لا يمكن وصف جريمة اليوم بالجريمة البشعة فقط، لأن تفاصيل ما حدث فاق حدود البشاعة والمأساة، انتزعت الأم قلبها، واستبدلت به قطعة صمّاء من الحجارة، مخطئ من يظن أن الجريمة وليدة اليوم والليلة، لكن التفكّك الأسري كان هو العامل الأساسي والمشترك في ما حدث.
فتاة جميلة عانت الحرمان والدفء العائلي، وعندما شعرت الأم بأن ابنتها أصبحت عبئاً ثقيلاً عليها، قرّرت التخلص منها بمساعدة عشيقها، كانت تظن أن كل شيء انتهى للأبد بمجرد التخلص منها، ودفنها، لكن ما حدث كان أشبه بمعجزة، الفتاة لم تلقَ مصرعها، كما ظنّا، ولم يكن هذا كل شيء، وإنما أبلغت عن محاولة قتلها أيضاً.
ولدت المجني عليها، بطلة القصة، في كنف أسرة مفككة وغير مترابطة، كان الانفصال هو القاسم المشترك بينهما، وعندما انفصل والداها بعد خلافات عائلية كبيرة لم يكن عمرها يتجاوز الـ 12عاماً، لم يكن هناك مفر من وقوع الطلاق، وتناسى الزوجان وجود طفلة بعمر الزهور، ليس لها ذنب في تواجدها في الحياة وسط أسرة مفكّكة.
وقع الطلاق، وبحث كل منهما عن حياته متناسياً الطفلة، الأب تزوج بأخرى ونسي، أو تناسى، تماماً طفلته البريئة، أما الأم فكانت تعمل في أحد المصانع لتوفر، بالكاد، نفقات المعيشة، كما أجبرت طفلتها على العمل في أحد المحال حتى تساعدها على نفقات المعيشة. كانت الأيام والليالي جميعها تشبه بعضها بعضاً، لا جديد فيها، إلى أن ارتبطت الأم بعلاقة محرّمة بأحد جيرانها في العقار نفسه.. نسيت كل شيء، بيتها، سمعتها، طفلتها الوحيدة، وأقامت علاقة كاملة غير شرعية مع جارها الذي استغل تواجدها بمفردها، تعاملت معه كأنه زوجها، لم يكن هذا اللقاء هو الأول، والأخير، وإنما كان هو البداية للقاءات أخرى متعدّدة، واستمر الحال بين العشيقين على هذا المنوال لمدة ليست بالقصيرة، من دون افتضاح أمرهما. كان العشيقان في منتهى الحرص بدقة كبيرة، حتى لا يثيران الشك أو الريبة حولهما.. كان العشيق يخشى أن تكتشف علاقتهما لأنه متزوج، أما جارته اللعوب فكان هذا الاتفاق مناسباً جداً لها، خصوصاً أن عشيقها يغدق عليها الأموال والمصاريف اللازمة، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة.
عادت الفتاة الصغيرة في إحدى المرات قبل موعدها المعتاد، سمعت أصواتاً تنبعث من غرفة نوم والدتها، وعندما دلفت إلى الغرفة وقعت عيناها على مشهد لا يمكن تصوّره، والدتها المصون مع جارهما في وضع مخلّ. لم يستغرق العشيق ولا الأم، وقتاً طويلاً في التفكير في لحظات فارقة سيطر فيها الشيطان على تفكيرهما، انهالا ضرباً وركلاً على الفتاة، وحاولا كتم أنفاسها حتى لا يفتضح أمرهما، حتى سقطت الفتاة على الأرض فاقدة النطق والحركة.
فكّر العشيق في حيلة شيطانية، قام بتوثيق الفتاة بالحبال، ونزع كامل ملابسها، حتى يظن البعض حال العثور عليها، أن قتلها كان بدافع الاغتصاب الوحشي، والعنيف.
ظن العشيق والأم الخائنة، أن الفتاة لقيت مصرعها، وخوفاً من الفضيحة والأسئلة الكثيرة، قرّرت الأم، بمساعدها عشيقها، دفن الفتاة، ثم بعد مرور بضعة أيام تُحرر الأم بلاغاً في قسم شرطة العاصمة يفيد باختفاء الفتاة، لكن الساعات التالية للجريمة كانت غير متوقعة في أسوأ السيناريوهات، والقصة أغرب من أن يصدّقها عقل، والتفاصيل تحتاج إلى أمهر كتاب السيناريو مجتمعين، ليس لكتابة القصة، وإنما لعرض فصل واحد فقط، من هذه التفاصيل المأساوية.
المفاجآت توالت تباعاً عندما ظن العشيق، والأم الخائنة، أن جريمتهما ماتت مع الفتاة، لكن شاء الله أن تكتشف معالم الجريمة كاملة، عن طريق أحد الأهالي، حيث قادته الظروف إلى الذهاب إلى المقابر لزيارة قبر والده، فسمع أصوات استغاثة، وعندما تتبّع مصدر الصوت شاهد أبشع مشهد وقعت عليه عيناه. وجد الفتاة تصارع الموت ولا تقوى على الحركة، وفي حالة صدمة شديدة، تحاول أن تستر نفسها بكلتا يديها، وعندما استفسر منها عن ملابسات ما حدث، أرشدته إلى اسم المجرم عشيق والدتها، وكذلك إلى والدتها، ومحل إقامتها.
قام الرجل على الفور بنقل الفتاة إلى المستشفى لإسعافها، وفور وصولها قامت إدارة المستشفى بإبلاغ رجال شرطة العاصمة لمتابعة التحقيقات، حيث تم تحرير محضر شرطة تضمنت سطوره وصفاً دقيقاً للفتاة، وملابسات العثور عليها، واسمَي المتهمَّين اللذين حاولا قتلها خوفاً من افتضاح أمرهما.
على الفور، تم تشكيل فريق بحث لمتابعة ملابسات القضية، حيث أثبتت التحريات أن الفتاة متغيّبة عن أسرتها منذ يوم كامل، ولم تقم والدتها بالسؤال عنها، أو الإبلاغ عن اختفائها، حيث تم تجهيز مأمورية أمنية توجهت إلى منزل الأم الخائنة، والقبض عليها. وبمواجهتها بما حدث لم تتمكن من المراوغة، أو الإنكار، خصوصاً بعد اعتراف ابنتها عليها، ولم تمر سوى دقائق معدودات حتى أرشدت إلى مكان جارها، وعشيقها، حيث تم ضبطه في محل إقامته وسط ذهول أسرته، وزوجته، وأطفاله. كان سقوطه مدوياً، وفضيحة الطرفين لا يمكن احتمالها، أو تقبّلها، اعترف المتهم بارتكابه جريمة الشروع في قتل خوفاً من افتضاح أمره، أما الأم الخائنة فأكدت في اعترافاتها أنها فضلت موت ابنتها على الفضيحة التي يمكن أن تطالها، إذا ما علم أي شخص تفاصيل علاقتهما معاً.
تمت إحالة المتهمين إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسهما 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معهما، على أن تحدّد لهما جلسة عاجلة لمحاكمتها على جرائمهما.
* إعداد: كريم سليمان