المصممة خديجة المازمي: الاستدامة فلسفتي... والنخلة مرآة التراث في تصاميمي

اختارت خديجة المازمي، مصممة إماراتية وباحثة في التراث الإماراتي والمواد المستدامة، أن تجعل من الفن والتراث بوصلتها في رحلتها الإبداعية. في خوضها عالم التصميم، تجمع المازمي بين شغفها بتاريخ الفنون، ورغبتها في صوغ رؤية عصرية للتصميم الداخلي، وترسم مسارها المميّز بالجمع بين الأصالة الإماراتية، وروح الابتكار الحديث.
في حوارها مع «كل الأسرة» ترصد خديجة المازمي أبعاد تصاميمها كلغة تعبيرية، تروي حكايات المكان والإنسان. وإذ سبق وشاركت في أسبوع دبي للتصميم مرات عدّة، حيث قدمت مشاريعها المستوحاة من التراث وفي فعاليات أخرى، فهي، عبر تلك المشاركات، تؤكد سعيها لإحياء الثقافة المحلية بأسلوب مستدام، يجعل من كل تفصيلة عملاً فنياً يحمل هوية الإمارات بملامح معاصرة.
ما الذي ألهمك اختيار مجال التصميم الداخلي تحديداً؟
لقد كان شغفي بالفنون وتاريخها هو البذرة الأولى التي دفعتني نحو هذا الطريق. دراسة الأعمال الفنية والتأمل في تطورها عبر العصور فتح أمامي نوافذ جديدة على عالم التصميم، خصوصاً التصميم الداخلي الذي أراه مجالاً واسعاً متعدّد الأبعاد. فهو لا يقتصر على مجرد تنسيق الأثاث أو الألوان، بل أعتبره لغة كاملة تُترجم الأفكار، وتحاكي المشاعر، وتعيد صياغة المكان ليعكس هوية الإنسان، وقيمه. في هذا العالم، أجد نفسي قادرة على الجمع بين الفن والوظيفة، بين الجمالية والعملية، وبين الأصالة والابتكار.
ومن القيم التي أحرص على أن تظل حاضرة في أعمالي، تعزيز الثقافة والأصالة الإماراتية. أؤمن بأن التصميم لا ينفصل عن الهوية، وأن استخدام المواد المحلية يعكس ارتباطنا العميق بالأرض التي ننتمي إليها. لذلك، أسعى إلى استغلال هذه المواد، وإعادة تدويرها بطرق إبداعية، بحيث تتحول إلى عناصر تصميمية تحمل بصمة تراثنا، وروح بيئتنا. إن هذا الدمج بين الأصالة والحداثة هو ما يمنح أعمالنا فرادة خاصة، ويجعلها قادرة على أن تكون جسراً بين الماضي والمستقبل.


كيف تتلمسين تأثير الفن الغرافيكي في أسلوبك في التصميم الداخلي وفي عملك؟
يلعب التصميم الغرافيكي دوراً محورياً في تعزيز الهوية البصرية، بخاصة في التصاميم التجارية. فهو أداة للتواصل البصري، السريع والفعّال، تساعدنا على تحويل الأفكار والمقترحات إلى صور ورسائل، واضحة ومقنعة. ومن خلال الغرافيك، نصبح قادرين على إيصال المفاهيم بطرق جذابة، وقريبة من الجمهور، ما يجعل عملية التصميم أكثر مرونة وابتكاراً.
هل مشاركاتك في أسبوع دبي للتصميم أطلّت بك على عوالم جديدة؟
شاركتُ للمرة الثانية في أسبوع دبي للتصميم، إحدى أهم المنصات الإبداعية في المنطقة التي تجمع بين المصممين، والفنانين، والمبدعين، من مختلف أنحاء العالم. غير أن مشاركتي هذا العام اكتسبت طابعاً مميّزاً من خلال المشاركة مع برنامج «تنوين»، كمبادرة من مركز «تشكيل»، وهو برنامج يهيئ المصممين الشباب لاستكمال مساراتهم، وتطوير منتجاتهم بخطوات واعية ومستدامة، ومنحهم الأدوات والخبرات اللازمة لمواصلة مسيرتهم بأساليب مبتكرة. هذه التجربة أضافت إلي الكثير، ليس على صعيد التعلم والتطوير المهني فقط، بل أيضاً على مستوى توسيع آفاق التفكير في كيفية تحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للتنفيذ، تراعي البيئة، وتستجيب لاحتياجات المجتمع.


ما هي أبرز اتجاهات التصميم في أعمالك لعام 2025، بخاصة في سياق الاستدامة؟
خلال عام 2025، حدّدنا في الاستوديو توجهنا الاستراتيجي بشكل أوضح، وهو التوجه نحو إحياء التراث من خلال دمجه بروح العصر، وجعله أساساً لابتكار تصاميم داخلية تتسم بالاستدامة والوعي البيئي، وتعكس الهوية الإماراتية. نحن نؤمن بأن الاستدامة تعني إعادة التدوير، أو استخدام المواد الطبيعية، ولكنها أيضاً فلسفة متكاملة تبدأ من الفكرة، وصولاً إلى التنفيذ، بحيث يكون كل عنصر في التصميم جزءاً من دورة حياة، متوازنة وصديقة للبيئة.
إن رؤيتنا تقوم على إبراز الهوية الإماراتية عبر تفاصيل دقيقة تنعكس في جميع المجالات التي نعمل فيها، سواء كانت مشاريع سكنية تحمل الدفء والخصوصية، أو تجارية تحتاج إلى الجاذبية والابتكار، أو مجالات الضيافة التي تتطلب الجمع بين الراحة والجمال، بروح محلية متفردة. بهذا، يصبح التصميم بالنسبة لنا رسالة نعبّر من خلالها عن قيمنا، وترجمة بصرية لهويتنا وثقافتنا.


كيف استطعت دمج العناصر الإماراتية التقليدية في التصاميم بطريقة عصرية؟
إن دمج العناصر والموارد الإماراتية المستدامة في التصميم الداخلي هو جزء من فلسفتنا التي تهدف إلى تعزيز هويتنا الوطنية، وتجذيرها في تفاصيل الحياة اليومية. نحن نرى أن التصميم الداخلي يمكن أن يكون مساحة خصبة لغرس الثقافة الإماراتية عبر أبعاد عدّة.على سبيل المثال، صممنا منتجات مستوحاة من شجرة النخيل، مثل منتج «فيء» وهو عبارة عن مصباح معلق تتوافر فيه عناصر الاستدامة في مجال الإنارة، ويعتبر حلاً مبتكراً للإضاءة المستدامة.
وكذلك هناك منتج «ظل ظليل» لتجسيد رمزية النخلة، باعتبارها جزءاً أصيلاً من الذاكرة الجمعية الإماراتية، كرمز للعطاء والكرم، والارتباط العميق بالأرض. ويكشف الهيكل الخشبي لهذا المنتج بشكله العشوائي، الطريقة التقليدية التي اتبعها الإماراتيون في تسلق أشجار النخيل، وجمع التمور.
نعمل على توظيف القصص الإماراتية في تصاميمنا، بحيث تصبح كل قطعة تحمل رسالة ثقافية، وروحاً محلية، وفي الوقت ذاته، تلبي احتياجات المجتمع المعاصر. فإلى جانب البعد التراثي، نعتمد ممارسات مستدامة في التصميم. فالاستدامة بالنسبة لنا لا تعني إعادة استخدام المواد أو تقليل الهدر فقط، بل هي وعي متكامل يبدأ من الفكرة الأولى، وصولاً إلى المنتج النهائي الذي يعكس هويتنا الإماراتية بطرق حديثة، ويجعل من التصميم وسيلة للتثقيف والوعي البيئي، ومجالاً لابتكار حلول تلبي تطلعات الأفراد، وتخدم المجتمع بأسره.


تستلهمين أعمالك من البيئة الإماراتية، ما رسالتكِ للجيل الحالي للحفاظ على هذا البعد في تماسّه مع مفردات بيئته الإماراتية؟
أؤمن بأن الجيل الحالي يحتاج إلى قراءة التراث الإماراتي، والتثقيف به، بوصفه ركيزة أساسية يمكن الانطلاق منها نحو المستقبل. فالتثقيف بالتراث لا بد أن يواكب لغة الجيل الجديد، عبر تحويله إلى تجارب، بصرية وحسية، ملموسة، سواء في التصميم، أو الفنون، أو الفضاءات المعمارية. بهذه الطريقة يصبح التراث أقرب إلى الناس، وأكثر حضوراً في حياتهم اليومية.
إن الهدف يتجاوز الحفاظ على التراث إلى الارتقاء به ليواكب متطلبات العصر الحالي، والمستقبل، وهذا ما نسعى لتحقيقه عبر إدماج الرموز والمواد المحلية في تصاميم حديثة، بحيث نعيد صياغة الأصالة بأسلوب معاصر، يفتح المجال أمام إبداع مستدام قادر على أن يخاطب مختلف الأجيال. بهذا التوازن بين الجذور والطموح، نصنع هوية بصرية إماراتية متجدّدة، تحمل روح الماضي، وتستجيب لتحدّيات المستقبل.
*تصوير: السيد رمضان ومن المصدر