ينقسم فيلم «فراكشتاين» الذي سينطلق للعروض قريباً، إلى ثلاثة أجزاء. الأول هو حكاية يسردها العالِم فيكتور فراكشتاين، (يؤديه أوسكار أيزاك) من وجهة نظره، والذي اندفع لتحقيق رغبة مجنونة. الثاني، جانب آخر من الحكاية كما يرويها الوحش نفسه (يؤديه جاكوب إلرودي)، إنه الضحية الذي لا يستطيع أن يلتحم مع الحياة فعلياً. الثالث هو ختامي يعرض، في ما يعرض، مصير العالِم ومخلوقه. كلاهما فشل في الانتماء إلى الحياة السوية، وعانى إخفاقه.
الوحش غير راضٍ عن حياته، ويطارد فرانكشتاين لينتقم منه. ويكتشف أن الحب ممنوع عليه، حتى إن وقعت خطيبة شقيق فرانكشتاين إليزابيث (ميا غوث)، في حبّه، وأن على العالِم أن يدفع الثمن.
وحوش المخرج دل تورو
هذه ليست المرّة الأولى التي يعمد فيها دل تورو لتقديم علاقة، شائكة وصعبة، بين أُنثى ومخلوق وحشي. في «شكل الماء» (The Shape of Water) الذي خطف أربع أوسكارات (بينها أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج)، في عام 2018، وفّر أرضية لهذه العلاقة: تقبض السلطات العسكرية، في الستينيات من القرن الماضي، على وحش برمائي، وتنقله مكبّلاً إلى موقع محظور. ترقبه عاملة تنظيف (سالي هوكينز)، ثم تبدأ بإطعامه. هي الوحيدة التي يتجاوب الوحش سلمياً معها، قبل أن تنجح في تهريبه، بمعاونة آخرين.
المخرج مع فريق العمل
ذلك الوحش مستوحى من وحش فيلم «مخلوق البحيرة السوداء» (Creature of the Black Lagoon)، لجاك أرنولد، لكن الحكاية مختلفة تماماً، أو كما يقول لي ردّاً على سؤال:
نعم المخلوق في «شكل الماء» يمكن اعتباره نسخة من مخلوق ذلك الفيلم، لكن كل شيء آخر مختلف. ذلك الفيلم شاهدته صغيراً وأرعبني، ثم شاهدته أكثر من مرّة بعد ذلك بتقدير لفكرته.
في «شكل الماء» مناهضة الحرب الباردة في الستينيات؟
بالتأكيد، لكنها حرب لم تنته في اعتقادي. هي مستمرّة اليوم على أكثر من نحو، وفي أكثر من مكان.
ما هو تفسير اهتمامك بالمخلوقات الغرائبية؟
كما ذكرت، شدّتني منذ أن كنت صغيراً. تابعت المجلات التي صدرت عنها، والأفلام التي تم صنعها منذ الصغر. هذا هو عالمي المفضل.
لم تجذب البطولات الناصعة لشخصيات مثل «كابتن أميركا»، و«ذَ أفنجرز»، و«سوبرمان»، والعديد سواها، اهتمام دل تورو، بل ذهب إلى تلك التي تتحدّث عن مكوّنات غير طبيعية، وغير اجتماعية، أو بطولية. شخصية الكوميكس الوحيدة التي تناولها كانت «هلبوي» (Hellboy)، في جزأيه (2002 و2004). كذلك شخصية Blade في 2002 أيضاً. لُعبته في هذه الأفلام الثلاثة هي قلب صورة الوحش البشري إلى صراع داخلي، على غرار ما نراه في «فرانكشتاين».
باقي أفلامه تلتقي وشغفه بالمخلوقات غير البشرية، كما الحال في «ميميك» (1997)K وفيلمه اللاحق (2006) «متاهة بان»Pan’s Labyrinth
معنى يتجاوز الفيلم
يجب ألّا نعتقد أن دل تورو مجرّد مخرج أفلام رعب. يقول: «استخدم النوع (Genre)، كوسيلة للحديث عن تلك اللقاءات الحادة بين ما هو طبيعي في المظهر، وما هو غير طبيعي في المظهر أيضاً».
ولإثبات دواعيه ومبرراته التي تقف وراء توجهاته في هذا الشأن، يمكن مشاهدة أيّ من هذه الأفلام المذكورة، بعين الفاحص، ولن يمضي وقت طويل قبل أن يدرك المُشاهد أن الرعب عند دل تورو ليس مشهدياً مباشراً، بل فكري.
هذا التوجه يجعله أيضاً مخرج مضامين سياسية: «متاهة بان» عن السُلطة في زمن الحرب الأهلية الإسبانية، و«ميميك» عن تلك الحشرات التي ستنتقم من إنسان تجاهل أهمية البيئة، و«شكل الماء» عن تلك الحرب الباردة.
أين يقع فيلمك الجديد في تصوّرك؟
يقع ما بين السُلطة التي تخلق وحشاً ثم تفقد قدراتها على السيطرة عليه. وهذا يحدث في عالمنا اليوم أيضاً.
اقرأ أيضاً: فرانكشتاين في السينما... 10 أفلام هامّة عن الدكتور ومخلوقه المتوحش