يمتلك الفرنسيون تحويل أيّ شيء تافه إلى مادة للجدل في المجالس، وبرامج التلفزيون، وعلى صفحات الصحف. وفي المجلة النسائية التي بين يديّ تحقيق عن تلك الأحذية المصنوعة من البلاستيك، والتي يستخدمها الناس على الشواطئ، في الصيف، للسير على الرمال، وبين المياه.
في بلادنا، كانت تلك أحذية الفقراء لأنها زهيدة الثمن. ولما جئت إلى فرنسا وجدتها في أقدام كل الأطفال، صيفاً. إنها تقع في الوسط بين النعل الخفيفة وبين الصندل الصيفي المشبّك. وكنت أشتريها لأطفالي في الإجازة، ثم وجدت نماذج ومقاسات منها للرجال والنساء. ولا أدري لمَ لم أشعر بالرغبة في تجربتها. ربما لاعتقادي بأن البلاستيك لا يصلح للجوّ الحار، وهو يحتك بالجلد.
وها هم المشتغلون بالموضة يتجادلون اليوم حول هذا النوع من أحذية الرمل التي يسمّونها «الميدوزا». وسبب الجدل أن تلك النعال الخفيفة الرخيصة انتقلت من الشواطئ إلى مقاهي المدن، والأماكن العامة. بل هي لم تعُد رخيصة. وصار لها مصمّموها وعلاماتها التجارية، وموقعها في أقدام الأنيقات من الشابات. وأذكر أننا كنا نستعمل نعل البلاستيك ـ أبا الإصبع ـ «الزنوبة»، عند الاستحمام. ثم تعدّدت أشكالها وألوانها، وصارت موضة للخروج والتنزه، والمنافسة بين الصديقات.
تسأل المجلة اثنين من كبار محرّري صفحات الأزياء في فرنسا عن رأيهما في الحذاء البلاستيكي. ونقرأ ما يشبه المناظرة الفكرية العميقة. فالأول يستنكره، ويراه بدعة هابطة لا تليق بالمرأة العصرية، في حين يدافع عنه الثاني، ويقول إنه يتماشى مع ثقافة العصر، وارتداء ما هو بسيط وعملي. وأنا أسأل: ما هي ثقافة العصر؟ فكل ما حولنا تنطبق عليه صفة «سمك لبن تمرهندي».
أكتب لكم وأنا أرتدي حذاء صيفياً مفتوحاً يرافقني منذ عشر سنوات. نعم: عشر سنوات. لم يتقطع، ولم يفقد شكله الجميل. صندل مسطّح من جلد ناعم. يلمّ القدم ويوفر لها مداساً مثل الوسادة. يحنو على الظهر، ويخفف المطبّات عند المشي. كلما قرّرت الاستغناء عنه أجد نفسي أتراجع، لأن كل ما عندي لا يضاهيه في الراحة. أقول سأتركه لجولات المشي والتسوّق، ثم أهرع إليه كل صباح مهما كانت وجهتي. أعيده إلى علبته حال انتهاء الصيف، لكي أعود إليه في الصيف التالي... لو عشنا.
كنا في حديث الجدال العقيم بين الفرنسيين حول الأحذية البلاستيكية، ولا أدري كيف وصلنا إلى صندلي.
اقرأ أيضاً: إنعام كجه جي تكتب: يوم صنعت «زنوبة» الحدث