26 أكتوبر 2025

أماني الطنيجي: فوز «مريخ» في «دبي بودفِست» انتصار لكل أمّ تحمل رسالة صادقة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

من صفحات كتابها «ولكن أنتِ أم» إلى حلقات بودكاست «مريخ»، تمضي الكاتبة والتربوية أماني عبدالله الطنيجي بخطى ثابتة، تنسج عبر الكلمة والصوت جسوراً من الأمل والشفاء بين الأمهات. فاز صوتها بالمركز الأول في «دبي بودفِست»، لكنه في الحقيقة فوز لكل أمّ وجدت نفسها في كلماتها، ولكل امرأة اختارت أن تبدأ رحلتها من جديد، بثقة وصدق، فهي ليست مجرّد صانعة محتوى، بل صانعة وعي، تؤمن بأن الكلمة الطيبة تُربّي، وأن الصوت الصادق يُشفي، وأن الأم حين تسمع نفسها تُنقذ العالم من الصمت.

مجلة كل الأسرة

نهنئكِ بالفوز بالمركز الأول في «دبي بودفِست»، ماذا تعني لكِ تلك المشاركة؟ وما الذي يميّز هذا الحدث في نظرك عن غيره؟

فوز «مريخ» في «دبي بودفِست» انتصار لكل أمّ تحمل رسالة صادقة، إذ لاقى هذا المشروع في فترة قصيرة صدى واسعاً وتقديراً كبيراً، ما يؤكد أن الرسالة حين تكون من القلب تصل إلى القلب، فأهم ما يميز «بودفِست» أنه جمع بين الإبداع، والجرأة، والهوية العربية الأصيلة، في صناعة المحتوى.

ما الذي شعرتِ به وأنت تتحدثين أمام جمهور من صُنّاع المحتوى؟

شعرت بإلهام عميق، فوجودي بين هذا التنوع الكبير من الأصوات والرؤى جعلني أؤمن أكثر بأن لكل شخص رسالة تستحق أن تُروى. أعجبتني القصص المختلفة، ولامستني الشجاعة في سرد التجارب الشخصية، ما دفعني لأتحدث بثقة أكبر عن رسالتي، وعن «مريخ» كمساحة صادقة للأمهات.

مجلة كل الأسرة

كيف بدأتِ رحلتك مع عالم البودكاست؟ وهل كانت صدفة أم قراراً مدروساً؟

كانت نية مدروسة. فبعد إصداري لكتابي «ولكن أنتِ أم» لاحظت أن الأمهات لا يجدن الوقت الكافي للقراءة، فقررت تحويل الكتاب إلى تجربة صوتية ترافقهن أثناء أدوارهن اليومية. وفي الوقت ذاته، تزامن ذلك مع إعلان برنامج البودكاست العربي من نادي دبي للصحافة، فتقدّمت وتم اختياري ضمن نخبة من المبدعين، إذ تلقيت تدريبات وورشاً مكثفة منحتني أدوات تقنية، وثقة جعلتني أنطلق بثبات في هذا المجال.

ما الذي جذبك أكثر إلى المنصة الصوتية دون غيرها من الوسائط؟

الصوت أكثر صدقاً وأقرب إلى الروح. ففي زمن السرعة والذكاء الاصطناعي، نحن بحاجة إلى أصوات حقيقية تحكي تجارب واقعية، لا مجرّد صور. ويُعد البودكاست مساحة تتيح لي أن أتحدث من القلب، وأن أصل إلى الأمهات في لحظات الصباح، أو أثناء القيادة، أو الانشغال بأعمال المنزل. فالصوت لا يطلب وقتاً، بل يصنع لحظة قرب ودفء.

مجلة كل الأسرة

هل تذكرين أول مرة شعرتِ بأن صوتك وصل فعلاً إلى الناس؟

بطبيعتي مستمعة جيّدة، وصديقة تُصغي من دون أحكام، وأظن أن هذا ما يجعل كلماتي تحدث أثراً عاطفياً حقيقياً. أتذكر أول جلسة تعريفية لنا في برنامج البودكاست العربي، عندما تحدثت عن فكرة «مريخ»، وعن الأمومة من زاوية الشعور، لا المثالية. رأيت التأثر في عيون الحاضرات، وبعضهن تأثّرن حدّ الدموع. ومن تلك اللحظة أدركت أن صوتي لا يُسمع فقط، بل يُحس.

كيف تختارين موضوعات حلقاتك؟ وما المعايير التي تحدّدين بها ما يستحق أن يُروى؟

أختار المواضيع التي أثّرت في رحلتي، كأم وإنسانة، وأطرحها ليس من باب الوعظ، بل من باب المشاركة الصادقة. وأسأل نفسي دائماً: «هل هذا الموضوع لمسني حقًا؟ وهل يمكن أن يساعد أمّاً أخرى على الشفاء أو الوعي؟»، فإذا كانت الإجابة «نعم»، أبدأ الكتابة والتسجيل.

علّمتني ابنتي أن الجمال لا يشترط الكمال، وأن الأمومة الحقيقية تبدأ عندما تتصالح الأم مع ضعفها

ما أكثر موضوع أثّر فيكِ شخصياً أثناء الإعداد أو التسجيل؟

حلقة «أم لطفل مختلف»، بلا شك. تحدثت فيها عن ابنتي الجود، التي وُلدت بتحدٍّ جسدي. في البداية كان الخوف كبيراً، لكن مع الوقت تحول إلى رضا، والرضا إلى بركة. فقد علّمتني ابنتي أن الجمال لا يشترط الكمال، وأن الأمومة الحقيقية تبدأ عندما تتصالح الأم مع ضعفها، قبل أن تُربي قوة أطفالها.

مجلة كل الأسرة

في عالم مملوء بالمؤثرين، كيف تحافظين على أصالة صوتك وصدق رسالتك؟

بأن أكون نفسي، وأنقل صدق رحلتي كما هي. أنا لا أقدّم صورة مثالية للأم، بل صورة حقيقية لتلك الأم التي تتعب، وتنهض، وتتعلم، وتحب رغم كل شيء، فالصدق هو ما يجعل الرسالة تبقى.

تتسلم جائزة بودفست دبي
تتسلم جائزة بودفست دبي

هل ترين أن البودكاست العربي استطاع خلق هوية خاصة به؟

نعم، وبقوة. فقد أصبح لدينا محتوى عربي ناضج، أصيل، ومتنوّع. أرى الهوية العربية في طريقها لتشكيل ملامحها الخاصة في عالم الصوت، وأفتخر بأن الإمارات جزء أساسي من هذا الحراك الإبداعي.

ما الصعوبات التي واجهتك في البداية من ناحية التقنية أو التقبّل المجتمعي؟

من الناحية التقنية، كنت أتعلم كل يوم شيئاً جديداً، لكن الدعم الكبير من برنامج البودكاست العربي سهّل المهمة كثيراً. أما من ناحية التقبّل المجتمعي، فبعض الناس لم يعتادوا بعد أن تُطرح الأمومة بهذا الصدق والعُمق، لكني مؤمنة بأن التغيير آتٍ لا محالة، فعندما تسعد الأم يسعد المجتمع كله.

كيف تتعاملين مع النقد أو التعليقات السلبية؟

رسالتي سامية، تخدم الأم، والمجتمع، وبلدي الإمارات، لذلك أرحب بكل رأي يُسهم في تطويرها. ودائماً ما أفرّق بين النقد البنّاء والهادم، فأستفيد من الأول كثيراً، وأدرك أن الاختلاف لا يُفسد الودّ، بل يصنع الحوار.

من يدعمك خلف الكواليس في استمرار هذا الشغف؟

أطفالي هم الوقود لكل خطوة، وأحرص دائماً على أن أكون أمّاً ملهمة يُحتذى بها. وزوجي هو الداعم الهادئ الذي يتقاسم معي المسؤوليات، يؤمن بي، وباختياراتي، ويمنحني المساحة لأن أنجز وأتوازن. أما أخواتي فهنّ مصدر إلهام من نوع آخر، وصديقاتي منبع الراحة في فترات الإرهاق.

بعيداً عن الميكروفون، كيف تقضين يومك العادي؟

أبدأ يومي بين أطفالي وأهلي، نصنع ذكريات بسيطة مملوءة بالحب. أقرأ كثيراً، أشاهد الأفلام الوثائقية، وأستمتع بالقهوة، والموسيقى الهادئة. أحب البساطة والعمق في الوقت نفسه، وهذا ما يغذيني لأعود بطاقة جديدة لكل مشروع.

ما الذي تعلّمتِه عن نفسك من خلال تجربة البودكاست؟

تعلّمت أن لدي صوتاً مؤثراً، وأن ما كنت أظنه مجرد شغف هو في الحقيقة رسالة. اكتشفت أنني أملك الشجاعة لأحكي ما كان كثيرون يخشون قوله، فالأمومة بالنسبة لي هي المعلم الأول لكل هذا الوعي.

ما الحلم الذي لم يتحقق بعد؟

أن تتشارك الأمهات سبل النجاح، والإنجاز، والدعم النفسي والتربوي، بدلاً من مشاركة التعب الجسدي، والتضحيات، والشعور بالذنب والتأنيب. أحلم بأن نرى الأمومة من زاوية النمو لا الاستنزاف، وأن يصبح حلم الأم هو حلم البيت بأكمله، فيشاركها أطفالها طموحاتها، الصغيرة والكبيرة، ويتعلّمون من خلالها كيف تُصنع الأحلام، وتتحقق بالحب والنية والعمل.

إذا عدتِ بالزمن إلى بداياتك، هل كنت ستسلكين الطريق نفسه؟

نعم، وبقناعة أكبر، لأن كل تحدٍّ خضته شكّلني وعلّمني. فالأم التي أنا عليها اليوم هي نتاج صبرٍ، وتجارب، ودموعٍ، وفرح.

مجلة كل الأسرة

حدثينا عن كتابك «ولكن أنتِ أم»، ورأيكِ في من يظن أن الكتاب فقد حضوره في ظل عالم الإنترنت؟

كتابي لا يقدّم معلومات أو أفكاراً جديدة يمكن أن يوفّرها الذكاء الاصطناعي، لكنه يمنح مشاعر لا يمكن للخوارزميات أن تخلقها. إنه رحلة شعورية صادقة تأخذ القارئة من الألم إلى الأمل، ومن التيه إلى السلام. لا يُقرأ بالعقل فقط، بل بالقلب، فهو مساحة تشبه جلسة دافئة بين أمّ وأمّ، فيها صدق ودموع وطمأنينة، وفيها أمومة حقيقية لا يقدر الإنترنت على محاكاتها.

كلمة أخيرة توجّهينها لكل من يخشى أن يبدأ، أو يظن أن صوته لا يُسمع؟

كل صوت يستحق أن يُسمع، والمهم أن يكون صادقاً. فابدأ، حتى لو بصوتٍ خافت، فالعالم لا يحتاج إلى أصوات عالية، بل إلى نوايا حقيقية. فكل قصة تستحق أن تُروى.

* تصوير: السيد رمضان