28 سبتمبر 2025

الدكتورة أسماء السعدي: تحقيق التوازن بين التربية التقليدية ومتطلبات العصر الحديث من أهم أولوياتنا

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تبرز الدكتورة أسماء السعدي، أستاذة علم الجريمة والعدالة في جامعة الشارقة ومديرة مركز دراسات الأسرة والطفل، كإحدى الشخصيات الأكاديمية التي نجحت في الجمع بين الفكر البحثي الرصين، والعمل الميداني المؤثر. كرّست خبرتها في دراسة قضايا الجريمة والعدالة من منظور علمي يوازن بين النظرية والتطبيق. ومع تولّيها إدارة مركز دراسات الأسرة والطفل، وسّعت نطاق تأثيرها ليشمل دعم السياسات والبرامج المجتمعية التي تعزز استقرار الأسرة، وتواجه التحديات الحديثة التي فرضتها التحولات الاجتماعية والتكنولوجية.

في حوارنا مع د. أسماء، أطلّت بنا على أهم التحدّيات التي تواجه الأسرة، وأهم الأهداف والمشاريع، أو الدراسات التي نفذها المركز، ودور جامعة الشارقة في دعم البحث العلمي المتخصص في هذا الصدد، والكثير من الجوانب الأخرى:

خلال زيارة إحدى الحضانات لمركز الأسرة والطفل
خلال زيارة إحدى الحضانات لمركز الأسرة والطفل

ماذا تخبرنا د. أسماء عن سبب اختيارها تخصص الجريمة والعدالة بشكل خاص، ورحلتها الأكاديمية، وصولاً إلى القاعات التدريسية في جامعة الشارقة؟

بدأ شغفي بمجال الجريمة والعدالة منذ سنوات دراستي الجامعية الأولى، حيث كنت مهتمة بفهم السلوك الإجرامي وأسبابه، الاجتماعية والنفسية. وجدت أن هذا التخصص يجمع بين العلوم الإنسانية والقانون، ما أتاح لي فرصة النظر إلى القضايا من زوايا متعدّدة. ودفعتني هذه الرغبة إلى متابعة الدراسات العليا في علم الجريمة والعدالة الجنائية، وخضت تجربة بحثية معمّقة، تناولت قضايا الأمن المجتمعي والإصلاح، كما شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية، ونشرت أبحاثاً أسهمت في إثراء خبرتي الأكاديمية، ومع مرور الوقت شعرت بأن نقل المعرفة للجيل الجديد يمثل رسالتي الأساسية، فانضممت إلى هيئة التدريس في جامعة الشارقة، حيث أسعى لربط النظرية بالواقع العملي، وتشجيع الطلبة على التفكير النقدي، والتحليل، ومن منطلق إيماني بأن التعليم في هذا المجال وسيلة لبناء مجتمع أكثر عدلاً وأمناً، وذلك لن يتم من دون تخريج طلبة متعلمين ومثقفين.

تتولين إدارة مركز أبحاث الأسرة والطفل بجامعة الشارقة (CFCS)... كيف تسهم الأبحاث الصادرة عنه في وضع السياسات أو البرامج التي تخدم الأسرة في المجتمع الإماراتي؟

يسعى المركز إلى القيام بدوره المحوري في دعم منظومة الاستقرار، الأسري والمجتمعي، من خلال إعداد دراسات ميدانية وتحليلية معمّقة، تتناول قضايا واقعية تمسّ حياة الأسرة، الإماراتية والعربية، بشكل مباشر، وتميّزها بالتركيز على البعد التطبيقي، حيث تسهم نتائجها في تصميم وتنفيذ برامج نوعية للتوعية، والوقاية، والتمكين الأسري، بما يعزز قدرة الأسر على مواجهة التحدّيات الحديثة في مجالات التربية، والصحة النفسية، العلاقات الزوجية، والتأثيرات الاجتماعية للتكنولوجيا ووسائل الإعلام. كما يعمل المركز في إطار دوره الاستراتيجي، على تعزيز قواعد البيانات الخاصة بالمؤشرات الاجتماعية المرتبطة بالطفولة، والمرأة، وكبار السّن، تتيح للجهات الحكومية وصنّاع القرار تكوين قاعدة معرفية دقيقة، يمكن الاعتماد عليها في صياغة الاستراتيجيات الوطنية والخطط المستقبلية، والإسهام في رصد التحولات المجتمعية واستباق التحديات، إلى جانب اهتمامه بالجانب التوعوي والتدريبي، من خلال تنظيمه، وبشكل دوري، ورش عمل متخصصة، وبرامج تدريبية تستهدف مختلف فئات المجتمع، من الآباء والأمهات، والتربويين والأخصائيين الاجتماعيين، بما يسهم في ترسيخ أسس الاستقرار الأسري، ويدعم رؤية الإمارات في بناء مجتمع متماسك ومستدام.

في إحدى الفعاليات المقامة في جامعة الشارقة بمشاركة معهد الشارقة للتراث
في إحدى الفعاليات المقامة في جامعة الشارقة بمشاركة معهد الشارقة للتراث

ما هي أبرز الأهداف والمشاريع أو الدراسات التي نفذها المركز خلال السنوات الأخيرة؟

على مدار السنوات الأخيرة، عمل المركز على تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية التي تعكس دوره المحوري في خدمة المجتمع، من خلال البدء بتنفيذ دراسات تطبيقية وشراكات مجتمعية فعالة، وتقديم توصيات تدعم السياسات الاجتماعية، وإنتاج أبحاث علمية متخصصة، وتنمية قدرات الطلبة الباحثين في مجال الأسرة والطفل.

في ظل التطورات الاجتماعية والتكنولوجية... ما أبرز التحدّيات التي تواجه الأسرة المعاصرة؟

تواجه الأسرة اليوم جملة من التحدّيات المتسارعة التي فرضتها التحولات الاجتماعية والتكنولوجية، من أبرزها: التأثيرات الرقمية في الأبناء نتيجة الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي، التي تنعكس على سلوكاتهم وعلاقاتهم الأسرية، وقدرتهم على التفاعل الواقعي، إلى جانب تغيّر أنماط التواصل داخل الأسرة، حيث تراجعت الحوارات المباشرة لمصلحة التفاعل الافتراضي، ما أضعف الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة. كما لعبت الضغوط الاقتصادية دوراً كبيراً في إثقال كاهل الكثير من الأسر، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وتزايد الالتزامات، ما أثر في التوازن بين متطلبات الجانب المادي، واحتياجات الأبناء التربوية والعاطفية. ويبرز أيضاً تباين القيم بين الأجيال كتحدٍّ جديد، يتمثل في تأثر منظومة قيم الأبناء بالانفتاح العالمي، وتعدّد مصادر المعرفة، التي تختلف بشكل جذري عن قيم الوالدين، أو الأجداد، ما خلق فجوة في التفاهم داخل الأسرة. جميع هذه التحديات تفرض الحاجة إلى تعزيز الحوار الأسري، وتبنّي أساليب تربوية، مرنة وحديثة، وتفعيل برامج التوجيه والدعم المجتمعي لضمان بقاء الأسرة ركيزة أساسية للاستقرار والتماسك الاجتماعي.

توقيع كتاب في معرض الشارقة الدولي للكتاب
توقيع كتاب في معرض الشارقة الدولي للكتاب

وكيف يمكن للأسرة تحقيق التوازن بين التربية التقليدية ومتطلبات العصر الحديث؟ وما أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل لضمان نشأته بشكل سليم في المستقبل؟

تحقيق التوازن بين التربية التقليدية ومتطلبات العصر الحديث يُعد من أهم الأدوار التي تضطلع بها الأسرة اليوم، بخاصة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم على المستويات الاجتماعية، والتكنولوجية، والثقافية. ويمكن للأسرة أن تصل إلى هذا التوازن من خلال الجمع الواعي بين القيم الأصيلة المستمدة من الثقافة العربية والإسلامية، التي تشكل الجذور الراسخة للهوية والانتماء، وبين المهارات الحديثة التي يحتاج إليها الأبناء لمواكبة متطلبات المستقبل، مثل مهارات التواصل، التفكير الإبداعي، واستخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول، إلى جانب غرس قيم المسؤولية، والاحترام، والانتماء، والقدرة على التفكير النقدي والتحليل، وهي مهارات أساسية لتمكين الطفل وبناء شخصية متوازنة قادرة على التمييز بين الصواب والخطأ، واتخاذ القرارات السليمة.

كيف ترصدين دور الجامعة في دعم البحث العلمي المتخصص في قضايا الأسرة والطفل؟

ترتبط مكانة جامعة الشارقة بدورها الريادي في دعم البحث العلمي المتخصص، فهي تُعد منارة أكاديمية تسهم بفاعلية في دراسة قضايا الأسرة والطفل من منظور علمي رصين. وتبرز أهمية هذا الدور من خلال ما توفره من بيئة بحثية متكاملة تتيح للباحثين والأكاديميين الانخراط في مشاريع علمية متقدمة، مدعومة ببنية تحتية حديثة، تشمل قواعد بيانات، ومكتبات رقمية، ومراكز بحثية متخصصة، مثل مركز دراسات الأسرة والطفل. وإلى جانب ذلك، تمنح الجامعة فرصاً واسعة للتعاون العلمي والتبادل المعرفي، سواء على مستوى التخصصات الأكاديمية المختلفة داخل الجامعة، أو عبر شراكات بحثية مع مؤسسات محلية، وإقليمية، ودولية، ما يسهم في إنتاج دراسات تطبيقية محكمة تتناول قضايا حيوية مثل التربية الأسرية، حماية الطفولة، دور المرأة، واستراتيجيات تعزيز التماسك الأسري.

مشاركتها مناقشة رسالة ماجستير
مشاركتها مناقشة رسالة ماجستير

ما النصائح التي تقدمينها للباحثين الشباب المهتمين بهذا المجال؟

أنصحهم بأن يخوضوا البحث العلمي بشغف والتزام، وأن يحرصوا على استخدام المنهجيات الحديثة، والاطّلاع على المستجدات العالمية، مع مراعاة خصوصية المجتمع المحلي. كما أوصيهم بالاقتراب من الواقع الميداني لفهم التحدّيات الحقيقية، وصياغة حلول عملية قابلة للتطبيق تسهم في خدمة الأسرة والمجتمع.

ما هو الإنجاز الذي يشعرك بالفخر؟

أعتز بنجاحي في الجمع بين الجانبين، الأكاديمي والإداري، حيث أسهمت في إثراء العملية التعليمية من خلال البحث العلمي والتدريس في الجامعة، في الوقت ذاته، توليت إدارة مركز دراسات الأسرة والطفل، ما أتاح لي تحقيق تكامل مثمر بين التطوير المعرفي والقيادة الإدارية، انعكس إيجاباً على مستوى العطاء والإنجاز.

ما هي طموحاتك المستقبلية على صعيد العمل أو المستوى الشخصي؟

على مستوى العمل، أطمح إلى توسيع نطاق الدراسات والأبحاث لتشمل أبعاداً أكثر عمقاً وشمولية، في قضايا الأسرة والطفل، بما يضمن تحويل نتائجها إلى حلول عملية تعزز الاستقرار الأسري، وتدعم السياسات الاجتماعية، إلى جانب السعي لتعزيز التعاون الدولي في مجال البحوث الاجتماعية، بما يرسخ مكانة دولة الإمارات مركزاً للتميز في دراسات الأسرة والطفل.

* تصوير: السيد رمضان