استطاعت فتاة فصيحة اللسان أن تقنع رجلاً بقدرتها على ما وصفته بـ«مُضاعفة أمواله»، من خلال استثماره للمبالغ معها، فما كان من الرجل إلا أن وافق على تلبية ما «تُمليه عليه»… وهنا وقعت الكارثة، فالفتاة لم تكن مُختصة في الاستثمار، بل «فتاة عصابة احتيال إلكتروني»، تمكنت بأسلوبها المُخادع واللبق من سرقته.
بدأت تفاصيل القصة التي اطّلعت «كل الأسرة» عليها من حكم قضائي، عند تلقي الرجل عبر برنامج التواصل الاجتماعي، «واتساب»، رسالة نصية من رقم مجهول، تتحدث عن توفر فرصة للاستثمار، وتضخيم الأموال نتيجة الأرباح.
يقول الرجل عمّا حدث: «تحدثت مع صاحب الرسالة، وإذا بها فتاة ادّعت أن اسمها «ن»، وعرضت عليّ الاستثمار في عمل جزئي يدرّ عليّ أرباحاً مالية، ويُسهم في تضخيم مالي».
استطاعت الفتاة، بعد عدة محادثات ومكالمات، إقناع الرجل بجدوى استثماره معها، مُستفيدة من قدراتها على التأثير فيه، ومُقدمة له أمثلة على نجاح استثمارات أناس معها، ابتكرتهم من خيالها.
وبعد صولات وجولات من الحديث المتبادل، استطاعت الفتاة أن تجعل الرجل يتقدم خطوة نحو الفخ الذي نصبته له، فوافق على أن يبدأ باستثمار مالي معها بمبلغ أولي...، يقول الرجل: «وافقت على الاستثمار وحوّلت لها مبلغاً قدره 28 ألفاً و800 درهم».
خداع.. للمرة الثانية
نجحت خطة الفتاة في اصطياد الرجل، وحوّل المبلغ المالي إلى رقم حساب زوّدته به، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل طمعت في الحصول على مبالغ أخرى، مُستغلة قدرتها على التأثير فيه، وخداعه.
تحدثت الفتاة مع الرجل مرة ثانية مُتسائلة: «لماذا لا تزيد من استثمارك؟ وبالتالي تزيد من فرصك في الحصول على مبالغ أخرى؟»، وبالفعل استطاعت في هذه المرة أيضاً إقناع الرجل، ليسقط في فخها مجدداً.
يقول الضحية: «حوَّلت لها في المرة الثانية مبلغ 11 ألف درهم، إلى رقم حساب آخر غير الأول».
لم يشك الرجل في مصداقية الفتاة، على الرغم من تغيّر رقم الحساب الذي حول المبلغ إليه، بل واصلت التواصل معه بمزيد من الجدية والحرفية، بعد أن شعرت بأنه «كنز ثمين»، وضخَّمت قدراتها على مساعدته في الاستثمار، ووعدته بأن أرباحه سترتفع أكثر فأكثر، فحوَّل لها مبلغين في المرتين الثالثة والرابعة، وأيضاً إلى حسابين مختلفين، من دون أن يشك في أسباب اختلاف الحسابات التي يحوّل إليها المبالغ.
يضيف الرجل: «مجموع المبالغ التي حوّلتها لها وصل إلى 40 ألفاً و800 درهم، ثم انقطع الاتصال مع الفتاة، وأدركت قيامها بالاحتيال علي».
الحسابات لرجال… وليست للفتاة
قدّم الرجل بلاغاً إلى الجهات الشرطية عن الفتاة المجهولة التي خدعته، فباشرت الشرطة متابعة القضية مع البنوك والحسابات التي استلمت هذه المبالغ، لكن تبيّن أن هذه الحسابات لا تعود لأيّ فتاة، وإنما جميعها لرجال.
تمكنت الشرطة من التعرف إلى أصحاب الحسابات، وإلقاء القبض عليهم، فادّعوا عدم علاقتهم بما حدث مع الضحية من جريمة احتيال، وأنهم قد اتفقوا مع أشخاص على إعادة تحويل المبالغ التي تصل إلى حساباتهم إلى حسابات أخرى، مقابل حصولهم على نسبة من المبلغ المودع.
يقول أحدهم: «لديّ ثلاثة حسابات بنكية أستخدمها في استلام الحوالات والتجارة الإلكترونية، ولا أعلم من احتال على الضحية، لكنني كُنت قد اتفقت على العمل، جزئياً، مع أشخاص من خلال قيامهم بتحويل مبالغ مالية إلى حسابي، وأقوم بدوري بإعادة تحويلها إلى حسابات أخرى مقابل حصولي على نسبة 2% من قيمة المبلغ المحوَّل».
جزء من عصابة
لم يتم التعرف إلى الفتاة التي تواصلت مع الضحية، لكنها جزء من عصابة احتيال إلكتروني محترفة تعمل على إجراء اتصالات بالناس من أجل استغلالهم، وسرقتهم تحت شعار الاستثمار، فيما تورط الرجال الأربعة، أصحاب الحسابات التي تستغلها العصابة، أنفسهم في قضية جنائية.
لائحة اتهام
رفعت النيابة العامة بحق الرجال الأربعة لائحة اتهام إلى الهيئة القضائية في المحكمة الابتدائية، بتهمة «الحصول مع آخرين مجهولين على مبالغ مالية نقدية في ظروف تُحمل على الاعتقاد بعدم مشروعية مصدرها».
وطالبت بمعاقبتهم عملاً بالمرسوم بقانون العقوبات والجرائم، وفقاً للمادة 456، البند ثانياً، التي تنص على: «إذا كان الجاني لا يعلم أن الأشياء متحصلة من جريمة، لكنه حصل عليها في ظروف تُحمل على الاعتقاد بعدم مشروعية مصدرها، فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر، والغرامة التي لا تزيد على 20 ألف درهم، أو إحدى هاتين العقوبتين».
غرامة أو حبس حال عدم السداد
دانت المحكمة الابتدائية أصحاب الحسابات الأربعة، وقضت بتغريم كل واحد منهم مبلغ 10 آلاف درهم، أو حبسهم عن كل 100 درهم من قيمة الغرامة لمدة يوم واحد، في حال عدم السداد، كونهم حازوا مبالغ غير مشروعة المصدر.