مجلة كل الأسرة
02 سبتمبر 2025

د. سعاد لطفي: أنا أمٌّ أجمع بين الحزم والدلال... والأب هو من يرسم الخطوط الحمراء

فريق كل الأسرة

على غلاف
على غلاف "كل الأسرة" لهذا الشهر د. سعاد لطفي

اللقاء معها إطلالة على عفوية لافتة، وحضور واعٍ، وواثق، وواضح. تزاوج الدكتورة سعاد لطفي، طبيبة التجميل الإماراتية، بين المرونة في أداء عملها ومتطلبات أسرتها، وبين المواجهة الصادقة مع نفسها بالحديث عن يومياتها مع العودة إلى المدارس، وعلاقتها بأبنائها كما هي من دون رتوش.

 بالتزامن مع بداية العام الدراسي، التقت زميلتنا سلام ناصر الدين بالدكتورة سعاد لطفي، التي فتحت قلبها للحديث عن تجربتها مع خمسة أبناء، بعضهم استكمل المرحلة الجامعية، وعن رؤيتها للتعليم اليوم مقارنة بالأمس، وعن مسؤولياتها، وكيفية التوازن بين انشغالاتها المهنية ودورها الأسري، ولا تغفل الحديث عن دور الأب في تلك المعادلة، ومسؤوليات المدارس، والتحذير من ضياع الأطفال بين مغريات التكنولوجيا والصحبة السيئة.

مجلة كل الأسرة

في البداية سألناها عن معنى العودة إلى المدارس بالنسبة لها كأمّ وطبيبة عاملة، فأجابت ضاحكة «العودة إلى المدرسة بالنسبة لي «راحة نفسية»، أشعر بالاطمئنان حين يعود أبنائي إلى أجواء الدراسة، ويستفيدون من التعليم، بعيداً عن الجدال حول الخروج مع الأصدقاء، أو الانغماس في الأجهزة الإلكترونية، أو التلفاز بلا فائدة. المدارس اليوم لم تعُد مثل «أيامنا»، فهي مملوءة بالأنشطة والمتعة، وليست ضاغطة كما كنا ندرس «من الجلدة للجلدة».

وحرصت د. سعاد لطفي على تعريفنا بأبنائها وشرحت أجواء الدراسة اليومية التي يعيشونها، قائلة «لدّي توأم شمسة وعهود (13 عاماً)، في الصف السابع، وسارة (15 عاماً) في الصف الحادي عشر، والآخران سيف ودانة، وهما توأم أيضاً، استكملا مرحلتهما الجامعية، حيث تعمل دانة كمديرة لعياداتي، في حين أنهى سيف الماجستير في الذكاء الاصطناعي، وتخرج مع مرتبة الشرف.

بصراحة، ابنتي سارة أكثر من شعرت بالوحدة، لأنها ليست توأماً مثل شمسة وعهود، أما التوأم فيشعران دائماً بالألفة. وأرى أن تغيّراً واضحاً طرأ على المرحلة الفاصلة بين تعليم ابني الكبيرين، وأبنائي في هذه المرحلة، وهناك فرق واضح. سيف ودانة تعرّضا لضغط كبير، لكنهما أحبّا المدرسة، ولم يقبلا الانتقال منها. بينما الأبناء الأصغر مسجلون في مدرسة حيث النظام مختلف. أؤمن بأن الطفل قادر على التكيف مع أيّ نظام منذ الصغر، حتى لو كان ضاغطاً».

نعرف تماماً أن مشاغل د. سعاد كثيرة ومتعددة، لذا كان لا بد لنا من التطرق في حوارنا معها إلى كيفية نجاحها في تنظم وقتها بين العمل والأسرة، وهل تعاملها مع التوأم كان أصعب، فقالت «بالعكس، كان ذهاب التوأم إلى المدرسة سهلاً، لكونهما يشعران بالألفة مع بعضهما بعضا. وبطبيعتي، أركز على جودة الوقت الذي أقضيه مع أبنائي، وهذا جوهر التوازن. فأنا من الأمّهات اللواتي لا يضغطن على أبنائهنّ، ولا أمارس الترهيب النفسي. أقول لهم: كل ما تريدونه يمكن تحقيقه بشرط أن تكون العلامات جيدة. وكلما تدنت العلامة تقلّصت المزايا. لا أفرض قيوداً في المراحل الأولى، لكن مع الإعدادي، أتابع أكثر، وأقايضهم «حبّياً».

مجلة كل الأسرة

ولأن أحد أكثر الاهتمامات فيما يخص صحة الأبناء هو تغذيتهم السليمة، سواء داخل المنزل أو في المدرسة، تبين د. سعاد لطفي أنها كانت في السابق تهتم كثيراً بما يحمله أبناؤك من طعام إلى المدرسة، بيد أن المدرسة اليوم توفر لهم الوجبات الصحية المطلوبة ، وأضافت «الزمن تغيّر. مدرستهم اليوم توفر مطعماً «خمس نجوم»، فيه سلطات، وفواكه، وأطباق صحية. لذا، نعطيهم المال ليختاروا. عندما كانوا أصغر، كنت شديدة الاهتمام بحقيبة الطعام وما تحتويه، ولكن الآن لم يعد الأمر كالسابق».

أما عن المتابعة المباشرة لدراسة أبنائها وواجباتهم المدرسية، أكدت على أن لها طريقتها الخاصة التي تجمع بين المتابعة وترك المسؤولية لهم ، علاوة على التواصل مع المدرسة لدعم أبنائها ، وشرحت ذلك بالقول «لا أخفيك سراً أنّ هذه المتابعة لا تكون بشكل كامل، بحيث أترك لهم مسؤولية إنجاز فروضهم المدرسية. وعندما أعود، أكتفي بطرح سؤال عشوائي واحد عليهم من كل مادة لاختبار مدى فهمهم، وإذا أجابوا بشكل صحيح أعتبر ذلك كافياً، وإلا أطلب منهم معاودة الدرس.

لا أحب التلقين، بل أوجّههم إلى التركيز داخل الصف، وأحياناً تساعدهم أختهم دانة، في بعض المواد. التواصل مع المدرسة لا يكون بشكل مستمر، فقد أحضر اجتماع أولياء الأمور مرة، أو مرتين فقط. لكن إذا لاحظت أن أحد أبنائي حصل على علامة متدنية في مادة ما، أتوجه إلى المدرسة لأتفهم سبب المشكلة. نناقش الموضوع مع المعلمة، ونحاول معالجة الأمر عبر تقديم واجبات إضافية، أو دعم إضافي للطفل».

أنا فكاهية مع أبنائي، وأبتعد عن جو الترهيب، لأني على يقين بأن الضغط يولّد الانفجار

وصفت د. سعاد أسلوب التربية الذي تعتمده مع أبنائها كأم بأنه «وسط» مبتعدة عن جو الترهيب، وتحدثت عن الدور الذي يجب أن يتولاه كل أب ومسؤولياته التي لا بد أن يضطلع بها من أجل أسرته «أنا أم «وسط» بين الحزم والصرامة، حتى أن البعض من حولي يتهمني بتدليل أبنائي. فأنا فكاهية مع أبنائي، وأبتعد عن جو الترهيب، لأني على يقين بأن الضغط يولّد الانفجار، وهناك أمثلة حية لأبناء معارف من حولي فقد أبناؤهم الحافز للتعليم جراء الضغط عليهم، ولم يحصدوا نتائج جيدة في المراحل المتقدمة.

نحن في البيت نتبع أسلوباً متوازناً؛ حيث إنّ البيئة المنفتحة في البيت تتيح لهم القيام بما يرغبون فيه، ومع إقامة حدود، والحمد لله، أن الأب هو الصارم في البيت، فهو يدلّلهم، ويشجعهم، ويسمح لهم بالقيام بما يريدون فيه. أما إذا كانت العلامات سيئة، فهذا «خط أحمر». الأبناء يشعرون بالخوف من ردّ فعل أبيهم، لأنه صارم وحازم، ويضع قواعد واضحة وثابتة. وفي حالة تحصيل علامات متدنية، قد تُسحب بعض الامتيازات، مثل استخدام الكمبيوتر، أو الهاتف الخليوي.

في الواقع، الأبناء يحتاجون إلى متابعة مشتركة من كلا الوالدين، لكن للأسف، في كثير من الحالات، يكون الأب غائباً، كأنه مجرّد نزيل في فندق، فيما الأم وحدها تتحمل مسؤوليات كثيرة. لذا، من الهام أن يكون هناك تعاون بين الأم والأب لضمان توجيه الأبناء بشكل صحيح، وتوفير بيئة متوازنة لهم.

ما يميّز عائلتي أننا عائلة ممتدّة، وكل فرد في العائلة سواء الجد، أو الجدة، أو العمة، أو الخالة، يربي، يوجه النصح، ويرشد إلى السلوكات الحميدة، ويصوّب أيّ سلوك سيئ، والوالدة كان لها الدور الأكبر في متابعة أبنائي، وساعدتني على تحقيق التوازن. هذا الترابط العائلي في المجتمع الإماراتي يطلّ على العادات والتقاليد، وتمسك الجيل الحالي بها».

مجلة كل الأسرة

وفي عودة إلى الماضي، استرجعت د. سعاد لطفي بعض التفاصيل عن طفولتها لا سيما كطالبة، وصفاتها ، وبداية مرحلة التفوق «طفولتي كانت عادية، ولم أكن متميزة في المرحلة الابتدائية. ولكن حين بلغت الصف الأول الإعدادي، شعرت بدافع قوي للتفوّق، وتحقيق الأفضل لنفسي. هذا الحافز جعلني أحقق النجاح، وفي نهاية الصف التاسع أصبحت الأولى على المدرسة. شعور النجاح هذا أعطاني دفعة كبيرة، وأثبت لي أنه عندما يكون هناك حماس وشغف، يمكن لأي شخص أن يبدع ويتفوق، حتى لو لم يكن متميزاً في المراحل الأولى من التعليم.

في المدرسة كنت شخصيتين.. شخصية الطالبة «الشقية» في الحافلة، وفي المدرسة، كنت من الأوائل، وكان سلوكي مثالياً، وتحصيلي العلمي مميّزاً، هادئة، وأسعى إلى التميّز. وعلى الرغم من أن أيامنا كانت مملوءة بالتحديات، واعتمدنا على أنفسنا اعتماداً كاملاً، ولكن الحمد لله، خرج من جيلنا مهندسون، وأطباء، ووزراء، وهذا فخر لنا جميعاً».

وفي إطار سؤالنا عن أيّ مدى تجد أنّ التكنولوجيا والتطبيقات المدرسية سهّلت الأمور على الأهل والأبناء، أجابت د. سعاد «التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وهي تزاوج بين الفائدة ومضيعة الوقت. سابقاً، كان الطفل يعود، يتناول طعامه، ويرتاح لساعة، ومن ثم يباشر بالدراسة. في حين اليوم، باتت الألعاب الإلكترونية تسليته الوحيدة. كأهل، نسحب منهم هذا السلاح عند حصولهم على علامات غير جيدة، وهناك قواعد نراعيها لجهة الوقت المخصص لاستخدام الأجهزة، نظراً لما يسببه الإفراط في الاستخدام من إدمان وزيادة في الوزن».

من الأمور المعروفة عن د. سعاد لطفي أنها ترافق أبناءها في كل الأماكن، وربما البعض يتساءل فيما إذا كان هذا تعويضاً عن غيابها، ولكنها أشارت إلى أن جودة ونوعية مع الأبناء هو الأهم «أنا أقضي وقتي بين الدوام، والمنزل، وعائلتي الممتدّة، وليس عندي وقت لتضييعه. وجودي مع أبنائي في كل مكان يمنحهم شعوراً بالأمان، وقد يكون هذا تعويضاً عن غيابي أيضاً. فأنا أركّز على جودة ونوعية الوقت الذي أقضيه معهم، سواء أثناء السفر، أو في الأنشطة اليومية، في الزيارات العائلية أو مرافقتي للمزرعة. تلقائياً، هم يتماهون مع سلوكاتي في التعامل مع الآخرين، لكون الأفعال أحياناً أقوى من الأقوال.

وفي الصيف، نسافر معاً ونقضي أوقاتاً ممتعة معاً. وخلال تواجدنا في المنزل، في المساء وعند الانتهاء من دراستهم، أذهب بهم إلى منزل أهلي لنتناول العشاء معاً. وأحرص على أن أكون مشاركة في تفاصيل حياتهم اليومية».

مجلة كل الأسرة

وتوجه د. سعاد لطفي رسالة مهمة إلى المدارس اليوم، قائلة «الأطفال مسؤولية وليسوا تجارة. من واجب المؤسسات التعليمية أن تغرس فيهم الأخلاق والعلم، لا أن تضيّع وقتهم في ما لا ينفع، وأن يكون هناك ضمير حي يوجّه العملية التعليمية إلى ما فيه خير أبنائنا. نحن نحمل لواء العلم، ونرغب في أفضل المستويات، خصوصاً في الشارقة، حيث نقتدي بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي شجّعنا على النهل من المعرفة، والثقافة، والفن. كأبناء الشارقة، يجب أن نمثل أفضل صورة في التعليم لأن صاحب السمو حاكم الشارقة، هو القدوة لي، وهو أكثر من أولى اهتماماً للمجال التعليمي، سواء على صعيد المدارس، أو الجامعات».

ولمناسبة الأجواء الاحتفالية بيوم المرأة الإماراتية، وصفت لنا د. سعاد مشاعرها ، ومكانة المرأة الإماراتية ودورها «أقول بكل فخر، إننا محظوظات في بلدنا، حيث تُتاح للمرأة كل الفرص والمجالات بلا حدود. فالمرأة الإماراتية موجودة في كل قطاع، وفي كثير من المجالات، تجاوزنا نسبة 70% من المشاركة، وأخذنا «حقنا وزيادة»، ما يعكس الدور الحيوي والمؤثر للمرأة في وطنها، وهي ملتزمة ومنتظمة أكثر من الرجل، في كثير من القطاعات. على سبيل المثال، في القطاع الطبي نجد أن أغلبية الوظائف، مثل الممرضات والاستقبال، كلها تشغلها النساء، وبجدارة وكفاءة عالية. بالطبع الرجال موجودون، و«النّعم فيهم»، لكن يمكن القول إن الفرق بين الرجال والنساء في الإمارات أصبح طفيفاً، حيث تشارك المرأة بشكل فعّال ومؤثر في جميع القطاعات».

مجلة كل الأسرة

كما شدّدت على استشرافها مستقبلاً مشرقاً لبناتها وبنات الجيل الحالي في ظل الدعم الذي تحصل عليه، «إذا كانت المرأة ذكية، فهي تستطيع استغلال كل الدعم المقدم لها. وهناك فرص حقيقية للتمكين، مثل تولي وزيرة لمنصبها في عمر 25 عاماً، وهذا أمر نادر جداً على مستوى العالم. الفتيات يتعلمن بسرعة، ويبرعن في التعلم، والشباب متميزون حين تتاح لهم الفرصة. لكن هناك تحدٍّ، يجب على الشباب والبنات الابتعاد عن أصحاب السوء، لأنهم قد يضلّون الناس، ويصرفونهم عن الطريق الصحيح، ومن الهام أن يكون الأهل على دراية بسلوك أبنائهم اليومي.

كما أنّ الكثير من الأمّهات لا يعرفن حتى الصف الذي يدرس فيه أبناؤهن، أو من هم أصدقاؤهم، وهذا يشكل تحدّياً كبيراً في متابعة الأبناء، وحمايتهم من التأثيرات السلبية. ثمة أمهات اسميهنّ «لانش ليدي»، تستيقظ تلك الأم من النوم الساعة الواحدة ظهراً، وتتواعد مع صديقتها على موعد للخروج، وتناول الغداء، وبعدها جدول للعصر. لا جدوى من جلوسها في البيت، حيث تترك الأمور للخادمة، والمدرّسة التي تعلّم الأبناء. ولذلك، نرصد أبناء يتجهون إلى المخدرات، أو انحرافات سيئة من دون أن يدرك الأهل ما يعيشه هؤلاء، وحتى أنني كطبيبة جلدية، عايشت حالات لأطفال تعرضوا لاعتداءات جنسية، وانتقلت لهم بعض الأمراض. ولذلك، أنا من النوع الشكّاك الذي أفتش أغراض أبنائي وأدراجهم. فأنا أثق بأبنائي، ولكن قد لا أثق ببعض معارفهم».

* تصوير: السيد رمضان