19 أكتوبر 2025

د. مليحة المازمي: النجاح لا يأتي صدفة بل يُصنع بالاستمرارية والعمل الجاد

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

بابتسامة هادئة، وإيمان راسخ بأن المثابرة هي سرّ النجاح، تسرد الدكتورة مليحة محمود المازمي، رحلتها المهنية والإنسانية الممتدة لأكثر من 27 عاماً، والتي بدأت بشغف بالتعليم والتطوير، وتوجت بمكانة رائدة كخبير إداري واستراتيجي، وعضو هيئة تدريس، ومستشار في مؤسسات عدّة.

 وبالنسبة إليها، كل إنجاز ليس محطة نهائية، بل خطوة جديدة نحو أثر أعمق في حياة الأفراد والمؤسسات، ورسالة تؤكد أن النجاح لا يولد من الصدفة، بل من الإصرار، والعمل المستمر.

في هذا الحوار، تفتح لنا د. مليحة المازمي قلبها وعقلها، لتشاركنا رحلتها، ورؤيتها لمستقبل التطوير الإداري في الإمارات، ورسائلها للشباب والجيل الجديد:

مجلة كل الأسرة

ما الذي حفزكِ لاختيار مجال الإدارة والتطوير المؤسسي؟

اختياري لهذا المجال لم يكن مجرّد مسار وظيفي، بل جاء بدافع شغف عميق برغبتي في إحداث تغيير حقيقي ومستدام في أداء المؤسسات، وقدرتها على التكيف والنمو، فعلى مدار أكثر من 27 عاماً من العمل في الإدارة والقيادة والتنمية البشرية، أدركت أن جوهر نجاح أيّ منظمة يكمن في قدرتها على التطوير المستمر، وبناء بيئة مؤسسية فعالة ومتميزة، فعملي الطويل في التدريب والاستشارات الإدارية أكد لي أن الإدارة ليست مجرد أدوات أو خطط، بل وسيلة لتطوير الإنسان قبل المؤسسة، كذلك من خلال تجربتي الأكاديمية كعضو هيئة تدريس، وجدت نفسي قادرة على المزج بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي، ما عزز قناعتي بأن الإدارة هي علم، وفن، ورسالة، في آن واحد.

كيف ترين دور الأكاديميات التعليمية في ترسيخ الهوية الوطنية والمهنية؟

أرى أن الأكاديميات التعليمية لا تقتصر على دورها في تقديم المعرفة النظرية، أو المهارات المهنية، بل هي في جوهرها منصات استراتيجية لبناء الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء. فمن خلال عملي لاحظت أن الأكاديميات تشكّل وعي الأفراد، وتجعلهم أكثر ارتباطاً برؤية دولتهم وقيمها، فهي تغرس فيهم مبادئ القيادة المسؤولة، وروح الفريق، والالتزام بخدمة الوطن، وهذا الدور بالغ الأهمية لأنه يخلق توافقاً بين التوجهات المؤسسية والأهداف الوطنية. وبالنسبة لي، الأكاديميات هي مدارس للهوية قبل أن تكون قاعات للتدريس، فهي تخرّج مهنيين يدركون مسؤولياتهم تجاه وطنهم، بقدر ما يدركون واجباتهم تجاه مؤسساتهم.

مجلة كل الأسرة

كيف يتم إعداد القيادات المستقبلية في الأكاديميات التعليمية؟

نحن ننظر إلى القيادة على أنها سلوك ونهج حياة، وليست مجرد منصب. لذلك، يركز إعداد القيادات المستقبلية على بناء القدرات الذهنية والسلوكية التي تجعلهم قادرين على مواجهة التحدّيات، إذ تبدأ العملية بتشخيص دقيق للاحتياجات القيادية، ثم وضع برامج تدريبية متكاملة تشمل التفكير الاستراتيجي، ومهارة اتخاذ القرار، وإدارة التغيير، الذكاء العاطفي، والقدرة على قيادة فرق العمل بفعالية، كما يتم التركيز على مهارات الابتكار والتحول الرقمي، إلى جانب تعزيز قيم الهوية الوطنية والمؤسسية. فخبرتي الطويلة في تطبيق معايير التميّز المؤسسي علّمتني أن القائد الناجح لا يُصنع في يوم، أو من خلال دورة واحدة، بل من خلال منظومة متكاملة من التدريب، والتوجيه، والتقييم المستمر، وهذا ما تسعى الأكاديميات الرائدة لتطبيقه اليوم.

مجلة كل الأسرة

ما أبرز التحدّيات التي تواجه المؤسسات في الإمارات في مجال التطوير الإداري والموارد البشرية؟

من أبرز التحدّيات سرعة التغيرات العالمية التي تتطلب من المؤسسات مرونة عالية، وقدرة على التكيف السريع، كما يظل جذب الكفاءات والمحافظة عليها وتنميتها تحدياً مستمراً، بخاصة في ظل المنافسة العالمية، أضف إلى ذلك، أن تغيير الثقافة المؤسسية لتصبح أكثر تقبلاً للابتكار والتحول الرقمي يمثل تحدّياً لا يقل أهمية، فالمؤسسات بحاجة إلى موازنة دقيقة بين التمسك بهويتها المؤسسية والمحافظة على ثوابتها من جهة، وبين الانفتاح على أساليب الإدارة الحديثة والتكنولوجيا من جهة أخرى.

بصفتكِ واحدة من القيادات النسائية الإماراتية، ما الذي لا يزال مطلوباً لتعزيز دور المرأة في مواقع صنع القرار؟

فخورة بما تحقق للمرأة الإماراتية من إنجازات ودعم كبير من القيادة الرشيدة، لكن ما زالت هناك فرص لتعزيز هذا الدور بشكل أكبر، وأرى أن المطلوب اليوم هو تعزيز ثقة المؤسسات بالكفاءات النسائية عبر سياسات داعمة لتمكين المرأة واستدامة مشاركتها، بخاصة في القطاعات المستقبلية، مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة، كذلك، توفير بيئات عمل أكثر مرونة سيساعد المرأة على التوازن بين أدوارها المتعددة، من دون أن تُضطر إلى التنازل عن طموحاتها.

ضمن مشاركتها في إدارة إحدى جلسات المؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية في المملكة الأردنية الهاشمية
ضمن مشاركتها في إدارة إحدى جلسات المؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية في المملكة الأردنية الهاشمية

ما اللحظة الفارقة التي أكدت لك أنكِ في الطريق الصحيح؟

اللحظة التي شعرت فيها بعمق، بأنني أسير في الطريق الصحيح كانت عند حصولي على شهادة الدكتوراه، فلم تكن مجرّد إنجاز أكاديمي، بل محطة فارقة جعلتني أدرك أن اختياري مجال الإدارة والتطوير هو قرار صحيح، ينسجم مع شغفي وقدراتي، فقد شعرت حينها بأنني أمتلك الأدوات العلمية والمهنية التي تمكّنني من صناعة الأثر، وإحداث التغيير الإيجابي في حياة الآخرين، ومؤسساتهم.

من كان الداعم الأول لكِ في رحلتك المهنية؟

رحلتي لم تكن لتصل لما وصلت إليه لولا شبكة الدعم التي أحاطتني منذ البداية، فوالدتي، رحمها الله، كانت السند الأكبر بدعائها وتشجيعها، فهي من زرعت في داخلي الإصرار على التميز، وإخواني، وأخواتي، وأبنائي، كانوا عوني في مختلف المراحل، وصديقاتي كنّ مصدر تحفيز دائم، ولا أنسى فضل قيادتنا الرشيدة التي منحت المرأة الإماراتية الثقة والفرص، فكانت البيئة مهيّأة، لي ولغيري، لتحقيق طموحاتنا.

القائد الحقيقي هو من يعرف كيف يصغي ويتعلم قبل أن يوجه

ما النصيحة التي تقدمينها للشباب الإماراتي المقبل على الإدارة والقيادة؟

رسالتي للشباب أن يضعوا نصب أعينهم أن القيادة ليست، وجاهة بل مسؤولية، وأن النجاح لا يتحقق من دون التعلم المستمر، والانضباط، والوعي الذاتي. ففي عالم اليوم، التقنية والابتكار أصبحا أدوات لا غنى عنها، وكذلك القدرة على العمل بروح الفريق متعدّد التخصصات، والأهم من ذلك كله أن يتحلّوا بالشغف، والتواضع الفكري، لأن القائد الحقيقي هو من يعرف كيف يصغي ويتعلم، قبل أن يوجّه.

أثناء مشاركتها بورقة عمل في ملتقى الشباب العربي واستشراف المستقبل- مصر
أثناء مشاركتها بورقة عمل في ملتقى الشباب العربي واستشراف المستقبل- مصر

من هي د. مليحة المازمي بعيداً عن الألقاب والمسميات المهنية؟

بعيداً عن كل الألقاب، أنا أم لثلاثة أبناء ناجحين أجد فيهم مصدر سعادتي وفخري. أحب البساطة، وأجد في لمّات العائلة الدفء، والمعنى الحقيقي للحياة. القراءة رفيقتي الدائمة، والطبخ بالنسبة لي ليس مجرّد هواية، بل لغة حب أعبّر بها عن مشاعري. كما أعشق السفر والاستجمام لما يمنحاني من تجدّد وروح جديدة. ببساطة، عائلتي وعلاقاتي الإنسانية هي عالمي الذي استمد منه القوة والتوازن.

ما الذي تتمنين أن يتعلمه الجيل الجديد من تجربتك؟

أتمنى أن يدركوا أن النجاح لا يأتي صدفة، ولا يتحقق بين ليلة وضحاها، فهو ثمرة اجتهاد واستمرارية وصبر، وأن الثقة بالنفس تُبنى بالإنجازات الصغيرة المتراكمة، لا بالكلمات، وإدراك أن التحدّيات ستواجههم لا محالة، لكن عليهم أن ينظروا إليها كفرص لصقل مهاراتهم، وتوسيع آفاقهم، فكل تجربة في الحياة، مهما بدت صعبة، تحمل في داخلها بذور نمو وتطور، والنية الصافية مع العمل الجاد هما المفتاح الحقيقي لمستقبل مشرق.

* تصوير: السيد رمضان