كنت حضرت تصوير فيلم «عمر المختار» في الصحراء الليبية بدعوة من المخرج الراحل مصطفى العقاد، الذي قام ببطولته الأمريكي أنطوني كوين.
وقبل أقلّ من أحد عشر شهراً، أعدتُ مشاهدة فيلم «عمر المختار» (أو «أسد الصحراء» كما عنوانه الآخر)، للمرّة الرابعة. المرات السابقة كانت للتعرّف، ثم لكتابة النقد، والثالثة كانت إحياء للذكرى. المرّة الرابعة كان لابد منها، لأنه كان موضوع ندوة عن المخرج الكبير العقاد.
آنذاك، أخذت أدرس تقنيات الممثل أنطوني كوين. تختلف تماماً عن تقنيات مارلون براندو، مثلاً، من حيث أن غوص كل منهما في الشخصية يختلف. براندو يمضي عمقاً. كوين عمودياً. الأول مستعد للتغيّر من دور لآخر. كوين يجيد أداء الشخصية نفسها، لكنه يمنحها ثراء إضافياً.
وخلال الأيام الأولى من حضوري تحدّثت مع العقاد عن رغبتي في مقابلة أنطوني كوين. فأخبرني أن يوم غدٍ يوم مثالي لذلك، لأن كوين ليس لديه مشهد يصوّره، ثم طلب من منظمة العلاقات إخبار كوين، وتم إعلامي بالوقت (الساعة الحادية عشرة صباحاً).
لم أتوقع أن أجد هذا الممثل العملاق يرسم. لكن إذ دخلت عليه حجرته وجدته مشغولاً بالرسم. قدّمت نفسي، فنظر إليّ وسألني: «ما رأيك في هذه اللوحة؟».
أجبت من دون تفكير: «جميلة، لكني للحقيقة لا أفهم الكثير عن فن الرسم».
نظر إليّ ثانية بتمعن، ثم ابتسم، وقال: «شكراً لصراحتك».
ترك الريشة، وجلسنا وتحدّثنا، وكان سؤالي الأول عما إذا كان على علم بشخصية عمر المختار من قبل. فقال:
«بالقطع لا. يبدو لي أننا نجهل في أمريكا العديد من الشخصيات العربية، كشخصية هذا المناضل الذي وقف في وجه المستعمرين الإيطاليين».
تطرّق الحديث إلى شخصيته في فيلم «الرسالة»، وإلى جهود مصطفى العقاد لتقديم أفلام إسلامية وعربية. فكّر قليلاً، ثم قال وهو يمرّ بيده على لحيته البيضاء:
«هذا الرجل سيجلب للسينما امتداداً رائعاً لسينما التاريخ كما ديفيد لين (مخرج «لورنس العرب»). لا يدرس العقاد خطواته بدراية، بل ينفّذها جيداً. حين يقف أمامنا لمراقبة المشهد الذي نقوم به، تستطيع أن ترى اهتمامه بالتفاصيل، ورغبته في إحكام ما يتألف المشهد منه من عناصر».
للأسف، لم يتسن للعقاد استكمال رحلته في التاريخين، العربي والإسلامي، لكن فيلميه، وبمشاركة أنطوني كوين، وعدد كبير من الممثلين، العرب والغربيين، وضعاه في مرتبة هامّة في تاريخ السينما.
اقرأ أيضاً: قراءات في سينما الزمن البديع... عندما صاح مصطفى العقاد «هاتولي محمد رُضا»