حامد مشربك: أصبحت متيماً بالطبيعة وهدفي أن أغير نظرة الناس للصحراء
بين كثبان الرمل الذهبية، وشموخ الجبال المهيبة، تولد الحكايات التي تكتبها عدسة المصوّر الإماراتي حامد مشربك، ليحوّل المشهد الطبيعي إلى لوحة بصرية نابضة بالحياة.
منذ أن التقط أول صورة له عام 2006، أدرك أن الكاميرا ليست مجرّد أداة توثيق، بل نافذة يطل منها على العالم ليعبّر عن دهشته أمام جمال الصحراء، وفتنتها. لم يكن انجذابه للطبيعة مجرد صدفة عابرة، بل شغف تحوّل إلى رسالة فنية تحمل بصمته الخاصة، حيث يرى في تفاصيل الصخور والرمال والغيوم، لغة صامتة، لكنها قادرة على لمس وجدان المتلقي.
وفي هذا الحوار، يأخذنا حامد إلى رحلته مع التصوير الإبداعي، وكيف صاغ من بيئته مصدر إلهام، وهوية بصرية متفرّدة.
كيف بدأت رحلتك مع التصوير الإبداعي، وما اللحظة التي جعلتك تدرك أن الكاميرا ستكون وسيلتك للتعبير؟
بدأت مسيرتي في التصوير الفوتوغرافي عام 2006، بعد التحاقي بورشة لأساسيات التصوير الضوئي في معهد التدريب اللامحدود، في قرية المعرفة بدبي. وفي عام 2010 تخصصت في تصوير المناظر الطبيعية. كنت دائماً أنبهر بصور المحترفين، وأتساءل عن كيفية الوصول إلى مثل هذا المستوى، وعندما دخلت هذا المجال بدأت أتعمّق أكثر، فزاد شغفي بالتصوير، وحبي للطبيعة.
ما الذي يميّز أسلوبك الفني عن غيرك من المصورين، وكيف تحرص على إضافة بصمتك الخاصة في كل عمل؟
ربما تركيزي على البيئة الصحراوية في دولة الإمارات لسنوات طويلة جعلني أنظر إليها نظرة مختلفة. ومع الخبرة والممارسة المستمرة بدأت أعمالي تأخذ طابعاً مميزاً ومختلفاً، وهذا ما سعيت إليه منذ بداياتي، أن أترك بصمة في هذا المجال، تغيّر نظرة الناس إلى الصحراء، وتجعلهم يرونها من منظور مختلف، كما أراها أنا، والمصورون الذين يشاركونني الشغف.
وما الذي جذبك إلى تصوير الجبال والطبيعة تحديداً، وجعلها محوراً أساسياً في أعمالك الفوتوغرافية؟
كنت أنجذب دائماً إلى صور الطبيعة، وأتأمل في سحرها، وكان ذلك العامل الأساسي وراء تركيزي عليها. أعتبر الطبيعة مساحة أعبّر من خلالها عن إحساسي، وكلما اقتربت منها زاد تعلقي بها. بكل صراحة، أصبحت متيّماً بالطبيعة؛ فهي عشقي الأبدي، ومتنفسي في هذه الحياة، وأعشق كل ما تحتويه، فلا شيء يضاهي جمالها في هذا الكون.
كيف تترجم عظمة الجبال وسكونها في عدستك لتصل كرسالة بصرية مؤثرة إلى المشاهد؟
من وجهة نظري، فإن اختيار التوقيت المناسب للتصوير، وكذلك العناصر المناسبة في المشهد، هو ما يسهم في نجاح أيّ عمل فني، مع مراعاة استخدام قواعد التكوين المثالية. مثلاً: اختيار عناصر في مقدمة الصورة كالخطوط القيادية التي تقود عين المشاهد نحو الهدف (كالجبال أو الأشجار)، أو إضافة عناصر أخرى، مثل الورود والصخور، لتمنح الصورة توازناً بصرياً. كما أنني أثناء المعالجة أحرص على فصل العناصر المشتتة لعين المشاهد، وإضافة التدرّجات الضوئية واللونية التي تعزّز جمال المشهد.
ما هي أصعب الظروف أو المواقف التي واجهتها أثناء صعود الجبال أو تصويرها؟
التحدّيات موجودة دائماً. ومن أبرز الصعوبات التي أواجهها في الطبيعة صعوبة الوصول إلى بعض المناطق الوعرة، لذلك أستخدم أحياناً طائرات الدرون لتصوير المناطق التي يصعب عليّ الوصول إليها. أستذكر موقفاً حصل لي في إحدى المناطق الصحراوية بدبي؛ إذ كانت الأجواء صافية، وبعد دقائق قليلة هبّت عاصفة رملية قوية غيّرت الأجواء تماماً وانعدمت الرؤية، لكنني بقيت صامداً وسط العاصفة لألتقط صورة لشجرة الغاف مع حركة الرمال المتطايرة بين الكثبان.
هل هناك جبل أو مكان طبيعي ارتبطت به بشكل خاص وشعرت بأنه مثّل لك مصدر إلهام استثنائياً؟
من الأماكن القريبة إلى قلبي، والتي تعلمت فيها الكثير على مر السنين، منطقة مليحة الصحراوية؛ فقد ساعدتني هذه المنطقة على صقل موهبتي بفضل تنوع عناصرها، من كثبان رملية، وجبال، وأشجار غاف، ونباتات صحراوية محلية. ومع كل زيارة لها يتجدّد حبي لها، وأعشق كل زاوية فيها.
كيف ترى دور التصوير الإبداعي في توثيق الثقافة والهوية البصرية في زمن السرعة الرقمية؟
جميع الفنون بلا استثناء مرتبطة بثقافة بلد ما. والتطور الذي نشهده اليوم مذهل، وعلينا كبشر أن نواكب هذا التطور لصقل مهاراتنا وتطويرها. فالعلم لا حدود له. وأنا كمصور أحرص دائماً على الاطّلاع على كل ما هو جديد في عالم التصوير، كما أستفيد من التطور التكنولوجي الرقمي في الأعمال التي أقدّمها. على سبيل المثال، فإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في برامج معالجة الصور جعل عملية المعالجة أسهل بكثير ما كانت عليه في السابق.
كيف تعكس شخصيتك الإبداعية في اختيار زواياك وأسلوبك في التصوير، بحيث يرى الناس «حامد» قبل أن يروا الصورة؟
في الميدان يكون تركيزي دائماً على التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، وأحاول أن أنظر إلى ما حولي من منظور مختلف. أستخدم عدسات خاصة للخروج بأعمال غير تقليدية، وزوايا خارج المألوف، حتى أن أصدقائي أصبحوا يميّزون أعمالي بمجرد رؤيتها. وقد أصبحت مصدر إلهام لفئة من المصورين الذين يتابعونني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هل تعتبر التصوير مجرّد مهنة وهواية، أم أنه وسيلة للتعبير عن ذاتك ورؤيتك للعالم؟
منذ أن دخلت عالم التصوير كان هدفي التوثيق فقط، لكن مع مرور الزمن أحسست بأن لديّ طاقة إبداعية متجدّدة، وزاد شغفي بالتصوير. كان لا بد حينها من اتخاذ القرار المناسب، والتخصص في مجال معين، فاخترت تصوير المناظر الطبيعية لأنها الأقرب إلى قلبي. وكل يوم يزداد عشقي لهذه الهواية. ومن جانب آخر، أعمل كمصور في حكومة دولة الإمارات، وأسعى من خلال عملي إلى توثيق الأحداث التاريخية وتخليدها لتبقى في الذاكرة على مر العصور.
