29 أكتوبر 2025

من مفكّرة ناقد... مسألة مبدأ

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

الواقعة التالية لها علاقة بالألقاب التي ما زلنا نجدها في معظم الكتابات، النقدية والإعلامية، مكتوبة أو مصوّرة. هذا «كاتب كبير»، وهذا «مخرج عظيم»، وذلك «الفنان القدير»، وتلك «ملكة السينما»… التالي حكاية حول أحد هؤلاء.

ترأست تحرير مجلة سينمائية في لندن، مطلع الثمانينيات، كان اسمها «الفيديو العربي». بدأ العدد الأول بـ 12 ألف نسخة، وبعد عام كان الناشر يطبع 40 ألف نسخة.

وذات يوم دخل عليّ بفكرة وقال: «ما هي صورة الغلاف للعدد القادم؟».

• لديّ أكثر من موضوع يستحق. هناك وقت للاختيار.

قال: «أريد صورة الزعيم على غلاف العدد المقبل».

• أيّ زعيم؟

- الزعيم. عادل إمام.

حاولت أن أنكّت: هل هذا اسمه على البطاقة الشخصية؟

لم يضحك. أكملت:

• لكن الغلاف كما تعلم مرتبط عندنا بحدث ما. عادل إمام ليس لديه فيلم جديد هذه الأيام، وإلا لاستجبت لطلبك. لننتظر شهرين، أو ثلاثة.

استشاط الناشر غضباً، وذكّرني بأنه هو الناشر، وأنا رئيس التحرير. لم تفرق معه أن المجلة نجحت بفضل خطة مرسومة على أساس الحدث.

لم أتراجع عن رفضي، ولم يتراجع عن موقفه. قدّمت استقالتي وقبِلها.

كان له ما أراد بالطبع، مع رئيس تحرير جديد، لكن المجلة لم تستمر إذ تراجع المبيع منها عدداً بعد عدد، حتى توقفت.

بعض الألقاب مفهومة في سوق المنتجات الغذائية: ملك البطيخ، أمير العصير، سلطان الفلافل إلخ... لكن ما يمكن قبوله في سوق الخضار، لا يمكن قبوله في سوق الفن. نحن لا نجد في الغرب إعلاناً سينمائياً يقول: من بطولة الزعيم ليوناردو ديكابريو، أو خبراً عن عودة «ملكة الغناء» ريحانا في ألبوم جديد.

أقصى ما يذهب الإعلان والإعلام الفني في الغرب هو التذكير بالإنجازات: «الفائز بالأوسكار ليوناردو ديكابريو»، و«بطل مسلسل «ايرون مان روبرت داوني جونيور»... الإنجازات يا إخوة، وليس الصدور المنفوخة.

المسألة ليست مجرّد تقدير. بل أشك كثيراً في أنها تقدير من أيّ نوع. التقدير هو بحسبان الإنجازات وبالإعلاء من شأن الممثل بذكر مهنته. ليس هناك من تشويه سمعة، ولا من إهانة، فالممثل الفلاني هو ممثل. هذه حرفته وليس عيبه إلا إذا اعتبرها كذلك.

عادل إمام ليس وحده في هذا الإطار. كثيرون جداً يريدون حمل اللقب، ولو كان الأمر ممكناً لمشوا في الشوارع وفوقهم لافتات تقول ذلك. لظهروا في البرامج التلفزيونية وأمامهم ووراءهم تذكير مصوّر بأن هذا الضيف هو «النجم العالمي»، و«سيدة الغناء المعاصر»، وسوى ذلك.