
تنطلق هذا اليوم، السابع والعشرين من أغسطس، الدورة الثانية والثمانين من مهرجان فينيسيا السينمائي 2025، مميّزاً بأربعة عناصر اهتمام لافتة.

هناك أربعة مميّزات أساسية وراء توقّع أن تكون الدورة الحالية أهمّ دورات هذا المهرجان، في الأعوام القليلة الماضية، وتلك لم تكن دورات ضعيفة، أو خفيفة الشأن، على الإطلاق. يقف مهرجان فينيسيا على سدّة واحدة مع مهرجان «كان»، إنما بإماراته وشروطه الخاصّة، وهذا هو واحد من الأسباب اللافتة للاهتمام والتقدير.

1- اهتمام عربي واسع
القول إن الأفلام العربية في مهرجانات السينما المهمّة (من تورنتو إلى لوكارنو، ومن فينيسيا إلى برلين وكان)، لم يعد جديداً. هذا واقع تفرضه معادلات ووقائع بعضها إنتاجي (اعتماد السينمائيين العرب على التمويل الأجنبي، واعتماد ذلك على أعمال المخرجين والمخرجات العرب) وبعضها سياسي (الحرب الدائرة في فلسطين التي يتابعها العالم مع ارتفاع نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين). لا يعني ذلك أن الأفلام العربية عليها أن تتحدث عن فلسطين لكي تصل إلى شاشات المهرجانات الكبيرة، بل يكفي، وللمرة الأولى في التاريخ، أن تطرح هموماً وأشكالاً فنية مختلفة ترتبط بواقع مجتمعي، أو سياسي، قريباً أو بعيداً عن أحداث واقعة.
الأفلام العربية المشاركة في دورة هذا العام من فينيسيا تحتوي على «هجرة» للمخرجة السعودية شهد أمين، حول أم تبحث عن حفيدتها.
وتحتوي على «صوت هند رجب» (في المسابقة الرسمية) للتونسية كوثر بن هنية، وهو فلسطيني القضية، ويدور حول اغتيال الفتاة ذات الاثنتي عشرة سنة، وخمسة أفراد من عائلتها، في سيارة الإسعاف التي كانت تقلّها.
فيلم ثالث هو المغربي «شارع مالقا» لمريم التوزاني، ويحكي بدوره عن امرأة عجوز أيضاً، مهدّدة بفقدان المنزل الذي تعيش فيه.
في «والدي والقذافي» لليبية جيهان ك (كما يرد اسمها)، تتناول الحقبة القذافية من خلال دور والدها الذي كان وزيراً للخارجية، ثم اختفى بعدما عُرف عنه معارضته للقذافي.
إلى ذلك كله، تقدم مؤسستا «هيئة الأفلام السعودية» و«معهد الفيلم القطري»، عدداً من المساهمات والنشاطات خلال أيام المهرجان، كما فعلتا خلال دورة مهرجان «كان» الأخيرة.

2- ما بين فينيسيا و«كان»
لا يخفى مطلقاً أن المهرجانين الرائدين عالمياً، «كان» و«فينيسيا»، يتنافسان على المركز الأول بين كل المهرجانات الكبيرة الأخرى. السبب هو أن كل منهما يتمتع بما هو مطلوب للوقوف نداً للآخر، وعلى سدة نجاح واحدة. إنهما مثل فرسي سباق وصلا إلى خط النهاية معاً. الاختلاف أن المهرجان الفرنسي ضخم بذاته، أقرب إلى وحش أسطوري بخمسة رؤوس وعشرات الأطراف، تجد فيه كل ما ترغب من أفلام، ومن إعلاميين، وسينمائيين، وجماهير. المدينة ذاتها تبدو كما لو كانت تأسست لتكون موقع هذا المهرجان. وهذه كلها خصال بُذل فيها تعب، وتؤدي أغراضها بإتقان يشبه إتقان الساعة السويسرية.

فينيسيا فيه كل ذلك، لكن مع إلغاء عنصر الضخامة الذي يلعب الدور الأكبر في «كان». فينيسيا يعوّض ذلك بالتركيز على الأفلام المختارة في صالات سهل الوصول إليها، والتعامل مع الوافدين على أنه ليس المهرجان الذي سيحاول الاقتناص من منافسيه إعلامياً، بل سينمائياً. لقد وضع نفسه في مركز المهرجان الأول على صعيد اختيار ما هو فني، وأسلوبي، وجاد.

3- أفلام القضايا
إلى جانب ما سبق ذكره عن «صوت هند رجب»، و«والدي والقذافي»، هناك أفلام أجنبية تتعاطى السياسة على نحو أو آخر، من بينها، على سبيل المثال، «ساحر الكرملِن» للفرنسي أوليفييه أساياس، ولو أن الفيلم يبتعد عن الحرب الأوكرانية ليتحدث عن فترة صعود الرئيس فلاديمير بوتين، سياسياً لمنصبه الحالي. يقوم الممثل البريطاني جود لو بدور الرئيس الروسي.

كذلك يُشاع أن الممثلة الإسرائيلية غال غادوت، قد تعتذر عن الحضور لأسباب انشغالها بتصوير فيلم جديد. هذا لم يكن عذر ممثلين آخرين تمّت دعوتهم في السابق لحضور مهرجان ما، فلبّوا الدعوة على الرغم من انشغالهم بتصوير أفلام لهم. ما يتم ترداده هنا أن الممثلة تخشى المواجهة مع التيار المناهض لإسرائيل كما حدث، أخيراً، في لندن، عندما تظاهر مؤيدون لفلسطين أمام الصالة التي كانت تعرض أحد أفلامها الأخيرة (The Runner). الفيلم الجديد الذي تقوم ببطولته هو Hand of Dante لجانب آل باتشينو، وجيرار بتلر.

4- مخرجون روائيون يتحوّلون إلى الفيلم التسجيلي
المُلاحظ هذه السنة أن بعض المخرجين المعروفين أمّوا بدورهم هذا منوال الأفلام التسجيلية والوثائقية، إضافة إلى كوثر بن هنية عبر فيلمها «صوت هند رجب»، سنشاهد فيلماً للألماني فرنر هرتزوغ عنوانه Ghost Elephants، قام بتصويره في الكونغو. الأمريكية لورا بويتراس التي نالت شهرتها عبر فيلمها التسجيلي Citizenfour سنة 2014 حول المناهض إداورد سنودون، تعود بفيلم Cover-Up. بدورها تعرض صوفيا كوبولا الجديد وعنوانه .Marc By Sofia
وعلى ذكر كوبولا، سيحضر والدها فرنسيس فورد كوبولا المهرجان بمناسبة الاحتفاء بالمخرج فرنر هرتزوغ، وتاريخه الطويل في السينما التسجيلية والروائية، معاً.
كل ذلك وسواه، يتوزّع على برامج عدّة، هي المسابقة الرئيسية (21 فيلماً)، خارج المسابقة (28 فيلماً)، قسم «آفاق» (22 فيلماً)، قسم «فيلم وموسيقا» (4 أفلام)، و«سبوتلايت» (9)، و«أسبوع النقاد» (10)، وقسم «صحيفة المؤلف» (12 فيلم).