
في أجواء ثقافية تنبض بالحوار والإبداع، احتضنت مكتبة محمد بن راشد أمسية مميّزة ضمن برنامج «السينما والمسرح»، جمعت بين سحر الأدب، وسينما الصورة الحيّة، واستقطبت جمهوراً متنوّعاً من مختلف الأعمار والخلفيات، لحضور العرض الخاص للفيلم الإماراتي «فتى الجبل»، المقتبس عن رواية «الفتى الذي عرف الجبال»، للكاتبة ميشيل زيولكوفسكي، والذي تولت إخراجه الإماراتية زينب شاهين، فيما قام ببطولته الطفل ناصر المصعبي، في تجربته الأولى أمام الكاميرا.

الأمسية لم تقتصر على مشاهدة الفيلم، بل تحوّلت إلى مساحة ثرية للنقاش حول رحلة تحويل النص الأدبي إلى مشاهد بصرية، والتحدّيات التي واجهت صناع العمل، خصوصاً إعادة رسم ملامح الحياة في الإمارات، خلال خمسينيات القرن الماضي، بواقعية وأصالة. وفي ختام اللقاء، عبّر الحضور عن إعجابهم وامتنانهم للدور الريادي الذي تؤديه مكتبة محمد بن راشد في إثراء الحراك الثقافي والفني، مؤكدين أنّ مثل هذه المبادرات تفتح نوافذ جديدة للتفاعل مع الإبداع، وتُرسّخ مكانة المكتبة كمنارة للمعرفة، وملتقى لعشّاق الأدب والفن السابع.

تحويل النص الأدبي إلى صورة حيّة
سبقت العرض الخاص للفيلم جلسة حوارية، أبحر صناع الفيلم خلالها في عمق التجربة الإبداعية التي تخوضها الفرق الفنية عند نقل النص الأدبي من صفحاته المكتوبة إلى صورة بصرية نابضة بالحياة على الشاشة. وقد توقّف المتحدثون عند أبرز التحدّيات التي واجهت صنّاع الفيلم، وفي مقدمتها إعادة بناء ملامح الحياة في دولة الإمارات، خلال خمسينيات القرن الماضي، وهي مرحلة تاريخية تحمل خصوصيتها الثقافية والاجتماعية، وتحتاج إلى دقّة بالغة في تفاصيلها، كي تصل إلى المشاهد بروحها الأصيلة.
وأوضح المشاركون أنّ أكبر الصعوبات تمثّلت في العثور على مواقع تصوير تتجرّد من مظاهر الحداثة العمرانية التي أصبحت جزءاً من المشهد اليومي في الإمارات، من أبراج شاهقة، وطرقات واسعة معبّدة، وشبكات كهرباء، ومظاهر أخرى لا تمت بصِلة إلى الزمن الذي تدور فيه أحداث القصة. ورغم هذه التحديات، أبدى فريق العمل إصراراً لافتاً على تقديم صورة حقيقية صادقة لتلك الحقبة، فكرّس جهوداً مضاعفة للبحث في البيئات الطبيعية البكر، واستثمار الأماكن التي ما زالت تحتفظ بملامح الماضي، وبساطة الحياة التقليدية.
وقد أجمعت الآراء على أنّ هذا الحرص على الأصالة يعكس احتراماً للنص الأدبي، من جهة، ووعياً بأهمية الصورة السينمائية كوسيلة لتوثيق التاريخ وحفظ تفاصيله، من جهة أخرى، لتغدو عملية التحويل من الكلمة إلى المشهد أكثر من مجرد اقتباس فني، بل رحلة في الذاكرة الجماعية تستحضر ملامح المجتمع الإماراتي قبل الطفرة العمرانية الكبرى، وتعيد تقديمها للأجيال الجديدة بصدق وإبداع.

وفي حديث مع المخرجة الإماراتية زينب شاهين، أشارت إلى أن أحد أهم أهدافها من إخراج فيلم «فتى الجبل» كان تقديم صورة واقعية عن الإمارات، لا كما تُرى عادة في الأبراج الشاهقة، والمعالم السياحية الحديثة، بل كما هي في طبيعتها الأصيلة، وعاداتها وتقاليدها المتجذّرة. وأوضحت أنّها حرصت على أن يكتشف المشاهد الأجنبي الإمارات بوجهها الإنساني والاجتماعي البسيط، حيث تلتقي الجبال ببيوت الطين، وتظهر ملامح الحياة كما عاشها الآباء والأجداد.
وبيّنت زينب أنّ أكبر التحدّيات تمثّل في العثور على أماكن تخلو من مظاهر الحياة العصرية، كأعمدة الكهرباء والسيارات، ما استدعى جهداً مضاعفاً في البحث والتقصّي. غير أنّ انتماءها إلى إمارة الفجيرة ساعدها كثيراً على الوصول إلى مواقع طبيعية تحاكي روح القصة، وتعكس خصوصية المرحلة الزمنية التي تدور فيها الأحداث.
وأضافت أن التصوير استغرق 35 يوماً، تخللتها تجربة إنسانية وفنية غنية، إذ نشأت علاقة مميزة بينها وبين بطل الفيلم ناصر المصعبي، الذي جسّد شخصية «سهيل» بصدق لافت، وأداء مؤثر.

بدوره، كشف بطل الفيلم الممثل الشاب ناصر المصعبي، أنّ دخوله إلى عالم التمثيل جاء بمثابة مغامرة جديدة كلياً بالنسبة إليه، لكنه أحب خوضها بكل حماسة، خصوصاً أنّها التجربة الأولى له أمام الكاميرا. وأوضح أنّ الفيلم الذي يقترب من عرضه للجمهور سيتيح لهم التعرف إلى شخصية (سهيل)، الطفل الإماراتي المتعايش مع مرض التوحّد، الذي ينطلق في رحلة مملوءة بالتشويق والمغامرات، برفقة صديقه الكلب السلوقي (براكة)، في محاولة للعثور على عائلة والدته في أبوظبي، ساعياً وراء الدفء والاندماج العائلي.

وأشار ناصر إلى أنّه على الرغم من حداثة تجربته، استطاع أن يؤدي الدور بتلقائية وبساطة، مؤكداً أنّه يملك القدرة على تقمّص أيّ شخصية تُطلب منه. لكنه لم يُخفِ أنّ بعض المشاهد تطلبت منه جهداً مضاعفاً، خصوصاً تلك التي صُوّرت في عرض البحر، حيث واجه الأمواج العاتية، والرياح الشديدة داخل القارب الضيق، ما شكّل تحدّياً حقيقياً بالنسبة إليه، وأضاف مبتسماً: «رغم معاناتي من حساسية في حاسة الشم، تجاوزت هذه الصعوبات بفضل دعمي من فريق العمل، ووجود صديقي الكلب (براكة)، الذي كان يخفف من توتري في المشهد».
وبروح يملأها الطموح، عبّر ناصر عن رغبته في الاستمرار في مجال التمثيل، والمشاركة في أعمال سينمائية تحمل رسائل اجتماعية وإنسانية مؤثرة، مؤكداً أنه يتطلع إلى تجسيد شخصيات جديدة، ومختلفة عن شخصية (سهيل)، وقال: «أتمنى أن أحظى يوماً بفرصة المشاركة في أفلام عالمية، وأن أحقق حلمي بأن أصبح ممثلاً مشهوراً».
وفي ختام حديثه، لم ينسَ أن يوجه رسالة محبة وامتنان إلى والديه اللذين رافقاه طوال فترة التصوير، قائلاً: شكراً لأبي وأمّي على دعمهما الدائم، فقد كانا إلى جانبي في كل يوم من أيام التصوير، وقضينا معاً أوقاتاً لا تُنسى.