18 سبتمبر 2025

شيماء بن طليعة: رسالتي بناء إنسان وقائد ومواطن عالمي

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

من صندوق خليفة لتطوير المشاريع، إلى قاعات الجامعات المحلية والدولية، وصولاً إلى منصبها اليوم كنائب مدير الجامعة الأمريكية في الشارقة للتجربة الطلابية، خاضت شيماء بن طليعة رحلة مهنية غنية جعلتها تجمع بين الخبرة العملية، والرؤية الإنسانية. تؤمن بأن الطالب ليس مجرّد متلقٍ للمعرفة، بل إنسان يعيش تجربة متكاملة تحتاج إلى الدعم النفسي والاجتماعي، بقدر ما تحتاج إلى التميز الأكاديمي.

وفي هذا الحوار مع مجلة «كل الأسرة»، تكشف شيماء عن ملامح تجربتها، وكيف انعكست على رؤيتها لخلق بيئة جامعية ملهمة، تُعدّ الشباب للقيادة وريادة الأعمال:

مجلة كل الأسرة

كيف تعرّفين لنا دورك كنائب مدير الجامعة للتجربة الطلابية في الجامعة الأمريكية في الشارقة؟

بداية، يشمل عملي نائباً لمدير الجامعة للتجربة الطلابية الإشراف على مختلف الجوانب التي تشكّل تجربة الطالب خارج القاعات الدراسية، وداخلها، بما يضمن تكاملاً حقيقياً بين المسار الأكاديمي والحياة الجامعية. أعمل على تطوير سياسات وبرامج تدعم النمو الشخصي والمهني للطلبة، وتشجع على المشاركة الفاعلة في الأنشطة الطلابية، والرياضيةـ والثقافية، إضافة إلى تعزيز مبادرات الصحة النفسية والبدنية، وتوفير بيئة سكنية آمنة ومحفزة في السكن الجامعي.

كما أحرص على أن تكون جميع هذه الجهود متوافقة مع رؤية مؤسّس الجامعة، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ورئيستها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، ورسالة الجامعة، وقيمها، وأن تسهم هذه الجهود في إعداد طلبتنا ليكونوا قادة مؤثرين، ومواطنين عالميين قادرين على مواجهة التحديات المستقبلية.

مجلة كل الأسرة

ما أبرز المبادرات التي عملتِ عليها لتعزيز تجربة الطلبة داخل وخارج الحرم الجامعي؟

تعزيز الصحة النفسية والرفاهية: حيث قمنا بتطوير بيئة الصحة النفسية بشكل عام، ودخلنا في شراكة مع منصة «كامبس توك» (TalkCampus) لتوفير خدمة دعم الأقران على مدار 24/7 بلغات متعدّدة، والذي وفرت لطلبتنا قناة آمنة وسريعة للتواصل والدعم النفسي.

  • المبادرات الثقافية والمجتمعية: عملنا على تنظيم برامج وأنشطة تشجع الطلبة على التفاعل مع ثقافات متعدّدة، وتعزز قيم الانتماء والمسؤولية الاجتماعية، سواء عبر النوادي الطلابية، أو الشراكات المجتمعية.
  • تجربة سكنية متكاملة: حرصنا على تعزيز السكن الجامعي من خلال مبادرات تركز على السلامة، والأنشطة السكنية، والتكامل مع المسار الأكاديمي، لتكون تجربة العيش داخل الحرم الجامعي امتداداً للتعلم والنمو الشخصي.
  • تعزيز صوت الطالب: شكّلنا قنوات تواصل ومجالس استشارية طلابية تُمكّن الطلبة من التعبير عن احتياجاتهم ومقترحاتهم، والمشاركة في صناعة القرارات التي تمسّ حياتهم الجامعية.
  • الدعم المالي والتمكين: أطلقنا «صندوق الطوارئ الطلابي» لدعم الطلبة في مواجهة الظروف الاستثنائية غير المتوقعة، بما يعزز استمرارية تجربتهم الأكاديمية والحياتية، من دون انقطاع.

كيف يمكن للجامعات اليوم أن توازن بين الجانب الأكاديمي والجانب الاجتماعي والنفسي لتجربة الطالب؟

أنا أؤمن بأن تحقيق التوازن بين الجانب الأكاديمي والجانب الاجتماعي والنفسي لتجربة الطالب لم يعد خياراً، بل ضرورة في سياق التعليم العالي اليوم. فنجاح الطالب لا يُقاس فقط بتحصيله الأكاديمي فقط، بل أيضاً بقدرته على النمو الشخصي، والاجتماعي، والنفسي، داخل بيئة جامعة متكاملة.

وحتى تنجح الجامعات في تحديد هذا التوازن، يجب عليها العمل على محاور عدّة:

  • تكامل الخدمات: ربط الدعم الأكاديمي بخدمات الصحة النفسية والإرشاد والدعم الاجتماعي، بحيث تتوفر للطالب منظومة شاملة تعالج مختلف أبعاد تجربته.
  • الوقاية والتمكين: الاستثمار في مبادرات وبرامج توعية ووقاية لتعزيز الصحة النفسية وجودة الحياة، إلى جانب توفير أنشطة طلابية، ورياضية، وقيادية، وثقافية، تسهم في بناء مهارات القيادة والتواصل والعمل الجماعي.
  • الشراكات والابتكار: إطلاق مبادرات مبتكرة مثل التعاون مع الشركات المختلفة وتفعيل صندوق الطوارئ الطلابي لمساندة الطلبة في الأزمات في استجابة عملية لاحتياجاتهم الإنسانية، إلى جانب احتياجاتهم الأكاديمية.
  • الاستماع إلى صوت الطالب: نحن نؤمن بأن الطلبة ليسوا مجرّد متلقّين للخدمات، بل شركاء فاعلون في صياغة تجربتهم، وتشكيلها. لذلك نحرص على إشراكهم بصفة مستشارين من خلال المجالس الطلابية وقنوات التغذية الراجعة، ليكونوا مساهمين مباشرين في تطوير السياسات والبرامج التي تخصهم.

ما التحدّيات التي واجهتكِ في قيادة شؤون الطلبة، وكيف تعاملتِ معها؟

من أبرز التحدّيات التي واجهتني في قيادة شؤون الطلبة هو إيجاد التوازن بين تطبيق السياسات الجامعية بحزم وعدالة، من جهة، ومراعاة الظروف الإنسانية الفردية للطلبة، من جهة أخرى. فهناك مواقف تتطلب قرارات حاسمة لضمان نزاهة العملية الأكاديمية، وحُسن سير الحياة الجامعية، وفي الوقت نفسه تحتاج إلى تعاطف، وفهم عميق لتجربة الطالب، وظروفه الخاصة.

على سبيل المثال، عند اتخاذ قرارات تتعلق بإعادة دمج الطلبة بعد فترات انقطاع، أو التعامل مع قضايا سلوكية أو أكاديمية حساسة، يكون لزاماً علينا تطبيق لوائح الجامعة بما يحفظ العدالة للجميع، لكنني دائماً أحرص على أن يتم ذلك بطريقة تراعي الجانب الإنساني، وتضع الطالب في قلب عملية اتخاذ القرار.

لقد ساعدني هذا النهج  «المزج بين الصرامة المؤسسية والتعاطف مع الإنسان» على بناء الثقة لدى الطلبة، ولدى أسرهم، وضمان أن تبقى سياسات الجامعة أداة للتمكين لا للعقاب، وأن تُسهم في تعزيز تجربة تعليمية وحياتية متكاملة

لكونك عملتِ سابقاً في «صندوق خليفة لتطوير المشاريع»، كيف ساعدتكِ هذه التجربة على دعم الطلبة الطموحين نحو ريادة الأعمال؟

عملي السابق في صندوق خليفة لتطوير المشاريع منحني خبرة عملية عميقة في مجال ريادة الأعمال، ليس من زاوية تأسيس المشاريع التجارية فقط، بل أيضاً من خلال تبنّي عقلية الابتكار، والتفكير الريادي. هذه التجربة ساعدتني على تطوير مهارات تقييم الأفكار، وتبنّي المبادرات، وتمكين الأفراد من تحويل طموحاتهم إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ.

واليوم في الجامعة الأمريكية في الشارقة، أحرص على نقل هذه الخبرة إلى بيئة الطلبة، من خلال:

دعم الريادة بمعناها الواسع عبر تأسيس شركات ناشئة، بل تشمل الأفكار الخلّاقة والمبادرات التي تُحسّن من تجربتهم الجامعية، سواء في الأنشطة، أو السكن، أو الخدمات الطلابية. وتعزيز ثقافة الابتكار، وتشجيع الطلبة على طرح حلول جديدة للتحدّيات التي يواجهونها داخل الحرم الجامعي، وتحويلها إلى مشاريع أو مبادرات مستدامة تخدم مجتمعهم الجامعي.

من هذا المنطلق، فإن تجربتي مع صندوق خليفة لم تكن مجرّد تجربة مهنية، بل رافعة معرفية، ونموذجاً عملياً، ألهمني دعم الطلبة الطموحين ليصبحوا قادة تغيير، سواء عبر مشاريع ريادية في السوق، أو مبادرات مبتكرة تحسّن جودة الحياة الجامعية.

مجلة كل الأسرة

من خبرتكِ الطويلة في القطاعات الحكومية والتعليمية، ما المهارات التي ترين أنها أساسية للطلبة قبل دخول سوق العمل؟

  • المهارات الناعمة: مثل مهارات التواصل الفعّال، والتفكير النقدي، وحل المشكلات، وهي مهارات جوهرية للتكيف مع بيئات عمل متعدّدة الثقافات، ومتغيرة.
  • العمل الجماعي والقيادة: القدرة على العمل بروح الفريق، وإدارة الوقت والموارد، مع التحلي بالمرونة للانتقال من دور المنفّذ إلى دور القائد عند الحاجة.
  • المهارات الرقمية: في ظل التحوّل الرقمي، أصبح من الضروري أن يمتلك الطلبة إلماماً بالأدوات التكنولوجية، وتحليل البيانات، والتعامل مع أنظمة العمل الذكية.
  • الثقافة المهنية والأخلاقيات: تعزيز قيم النزاهة والانضباط، والقدرة على الالتزام بالمعايير المؤسسية. هذه المهارات غالباً ما تحدّد مسار النجاح الوظيفي، بقدر ما يحددها التحصيل الأكاديمي.
  • المرونة والابتكار: سوق العمل سريع التغير، وبالتالي، فإن القدرة على التعلّم المستمر، واستقبال الأفكار الجديدة، وابتكار حلول للمشكلات المعقدة، هي مفتاح التميز.

كيف تصفين أثر الأنشطة الطلابية في بناء شخصية الطالب وصقل مهاراته القيادية؟

الأنشطة الطلابية تُمثّل مساحة عملية موازية للتعلم الأكاديمي، فهي تسهم بشكل مباشر في بناء شخصية الطالب، وصقل مهاراته القيادية، من خلال منحه فرصاً للتجربة، وتحمّل المسؤولية، والعمل بروح الفريق. هذه التجارب تصنع فارقاً حقيقياً في ثقة الطالب بنفسه، وقدرته على اتخاذ القرار، والتأثير الإيجابي في محيطه.

ما الذي ينقص البيئة الجامعية في المنطقة العربية لتصبح جاذبة أكثر للطلبة عالمياً؟

البيئة الجامعية في المنطقة العربية حققت تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، لكن يمكن أن تصبح أكثر جاذبية للطلبة عالمياً إذا ما توفرت ثلاثة عناصر رئيسية:

  • الترابط العالمي: توسيع فرص التبادل الأكاديمي والبحثي مع جامعات عالمية مرموقة، بما يمنح الطلبة تجربة تعليمية عابرة للحدود.
  • الابتكار والتكنولوجيا: الاستثمار أكثر في البنية التحتية الرقمية، ومراكز البحث والابتكار، لمواكبة التطورات المتسارعة وتوفير بيئة تعليمية حديثة للطلبة.
  • التجربة الطلابية المتكاملة: التركيز على جودة الحياة داخل الحرم الجامعي، من أنشطة ومرافق وخدمات دعم نفسي واجتماعي، بحيث يشعر الطالب القادم من الخارج بأن الجامعة ليست مكاناً للتعلم فقط، بل فضاء متكامل للنمو الشخصي والمهني.

بهذا النهج، يمكن لجامعات المنطقة أن تصبح وجهات تعليمية تنافسية عالمياً، تجذب الطلبة ليس من العالم العربي فقط، بل من مختلف أنحاء العالم.

ما نصيحتكِ للشباب والشابات الراغبين في خوض مجالات القيادة أو ريادة الأعمال؟

أن يتحلّوا بالشجاعة لأخذ الخطوة الأولى، وألّا يخافوا من الفشل، فهو جزء أساسي من التعلّم والنمو. كما أن القيادة لا تعني الحصول على المناصب، بل هي القدرة على إحداث تأثير إيجابي، تماماً مثلما أن ريادة الأعمال لا تقتصر على تأسيس مشروع تجاري، بل على التفكير بطرق مبتكرة لحل المشكلات وصناعة التغيير.

وأتحدث هنا من تجربة شخصية، إذ كنت قد بدأتُ مشروعي الخاص في فترة سابقة، وبعد سنوات من الجهد أدركت أنه لا يسير في الاتجاه الصحيح. كان قرار التوقف صعباً، لكنني تعلمت أن الشجاعة في الانسحاب أحياناً لا تقل أهمية عن الشجاعة في الانطلاق. فالقدرة على التراجع في الوقت المناسب هي جزء من المرونة التي تُبنى عبر التجارب، وتمنحك حكمة أعمق، وقوة أكبر لخوض المحطات القادمة.

كيف ساعدتكِ دراستك في هارفارد والجامعات الأخرى على تشكيل رؤيتك القيادية وصقل استراتيجيات عملك؟

أفتخر بأنني خريجة الجامعة الأمريكية في الشارقة، وجامعة الشارقة، حيث شكّل هذان الصرحان الأكاديميان الأساس المتين لمسيرتي العلمية والمهنية. لاحقاً، واصلت تطوير نفسي من خلال برامج ودبلومات دولية من جامعات عريقة، مثل كلية هارفارد لإدارة الأعمال، وجامعة داندي، وهي تجارب أتاحت لي فرصة ثمينة للتعرّف إلى بيئات تعليمية مختلفة، والتفاعل مع أشخاص من خلفيات وخبرات متعدّدة.

ما الخطط المستقبلية التي تتطلعين إلى تحقيقها في الجامعة الأمريكية في الشارقة لتعزيز تجربة الطلبة؟

خططي المستقبلية في الجامعة الأمريكية في الشارقة تتركز على جعل تجربة الطالب أكثر شمولية وتكاملاً، بحيث تشمل كل جانب من رحلته الجامعية، بدءاً من الخدمات الأكاديمية، إلى الدعم النفسي والاجتماعي، وصولاً إلى الأنشطة والفرص العملية التي تصقل شخصيته، وتعدّه للمستقبل. أطمح إلى أن يشعر كل طالب بأن تفاصيل حياته داخل الحرم الجامعي، مهما صغرت، مصمّمة لتعزيز نموّه وتمكينه. كما أسعى إلى ترسيخ ثقافة الشراكة مع الطلبة في صنع القرار، ليكونوا مستشارين وشركاء فاعلين في صياغة البرامج والسياسات، بما يعزز انتماءهم، ويدفعهم إلى المساهمة في التطوير. ومن أولوياتي كذلك تطوير مرافق السكن والأنشطة الطلابية لتصبح بيئة حيوية تسمح ببناء شبكة اجتماعية وثقافية ثرية. وفي المدى الأوسع، أطمح إلى ترسيخ مكانة الجامعة كوجهة تعليمية عالمية، تستقطب الطلبة من مختلف الدول، وتمنح خريجينا هوية عالمية تجعلهم أكثر قدرة على المنافسة والتميّز، أينما وُجدوا.

على الصعيد الشخصي، ما الذي يلهمكِ ويعطيك الدافع للاستمرار في تطوير بيئة تعليمية أفضل؟

على الصعيد الشخصي، أكثر ما يلهمني ويدفعني للاستمرار هو شغفي بخدمة الناس، وفي سياق عملي الحالي، خدمة «الطلاب والطالبات»، ورؤية الأثر الذي نصنعه في حياتهم عاماً بعد عام. عندما أرى طالباً يتجاوز تحدّياته، أو يكتسب ثقة جديدة بنفسه، أو يحقق إنجازاً كان يراه بعيد المنال، أشعر بأن كل جهد بذلناه يستحق العناء.

ما يحمّسني أيضاً هو فكرة التأثير المستدام، أي أن ما نزرعه اليوم في بيئة الجامعة لن يخدم الطلبة الحاليين فحسب، بل يهيئ أجيالاً قادمة لفُرص أوسع، وحياة أكثر ثراء. الإلهام بالنسبة لي ليس لحظة عابرة، بل تراكم للقصص الصغيرة التي أسمعها من الطلبة، والتي تذكّرني دائماً أن رسالتنا أعمق من التعليم، فهي رسالة بناء إنسان وقائد ومواطن عالمي.