائشة في رحلة بين الإلهام والهوية، عبر تفاصيل «المندوس» الذي جسدت قيمته الفنية والمعنوية، في تصميم ملعب كرة السلة الجديد في «منتزه الشيخة فاطمة»، ضمن مبادرة دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي لتجديد الملاعب المجتمعية.

مجلة كل الأسرة

في البداية، سألنا عائشة الحمراني عن أول مشروع فني شعرتِ من خلاله بأنك وجدت صوتك الفني، فأكدت «أقرب مشروع إلى قلبي هو رسم قصة «القائدان البطلان»، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهي اليوم ضمن مناهج الدولة الدراسية. هذا المشروع جمع بين عدة أهداف لطالما سعيت لتحقيقها، أهمها توثيق تاريخ الإمارات من خلال الفن، وجعل رسوماتي جزءاً من ذاكرة الناشئة، وحياتهم اليومية عبر التعليم.

كما أن لي عملاً آخر مدرجاً في المناهج هو «الأصوات الصامتة» لنورة الكعبي، الذي يروي قصة طفلة إماراتية وُلدت صمّاء وتغلّبت على التحديات بشجاعة. هذه الأعمال جعلتني أرى الفن كجسرٍ للتأثير في الأجيال القادمة».

مجلة كل الأسرة

الثقافة الإماراتية مصدر إلهام غني وعميق ، ومنها تستمد عائشة عناصر فنية هي الأكثر حضوراً في أعمالها ، هذا ما شرحته لنا بقولها «يلهمني في الثقافة الإماراتية قدرتها الفريدة على التجدّد من دون أن تفقد أصالتها. نرى مثلاً لباس «المخور» يرتديه الأطفال اليوم بنقوش عصرية، وألوان حديثة، فيعكس هذا التوازن الجميل بين الفخر بالهوية، والانفتاح على روح العصر. وهذا التناغم يتكرر في تفاصيل كثيرة من حياتنا اليومية في العمارة، والحِرف، واللغة، حيث يلتقي الماضي بالحاضر بانسجام مدهش».

الاحتفاء بالثقافة والبيئة والهوية، هي الدافع الذي منه وُلدت فكرة استلهام تصميم ملعب التنس من «المندوس» الذي صممته عائشة الحمراني «حاولت إعادة تصور زخارف «المندوس» ونقوشه بطريقة حديثة تغطي أرضية الملعب، وتحيط بشعار «نيويورك نيكس»، ليجمع المكان بين روح الرياضة والهوية الثقافية. «المندوس» يحمل قيمة رمزية عميقة، فهو يُستخدم لحفظ الأشياء الثمينة، وأردت أن أعكس هذا المفهوم في التصميم، فالأطفال والشباب هم أثمن ما لدينا كمجتمع، ومن الجميل أن نحفظهم في بيئة تحتفي بثقافتنا وهويتنا».

كما شرحت لنا السبب الذي يجعلها تحرص على أن تكون أعمالها في الأماكن العامة «أحب أن يرى الناس الفن في حياتهم اليومية، في الحدائق والميادين، ليصبح جزءاً من ذاكرتهم الجمعية. أشعر بأن دوري كفنانة إماراتية هو أن أقرّب التراث من الناس، ليشعروا بالفخر والانتماء كلما مرّوا بتصميم يجسد هويتهم».

مجلة كل الأسرة

وأشارت عائشة إلى أن نشر الثقافة الإماراتية وإثارة اهتمام وفضول الجمهور الأمريكي، هو الغاية الذي جعلها تختار فكرة وتصميم «المندوس» باعتباره رمزاً «لم تصلني كل التفاصيل إلى الآن، لكن خلال لقائي ببعض أعضاء فريق New York Knicks الذين كان المشروع بالتعاون معهم، أخبروني أن فكرة «المندوس» أثارت فضولهم، واهتمامهم الشديد، وهو تماماً ما كنت أطمح إليه، أن أقدّم رمزاً من تراث المنطقة بطريقة تفتح باب التساؤل والاكتشاف، ما جعلني أشعر بأن العمل حقق غايته: زرع بذرة معرفة جديدة في ثقافة مختلفة».

أدواتي بطبيعتها حديثة، ومتقدمة تقنياً، لكنني أستخدمها لتجديد الرموز التراثية، ومنحها بعداً بصرياً جديداً

الموازنة بين استخدام التراث وتقديم فن معاصر وحديث أمر ليس بالسهل ، ولكن عائشة الحمراني نجحت في إيجاد الطريقة لفعل ذلك «لكوني أعمل بالفن الرقمي في معظم مشاريعي، فإن أدواتي بطبيعتها حديثة، ومتقدمة تقنياً، لكنني أستخدمها لتجديد الرموز التراثية، ومنحها بعداً بصرياً جديداً. أحرص على توظيف ألوان غير تقليدية، وأحياناً جريئة، لتضيف طاقة مختلفة إلى الأعمال، مع الحفاظ على روح الرمز، ومغزاه الثقافي».

ولكن البعض يرى أن عرض أعمال تراثية لجمهور عالمي يمثل بالنسبة تحدياً، فهل هو كذلك بالنسبة لعائشة الحمراني؟ «لا أرى في ذلك تحدياً، بقدر ما أراه فرصة جميلة لتعريف الآخرين بثقافتنا من خلال الفن، وأن يتفاعلوا معها، ويشعروا بجمالها، من دون شرح طويل».

مجلة كل الأسرة

أما عن المشاريع القادمة التي تعمل عليها حالياً عائشة ، قالت «أعمل حالياً على كتابة قصة مستوحاة من مشروع وطني تُروى من منظور طفل إماراتي، وهي موجهة لفئة الأطفال لتعزيز الارتباط بالهوية الوطنية بأسلوب قصصي ممتع. كما أشارك في عدد من المشاريع الموسمية مع جهات مختلفة، للمناسبات الوطنية المقبلة، وأجد متعة في العمل مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة والأفراد الذين يرغبون في أعمال فنية شخصية تعبّر عنهم، أو عن علاماتهم التجارية».

وأكدت أيضاً رغبتها في التعاون مع فنانين عالميين مستقبلاً «الفن في جوهره مساحة لقاء بين الثقافات، والتعاون الإبداعي دائماً ما يولّد طاقة مختلفة، ويوقظ فيّ الحماس والفضول لاكتشاف ما يمكن أن ينتج عن هذا التلاقي. أحب أن أرى كيف يمكن لرموزنا المحلية أن تتحاور مع لغات فنية أخرى، وكيف يمكننا، عبر الفن، أن نبني جسوراً حقيقية بين العوالم».

مجلة كل الأسرة

وأعربت عائشة عن سعادتها بدور المرأة الإماراتية في الساحة الفنية اليوم، وإسهاماتها وإبداعاتها التي خلقت بعداً إضافياً لصالح مجتمع الفنون عموماً «يسعدني جداً أن أرى المرأة الإماراتية اليوم تعبّر عن رؤيتها الفنية بحرية، ووعي أكبر، عبر وسائط مختلفة. هذا الحضور المتنوع يسهم في تشكيل سرديّتنا الثقافية من الداخل، ويجعل للفن دوراً أعمق في تمثيل المجتمع بقوّته الناعمة، وإبداعه الإنساني».

وأخيراً، توجهت عائشة الحمراني بنصيحة للفنانين الشباب الذين يسعون للتميّز بأسلوبهم الخاص، قائلة «أنصحهم بأن يتأملوا، ويستمدوا إلهامهم من ثقافتهم، ومن نظرتهم الشخصية للحياة كإحدى الأدوات المهمة للتعبير عن ذواتهم، فالإبداع الحقيقي لا يولد من التقليد، بل من التجربة الصادقة».