02 أكتوبر 2025

ممثلون يتحوّلون إلى الإخراج.. طموح أم بحث عن شيء مفقود؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

كريستن ستيوارت مع بطلة فيلمها الأخير
كريستن ستيوارت مع بطلة فيلمها الأخير

انبرت الممثلة كرستين ستيوارت هذا العام لتحقيق فيلمها الروائي الطويل الأول تحت عنوان «التسلسل الزمني للماء» (The Chronology of Water)، الذي يلي مجموعة قليلة من الأفلام القصيرة التي قامت بتنفيذها في السنوات القليلة الماضية.

سكارلت جوهانسن مع بطلة فيلمها الأخير
سكارلت جوهانسن مع بطلة فيلمها الأخير

شهدنا كذلك، وفي هذا العام أيضاً، إقدام الممثلة سكارلت جوهانسن على إنجاز أول فيلم لها تحت عنوان «إليانور العظيمة» (Eleanor the Great).

فيلم ستيوارت أفضل من فيلم جوهانسن، لكنه ليس بالجودة التي تتيح له الانضمام إلى ترشيحات الأوسكار المقبلة.

كلينت ايستوود مخرجاً
كلينت ايستوود مخرجاً

تبادل أماكن.. أمام وخلف الكاميرا

بطبيعة الحال ليس الخبر في قيام ممثلتين بانتهاج سبيل الإخراج بنفسيهما، فالتاريخ يحوي أكثر من مئة ممثل معروف أقدم على هذه النقلة، من بينهم روبرت دينيرو، وآل باتشينو، وإليزابث بانكس، وآيس كيوب، وجولي دلبي، وكينيث برانا، ودنزل واشنطن، ولفيف كبير آخر.

في عالمنا العربي تم تحقيق هذا الانتقال من أمام الكاميرا إلى خلفها، أو العكس، مرات عدّة. مثلاً تبادل المخرجان خيري بشارة، والراحل محمد خان، التمثيل كلّ في أفلام الآخر.

كذلك ظهر المخرج توفيق صالح في أحد أفلام يوسف شاهين، وأدت المخرجة اللبنانية نادين لبكي أدواراً في أعمال سواها، فظهرت مثلاً كبطلة في فيلم «رصاصة طائشة»، وكإحدى ممثلات الفيلم المغربي «روك القصبة» (لاعبة دور إحدى بنات عمر الشريف). كما ظهر العراقي قاسم حول كأحد ممثلي فيلمه الأخير «بغداد، خارج بغداد»، وقام التونسي نوري بوزيد بالظهور في آخر عمل له كمخرج وهو «الفيلم الأخير».

وهناك حسين صدقي ويوسف وهبي، لكونهما جاءا من التمثيل أساساً، لكنهما مثّلا في معظم ما قاما بإخراجه، وتوقفا عن ذلك في أول فرصة متاحة. بكلمات أخرى، لم يُـظهرا رغبة عارمة في احتواء الإخراج كحالة منفصلة، أو كمستقبل يتفرغان له.

على أن هناك مفارقة لابد من ذكرها: عدد الممثلين الأمريكيين، والإيطاليين، والبريطانيين، والفرنسيين، الذين قاموا بالانتقال إلى الإخراج أكبر بكثير من عدد الممثلين العرب الذين تركوا فعل الظهور على الشاشة، وفضّلوا مهمّة الإخراج عليها.

هذا ما يدفع إلى التساؤل حول ما يمكن أن يكون السبب الذي يحد من رغبة الممثلين العرب، ولدينا منهم مئات في الماضي والحاضر، في التحوّل (جدّياً) إلى الإخراج؟

لكن، إذا ما كانت السينما الغربية هي النموذج التي احتذت به السينمات العربية، وتحقيق الأفلام، على منوالها وبمستوياتها، كان دائماً حلم المبدعين العرب، فلماذا لم يشمل حلم الوقوف وراء الكاميرا، وإصدار التعليمات، زملاء آخرين في المهنة؟ بالتالي، لماذا هناك مخرجين قاموا بالظهور أمام الكاميرا أكثر بكثير من ممثلين وقفوا خلفها؟

جودي فوستر على طرسي الإخراج
جودي فوستر على طرسي الإخراج

نماذج ناجحة لممثلين تحولوا إلى الإخراج 

الأغلب أن الفصل بين المهنتين ساد السينمات العربية طويلاً، وكان اختياراً لازماً لم يحِد عنه أحد من الممثلين الكبار، ربما باستثناء دريد لحّام الذي بدأ ممثلاً بالفعل، قبل أن يجرّب الإخراج بفيلمين أحدهما- وأفضلهما- «الحدود» في الثمانينيات.

لا عيب في ذلك، باستثناء أنه يرسم قطيعة مباشرة، وإن كانت غير ظاهرة، بين ممثلي السينما العربية وأترابهم في السينمات الغربية.

روبير أوسين في فرنسا، وديفيد أتنبورغ في بريطانيا، وروبرتو بينيني في ايطاليا، أمّـوا الإخراج جدياً بعد سنوات التمثيل، بصرف النظر عن النتائج الفنية أو التجارية (تتفاوت عموماً بين جيد وممتاز). لكن إذا ما كانت هذه التجارب تبدو محدودة (وهي ليست كذلك إذا ما رصدنا كل الممثلين الأوروبيين الذين تحوّلوا إلى الإخراج واستمروا فيه)، فإن تلك الأمريكية أكثر وضوحاً لمن يريد المقارنة.

في الماضي، كما في الحاضر، لا تتوقف النماذج عن التأكيد على أن الرابط بين التمثيل والإخراج كان ضرورياً في خلد العديد من الممثلين والممثلات في هوليوود، من أيام السينما الصامتة، وحتى اليوم.

الكوميديّان بستر كيتون، وتشارلي شابلن، في العقدين الأولين من القرن العشرين طمحا، وعن صواب، إلى ضم الإخراج إلى ملكياتهما الفنية، وأفضل ما قاما بتمثيله كان من إخراجهما أيضاً.

وبالانتقال إلى زمن أقرب، نرى أن العديد من نجوم السينما الأمريكية طمحوا إلى الإخراج ونفّذوا طموحاتهم مستفيدين من الشهرة والمكانة التي حققوها كممثلين.

القائمة طويلة ومثيرة للاهتمام لتباين اهتمامات مخرجيها، وعلاوة على من ورد اسمه في مطلع هذا التحقيق، هناك وورن بايتي، وكلينت ايستوود، وبيرت رينولدز، وأورسن وَلز، كما وودي ألن، وجودي فوستر، وجورج كلوني، وسيدني بواتييه، والعديد من النجوم الآخرين.