ابتهال الناجي: الشغف وحده في ريادة الأعمال لا يكفي والمشاريع تحتاج لوعي

منذ بداياتها لم تكن تنتظر الفرص بل تصنعها، انطلقت في مشوار تحقيق الذات بالانضمام إلى «مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب»، لتكتسب خبرات أسهمت لاحقاً، في إطلاق مبادرات ريادية تركت أثراً في المشهد الاقتصادي الإماراتي.

في هذا الحوار، نلتقي رائدة الأعمال الإماراتية ابتهال أحمد الناجي، مستشارة ومدربة في ريادة الأعمال وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لتكشف عن ملامح رحلتها الشخصية والمهنية، وتتحدث عن التحدّيات التي واجهتها، والداعمين الذين شكّلوا مسيرتها، وتشاركنا رؤيتها حول بيئة ريادة الأعمال في المنطقة، وما ينقص الشباب اليوم ليصنعوا مستقبلاً يستحقونه.
كيف بدأتِ رحلتك في عالم ريادة الأعمال، ومن كان الداعم الأول لك خلال هذه المرحلة؟
بدأت رحلتي في عالم ريادة الأعمال عام 2003، عندما تم تدشين «مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب»، آنذاك، كأول جهة وطنية تُعنى بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكنت من أوائل الموظفين المؤسسين لهذه المبادرة، وكانت لي فرصة نادرة لأكون جزءاً من انطلاقتها في دعم رواد الأعمال الإماراتيين. أما عن الداعم الأول، فصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هو من أثّر في صقل ملامح شخصيتي القيادية، لأنطلق في هذا المجال، وأكون أول إماراتية داعمة لريادة الأعمال، وللمشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة في، دبي.

ما أبرز التحدّيات التي واجهتك كرائدة أعمال؟
أكبر تحدٍّ كان التحوّل من بيئة العمل الحكومي إلى القطاع الخاص، فبعد 20 عاماً في مناصب حكومية وإدارة مبادرات، وجدت نفسي مسؤولة عن كل التفاصيل من دون هيكل وظيفي، أو ميزانية جاهزة، أو ساعات عمل محدّدة، واكتشفت أنني الوحيدة التي تقيّم أدائي وتحاسبني. هذا التحدي علّمني أهمية الانضباط الذاتي، وضرورة وضع روتين خاص بي، كصاحبة مشروع، وعلى الرغم من صعوبة البدايات، إلا أنني ممتنة لكل خطوة اتخذتها، لأنها ساعدتني على تأسيس علامتي التجارية الخاصة، والتي أفتخر اليوم بكونها منصة لدعم رواد الأعمال.
في رأيك، ما العراقيل التي تواجه الشباب اليوم عند دخولهم مجال ريادة الأعمال؟
الكثير من الشباب يفتقرون إلى عقلية ريادة الأعمال، إذ يعتقد البعض أن الحصول على رأس المال، وتأسيس المشروع كافٍ لتحقيق الأرباح، من دون تطوير الذات، أو اكتساب المهارات الضرورية لإدارة المشروع، كما أن النقص في خدمات الإرشاد والتوجيه يُعد مشكلة كبيرة، لكونها أدوات ضرورية لمن يدخلون هذا المجال من دون خبرة كافية، ومن الهام تعزيز هذه الخدمات، وتسهيل الوصول إليها من خلال المؤسسات الداعمة.

هل ترين أن بيئة الأعمال اليوم داعمة كفاية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة؟
تُعد الإمارات من أكثر الدول تقدماً في مجال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من حيث القوانين، والتشريعات، والبنية التحتية، لكن التحدّي الأكبر، من وجهة نظري، هو منظومة التعليم، التي ما زالت تخرّج شباباً يبحثون عن الوظيفة الحكومية، والراتب الشهري، بدلاً من التفكير في خلق فرص جديدة، وتقديم أفكار مبتكرة تلبّي احتياجات السوق.
الفشل مرحلة ضرورية وهو من يصنع رواد الأعمال الحقيقيين
ما أهم المهارات التي يجب أن تتحلى بها رائدة الأعمال اليوم؟
المرونة في اتخاذ القرارات، والجرأة على تحويل الأفكار إلى واقع، إلى جانب روح المخاطرة والإصرار، حتى عند مواجهة الفشل في البدايات، لكونه مرحلة حتمية لا بد من المرور بها، تمنحنا الخبرة والقدرة على تجاوز العقبات المستقبلية.
هل تنصحين الشباب باتّباع شغفهم أم بدراسة السوق أولاً عند اختيار فكرة المشروع؟
الشغف في ريادة الأعمال لا يكفي، والمشاريع تحتاج إلى وعي، والنجاح الحقيقي يأتي حين يجتمع الشغف بالمعرفة، والهدف بالحقائق، فالجمع بين الاثنين هو الطريق المتوازن لاختيار فكرة مشروع قابلة للنمو.
ما النصيحة الذهبية التي تقدمينها لكل من يفكر في إطلاق مشروعه الخاص؟
انظر إلى أجندة بلادك، والقطاعات التي تستثمر فيها وادرسها جيداً، وكن جزءاً من منظومة التطور، سواء كنت موظفاً، أو صاحب مشروع.

كيف تسهم البرامج التدريبية في تمكين رواد الأعمال، وما الذي ينقصها اليوم؟
التدريب المهني المتخصص أداة قوية لتأهيل الشباب، لكنه يفتقد واقعيته في أحيان، فالكثير من البرامج تُقدَّم بشكل أكاديمي بحت، من قِبل مدربين لم يعيشوا تحدّيات السوق الفعلية. فالتدريب الفعّال يجب أن يكون على يد رواد أعمال حقيقيين، يحملون قصص نجاح ملموسة، ويحرصون على نقل تجربتهم إلى الجيل الجديد بشفافية.
هل تعتقدين أن المرأة العربية تأخذ فرصتها الحقيقية في قطاع الأعمال؟
المرأة العربية اليوم في قمّة مجدها، بحضورها القوي في المؤسسات الحكومية، والمناصب الإدارية، لكنها ما زالت متحفظة في اقتحام قطاع الأعمال، ليس بسبب نقص الدعم، بل لغياب الرغبة في المجازفة، واعتيادها على أمان الوظيفة، أكثر من مواجهة المجهول في ريادة الأعمال.
هل تختلف تحدّيات رائدات الأعمال عن تلك التي يواجهها الرجال؟
التحدّيات في جوهرها مشتركة، وأبرزها هو البقاء في «منطقة الراحة»، والخوف من الخسارة أو المغامرة، فقلّة التمويل، وضعف المهارات القيادية، والخبرة المحدودة، كلها عقبات تواجه الجنسين، وتمنعهم من إطلاق مشاريع ناجحة، ما لم تُعالج بوعي وتخطيط جاد.
ما أكثر لحظة شعرت فيها بأنك تُحدثين فرقاً حقيقياً في حياة الآخرين؟
أشعر بذلك باستمرار، ولكن أكثر اللحظات التي تبعث في داخلي الفخر، هي عندما أرى أصحاب المشاريع الذين دعمتهم يحصلون على جوائز، محلية وعالمية، ويذكرون كيف أسهم دعمي وتوجيهي في تغيير مسار حياتهم.
التحوّل الرقمي لم يعد خياراً بل ضرورة لاستدامة المشاريع
في ظل التحوّل الرقمي، هل تعتبرينه فرصة أم تحدياً؟
فرصة كبيرة لمن يمتلك المهارات، والمعرفة، وخطة واضحة للتطوير، لكنه تحدٍّ صعب لمن يتمسك بالأساليب التقليدية، أو لا يملك رؤية مستقبلية لمشروعه، فالتحوّل الرقمي لم يعد خياراً، بل ضرورة ملحّة لاستدامة أي مشروع.
ما الأدوات الرقمية التي يجب أن يتقنها رائد الأعمال اليوم؟
الإلمام بأساليب التسويق الرقمي، إدارة التدفقات المالية، والتواصل الفعال مع العملاء، فمن لا يمتلك هذه المهارات عليه أن يُدرك أهمية توظيف فريق متخصص، فنجاح المشروع يعتمد على القدرة على مواكبة السوق، وليس الاكتفاء بالمجهود الفردي.

كيف يمكن للمشاريع التقليدية أن تنتقل إلى العالم الرقمي من دون فقدان هويتها؟
يشهد العالم تحوّلاً رقمياً متسارعاً، إلا أن المشاريع التقليدية ليست مضطرة للتخلي عن هويتها الأصيلة في سبيل مواكبة هذا التحول، فهناك العديد من التجارب الناجحة التي استطاعت بناء متاجر إلكترونية تعكس الطابع التراثي والثقافي لتلك المشاريع، من دون أن تفقد روحها. ويكمن سرّ الانتقال السلس في اتّباع خطوات مدروسة، تبدأ بتوظيف التكنولوجيا لإطلاق هوية رقمية مستوحاة من الجذور الأصلية للمشروع، مع الحفاظ على أسلوب التواصل والقيم التي اعتاد عليها العملاء، بخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما يبقى الثبات على جودة المنتج، أو الخدمة، عاملاً حاسماً في ترسيخ ثقة الجمهور، سواء في العالم الواقعي، أو الرقمي.
كيف تتعاملين مع مقاومة بعض رواد الأعمال للتغيير الرقمي؟ وهل واجهتِ حالات رفض للفكرة من الأساس؟
نعم واجهت حالات رفض تام للفكرة، فمقاومة التغيير الرقمي أمر طبيعي، بخاصة من رواد الأعمال المعتادين على الطرق التقليدية، وغالباً ما يكون السبب هو الخوف من الفشل، أو الجهل بالتقنيات. ولمواجهة ذلك، أحرص على تبسيط المفاهيم، وعرض تجارب ناجحة، واقتراح خطوات تدريجية، تبدأ بمشاريع صغيرة لتقليل المخاطر، وبعد رؤية النتائج الملموسة لبعض التجارب، تغيّرت وجهة نظر الكثيرين، وأصبحوا أكثر تقبّلاً للتحول الرقمي.
بعيداً عن عالم المشاريع، من هي ابتهال الناجي الإنسانة، وما تحب فعله خارج ساعات العمل؟
إنسانة بسيطة، زوجة، وأم لخمسة أبناء، تحب قضاء أغلب وقتها بصحبة أبنائها وعائلتها، فأنا اجتماعية بطبيعة الحال، وأكثر ما يسعدني لمّة الأهل والصديقات. من جهة أخرى، أشغل وقتي في كل ما يطور من فكري ومهاراتي، فأمارس الرياضة، والتأمل، وأحب قراءة الشعر، وسماع القصائد سواء باللغة العربية، الفصحى أو باللهجة المحلية.

كيف تحافظين على التوازن بين حياتك المهنية والشخصية؟
أكبر تحدٍّ يواجه أيّ امرأة طموحة وذات منصب قيادي، هو الوصول لمرحلة التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. وكحال كل النساء، كان أكبر تحدٍّ لي هو الوصول إلى هذه المرحلة، ولكن بتوفيق من الله عز وجل، ثم بدعم والدتي وزوجي، استطعت أن أوفق لأكون أماً مثالية وموظفة متميزة، فقد كانا يناوبان عني لقضاء الوقت مع أبنائي في حال تطلب العمل تواجدي خارج المنزل لساعات طويلة، كما كان زوجي يرافقني في كل رحلات العمل خارج الدولة، فهو مستشاري الأول إذا احتجت لأي مشورة، أو وجهة نظر في التخطيط للمشاريع الجديدة، أو حتى في كيفية التعامل مع ضغوطات العمل.
ما الذي يلهمك ويحرّك فيك الشغف للاستمرار رغم كل التحدّيات؟
استلهم طموحي وثقتي وشغفي من رؤية شيوخنا وحكامنا، حفظهم الله، فعندما أرى كيف يسابقون الزمن لجعل الإمارات رائدة في كل المجالات، لتصبح دولتنا بوصلة العالم لاستشراف المستقبل، وتجربتنا الريادية منهاج يدرس لباقي الشعوب، يزداد حماسي، فأقلّ ما يمكن فعله أن أكون جزءاً من هذا التطور وأن أضع بصمتي، سواء كنت في القطاع الحكومي، أو الخاص.
ما الحلم الذي لم يتحقق بعد، وتطمحين إلى تحقيقه مستقبلاً؟
فخورة بكل إنجازاتي، ولكن مازال لدي الكثير الذي أسعى لتحقيقه، وبما أنني بدأت مرحلة جديدة بعد التقاعد، وأسست مشروعي الأول، وهو شركة «فيوتشر هب للاستشارات الإدارية»، والتي أقدم من خلالها خدمات في مجال امتلك فيه خبرة طويلة، فطموحي أن تكبر هذه الشركة، وأن تصبح علامة تجارية عالمية في مجال الاستشارات والتدريب في قطاع ريادة الأعمال.
* تصوير: السيد رمضان