07 أكتوبر 2025

إنعام كجة جي تكتب: من يشتري الوهم؟

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

أحرص على متابعة برنامج في التلفزيون الفرنسي بعنوان «يبدأ اليوم». وهو يخصص في كل حلقة قضية اجتماعية لا تخلو من الغرابة، ويستضيف رجالاً ونساء مرّوا بتلك التجربة، غير العادية أو المألوفة. أشخاص تغلبوا على إعاقات، أو أمراض مستعصية. عشاق ابتعدوا عن حبيب العمر في مطلع الصبا، ثم جمعهم القدر في سِن الشيخوخة. ضابطات في الجيش يتعرّضن للتحرش من زملائهن. نجوم وفنانون كانوا ملء السمع والبصر ثم فقدوا الشهرة فجأة، وما عاد يلتفت إليهم أحد.

الحلقة التي أنا بصددها تستضيف ثلاث سيّدات تعرّضن للابتزاز المغلّف بغلالة الحب. وهو حب جرى عبر الهاتف، أو بواسطة النت، ومن دون لقاءات مباشرة. المثير في تلك العلاقات الثلاث أنها كانت مع رجال مشاهير. أو بالأحرى مع نصّابين انتحلوا صفات مشاهير. وقد انطلت الحيلة على النساء اللواتي كانت الواحدة منهنّ مستعدة لتقديم كل ما لديها مقابل استمرار العلاقة، والفوز بلقاء نجمها المحبوب.

لنتخيّل أن تكون الواحدة جالسة في بيتها أمام حاسوبها، وتأتيها رسالة من الممثل الأمريكي براد بت، أو المغني الفرنسي جوني هاليداي، أو زميله باتريك برويل. في البداية، ستتصور المسكينة أن النجم أخطأ في العنوان. لكنه سيقول لها إنه يشعر بالوحدة، وقد ضاق بمطاردة المعجبات له. إنه متعب وضائع، ويحتاج إلى إنسانة تستمع له، وتحبه لذاته، لا لشهرته، أو ثروته.

هذا النوع من النصابين هو في العادة ممثل جيد، وبارع في تقليد الأصوات واللغة، وتقمّص الشخصية. هكذا تأكل السّمكة الشص. وبعدها تستمر الرسائل، أو المكالمات لأشهر طوال، يكون فيها النصاب قد تأكد من أنه وقع على ضحية ساذجة، لكنها ذات دخل طيب. وخلال ذلك، تقتنع المرأة بأنها صارت الصدر الحنون للفنان الشهير، وأنه يخطط للالتقاء بها بعد أن ينهي مشكلاته العالقة، وينفصل عن زوجته، أو بعد أن يصارح ابنته بالأمر، لأنها في سِن المراهقة، ويخشى عليها من الصدمة.

ثم تأتي اللحظة الحاسمة حين يحدّد لها موعداً للقائه في نيويورك، أو لندن، أو مونت كارلو، لكنه يعتذر منها في اللحظة الأخيرة، بسبب عجزه عن شراء تذكرة السفر، وحجز الفندق، لأن طليقته وضعت اليد على حساباته. أو لأن ولده تعرّض لحادث سيارة، ويحتاج إلى مبلغ كبير لإنقاذ حياته. وهنا تتطوع العاشقة الولهانة وتبعث له المطلوب عبر حوالة سريعة. وطبعاً، ينتهي الأمر باكتشاف الخدعة، ولكن بعد فوات الأوان، وتبخّر المال، والحبيب.

ما يلفت النظر في كلام هؤلاء النسوة الثلاث أنهن كنّ يشعرن، في وقت من الأوقات، بأن حكايتهنّ أروع من أن تكون حقيقية. لكنّ كل واحدة منهنّ كانت سعيدة ومنتشية بتلك العلاقة، حتى لو أدركت أن رجلاً مثل براد بت، لا يمكن أن يعشقها، أو أنه مضطر إلى الاستدانة منها. كل ما كان يهمها هو أن تعيش حكاية سحرية تطير بها فوق غيمة. الوهم جميل، وهو غالٍ أيضاً.

الذنب في هذه القصص ليس على السذاجة والغفلة، بل على الوحدة التي تعانيها ملايين النساء في الغرب، بعد انفصالهنّ عن عائلاتهن. وحدة تجفّف الأنوثة، وتدمّر روح الإنسان.

اقرأ أيضاً: فرنسيات في فخ جرائم الاحتيال العاطفي... عشاق نصّابون يظهرون ويختفون برمشة عين