بالنسبة إلى شاب كان يستغل عطلة المدرسة ليلاحق حبّه للسينما كلما سنحت الفرصة، كان السيناريو عصباً هامّاً كما قيل له. ذات يوم اكتشف مخرجاً يصوّر بلا سيناريو مكتوب.!
كنتُ في الصف الثانوي الأول، أو الثاني، عندما قرأت إعلاناً عن مدرسة تقوم بتدريس السيناريو بالمراسلة. بدا الأمر غريباً عليّ. واندفعت لتسجيل نفسي في المدرسة لقاء المبلغ المطلوب.
لابدّ من التذكير هنا بأن البريد العادي، هذا الذي لم يعد له ذات المكانة اليوم بسبب ما نعتبره «تقدّماً تكنولوجياً»، كان السبيل الأول والوحيد للتواصل المكتوب. وللقارئ أن يتخيل مدى فرحتي عندما استلمت الدرس الأول من كيفية كتابة السيناريو. في ذلك الأسبوع، تراجعت علاماتي في كل المواد المدرسية، لكن هذا لم يكن هامّاً عندي آنذاك. لكني عدت بعد ذلك إلى نوع من التوازن: علامات ممتازة في الأدب واللغة العربية، والتاريخ، والجغرافيا، ومعتدلة إلى ما دون في العلوم الرقمية والهندسية.
حين بدأت الكتابة في صحيفة «المحرر» في نهاية الستينيات (كنت الوحيد بين الطلاب الذي يتقاضى أجراً) اتصلت بالمخرج محمد سلمان الذي كان يصوّر في بيروت أحد أفلامه.
ذهبت إلى مكان التصوير وفي البال شيء واحد: التعرّف إلى سيناريو مطبوع أمسكه بيدي، وأقرأ صفحاته.
كنت أريد معرفة كيف يُكتب مهنياً، وهل دراستي (التي انتهت بفوزي في الامتحان النهائي) كانت مفيدة، أم لا.
لاحظ المخرج سلمان (رحمه الله)، أنني خلال وجودي في المنزل الذي يتم فيه التصوير أنظر حولي ناقلاً البصر من غرفة إلى أخرى. قال لي: «الحمّام هناك». قلت له «لا أريد الحمّام، بل أبحث عن شخص يحمل السيناريو».
ضحك وقال: (أيّ سيناريو؟)
- سيناريو الفيلم.
مدّ يده إلى جيبه وأخرج أربع صفحات مكتوبة بخط اليد منزوعة من دفتر، وقال لي: «هذا هو السيناريو».
ثم نهض من مكانه وصرخ: «أكشن»، وصوّر الفيلم كله بلا سيناريو.!