21 سبتمبر 2025

فيلم «هجرة».. رحلة شهد أمين عبر الصحراء والرغبات المتباينة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

هناك فيلمان، على الأقل، في تاريخ أعمال المخرجة السعودية الشابة شهد أمين دارا حول البحر. الأول هو «حورية وعين» (2009)، فيلم قصير حول فتاة اسمها حنان كانت شهدت والدها ينحر حورية لاستخراج اللؤلؤ منها، وبعد سنوات تلتقي حنان، وقد أصبحت شابة، بالحورية من جديد. الفيلم الثاني هو «سيدة البحر» (2019) الذي سردت فيه قصّة فتاة شابّة تنجو من قربان تبعاً لتقاليد، وتجد في أن بقاءها حيّة يحتّم عليها العمل على سفن الصيد كما الرجال.

مجلة كل الأسرة

 «سيدة البحر» فيلم شهد أمين الروائي الطويل الأول وهو استقبل جيّداً من قبل النقاد الذين شاهدوه وعرض في أكثر من عشرة مهرجانات دولية وخرج بجوائز من أيام قرطاج السينمائية ومهرجان ڤينيسيا ومن مهرجان سيدني للخيال العلمي.

مجتمع زاخر بالقيم

في فيلمها الجديد «هجرة» تنتقل من البحر إلى الصحراء، ومن الفيلم ذي الإمكانيات المحدودة إنتاجياً لفيلم كبير الإنتاج دعمته «هيئة الأفلام السعودية» بنسبة غالبة (70 في المئة) وشاركت في إنتاجه شركة «فيلم كلينيك» المصرية. ما لم يختلف هو اهتمام المخرجة بالعناصر المكوّنة لشخصياتها النسائية. تقول حين سألتها عن هذا الجانب: «حكاياتي تدور عادة في زمن آخر غير الحاضر. كما تعلم تطوّرت الحياة الاجتماعية في المملكة إلى حد كبير وجزء من رغبتي لتحقيق هذا الفيلم هو المقاربة بين الحاضر والماضي على نحو غير مباشر. ليس هدفي أن أقارن لأن التاريخ الاجتماعي السعودي زاخر بالقيم الجميلة وأردت من «هجرة» أن أبرز ذلك من خلال رحلة بطلتيه».

مجلة كل الأسرة

حكاية هجرة تبدأ بلقطة غير واضحة المعالم، تقول عنها: «أردت هنا أن أثير بعض الغموض والإحساس بفاصل بين كيف نشاهد الفيلم وكيف تعيشه الشخصيات التي فيه».

مجلة كل الأسرة

الأحداث ذاتها تنطلق بسرعة وبثقة: حافلة تقل مجموعة من النساء إلى الحج بينهن جدّة وحفيدتاها. حين الوصول إلى مشارف مكّة تختفي الحفيدة الكبرى. الجدة التي نعرفها باسم «ستّي»، وتقوم بدورها خيرية نظمي، لن تركب الحافلة من دون حفيدتها المفقودة سارا وتقرر البحث عنها بمعونة حفيدتها الأخرى لامار فدّان. من هذا الموقف ينبري الفيلم كرحلة طريق طويل لا يستكشف الأحداث فقط، بل المواقع التي تدور فيها والتقاليد التي تعيشها بيئاتها الاجتماعية والانتماء الديني والثقافي للمكان وتاريخه.

مجلة كل الأسرة

تقدير متبادل

في هذه الرحلة يختبر المُشاهد طبيعة قاسية. صحراء قاحلة وجبال قاسية. وبما أن الرحلة ليست دوماً في تلك الحافلة فإن الكثير منها يتم مشياً في الحرارة و-لاحقاً- تحت البَرد المنهمر، حيث سينتهي الفيلم بمفاجأة تجعل المرء يتوقّف عندها ومعانيها بإمعان.

فيلم شهد أمين لا يختار سبلاً سريعة وسهلة لعرض تاريخ المملكة وشعبها، وجمالياته ليست بطاقات سياحية، هو لُحمة من المشاعر بين الشخصيات ثم بينها وبين المحيط الجغرافي الذي تسكنه. رحلة تعب وأمل معاً.

أمضت شهد أمين خمس سنوات من التحضير لهذا الفيلم «لأنني أردت أن أسرد عالماً كاملاً من خلال هذه المناسبة. أحب الحج ومواسمه وتلك التقاليد المتعلقة به، لكني أردت أيضاً الحديث عن جوانب وتقاليد أخرى تبرز التنوّع بين الأجيال وتنوّع الحضارة السعودية وثقافتها عبر الأجيال المتوالية» كما تقول.

هناك سائق شاحنة صغيرة يبيع عليها الماء والتمر. تعرض عليه الجدّة مبلغاً مغرياً لكي يقودها وحفيدتها في البلدات الممتدة على أكثر من طريق وما بعدها، هذا بعدما علمت أن حفيدتها تسللت هرباً منها وفي نيّتها ركوب الباخرة من ميناء جدّة إلى مصر.

في يقين الحفيدة الثانية أن هروب شقيقتها لا يعود إلى رغبتها في الهجرة، بل إلي رغبتها في الهرب من قبضة الجدّة الحديدية التي لم تعد سارا تطيقها. جيني نفسها تعاني هذا الوضع ونرى ذلك منذ البداية عندما تنهرها جدتها لأنها تسمع الأغاني في الحافلة. إنه الوضع المعبّر عن تباين الأجيال لكن في النهاية ستتجه الجدة لفهم حفيدتها وستتجه الحفيدة لفهم جدتها وتقديرها.