11 أغسطس 2025

اثنان منها فازا بجوائز مهمّة.. سجل موجز لأفلام فلسطينية عن القضية

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

من فيلم
من فيلم "لا أرض أخرى"

ما لا يقع على أرض الواقع من نجاحات عادة ما يتم تحقيقه في السينما. يتضح ذلك مع فوز عدد من المخرجين الفلسطينيين هذا العام، عبر أفلام حققوها، وعرضت في مهرجانات، وفاز بعضها بجوائز.

مجلة كل الأسرة

في الواقع فاز اثنان منها ببعض أهم جوائز السينما العالمية. المخرجان عرب وطرزان ناصر، خرجا من مهرجان «كان» الأخير، وهما يضمّان جائزة أفضل إخراج من مسابقة «نظرة ما»، الموازية عن فيلمهما «ذات مرّة في غزّة».

مجلة كل الأسرة

بدوره خرج فيلم «لا أرض أخرى»، رباعي الإخراج قاده الفلسطيني باسل عدرة، بالاشتراك مع فلسطيني آخر (حمدان بلال)، وإسرائيليين (يوفال ابراهام وراشل شور)، بأوسكار أفضل فيلم تسجيلي. وهو ذاته كان حقق نصراً مشابهاً مع ختام مهرجان برلين، هذه السنة أيضاً. ولا ننسى أن فيلم «من المسافة صفر» الذي انتجه رشيد مشهراوي، جامعاً شهادات حياة من نحو 20 مخرجاً في فيلم واحد، تم عرضه في نيويورك، ولوس أنجلس، وحاز تقديراً نقدياً واضحاً.

هذا النجاح يأتي تكملة لنجاحات متفرقة سابقة وردت على شكل تيارات في فترات متباعدة.

ومع عدم وجود أرشيف جامع لكل ما انتجته السينما العربية من أفلام حول «القضية الفلسطينية»، فإنه ليس سهلاً إحصاء الأعمال السينمائية التي تحدّثت عن الوضع الفلسطيني.

منذ الستينيات احتلت الأفلام التي تناولت هذا الوضع وتم إنتاجها في لبنان، وسوريا، ومصر، والأردن، مساحة كبيرة من الاهتمام. مجمل الأفلام الأولى كانت دعائية وعاطفية على نسق «الفدائيون» لكرستيان غازي (لبنان، 1967) و«كلنا فدائيون» لغاري غرابتيان (لبنان، 1969) و«الفلسطيني الثائر» لرضا ميَسّر (مصر، لبنان، 1969).

من فيلم
من فيلم "عائد إلى حيفا"

بداية جادّة لأفلام واقعية

منذ مطلع السبعينيات تبدّلت الصورة كثيراً. قدّم مخرجون ينتمون إلى السينما الجادة ما هو واقعي ومؤثر، من دون اعتماد الشعارات المرفوعة، ومشاهد الابتزاز العاطفي. من بين هذه الأفلام «المخدوعون» للمصري توفيق صالح (1972)، و«كفر قاسم» للبناني برهان علوية (1974)، وكلاهما من إنتاج مؤسسة السينما السورية، و«عائد إلى حيفا» للعراقي قاسم حول (في مطلع السبعينيات).

وبعد نحو ثماني سنوات بادر مخرجون فلسطينيون لتحقيق أفلام جادة حول الموضوع الفلسطيني، ومن زاوية ما هو معيش، وواقعي.

في هذا الإطار تأتي مساهمات المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي متميّزة، وهامّة. في 1981 أخرج «ذاكرة خصبة» (1981)، مودعاً فيه رفض امرأة فلسطينية بيع أرضها، أو التخلي عنها بأي ثمن. بعده أنجز في 1987 «عرس الجليل» قبل أن تتباعد أفلامه (آخرها «زنديق»، 2014).

خليفي (الذي اتخذ من بلجيكا موطناً له) كان الصوت الفلسطيني الأول في تلك الفترة، تبعه رشيد مشهراوي (ابن غزة) الذي تميّز بغزارة أعماله التي من بين آخرها «الكتابة على الثلج»، وقيامه في العام الماضي بإنتاج «من المسافة صفر» الذي أشرف فيه على جمع 22 فيلماً قصيراً لمخرجين من غزّة.

ثالث القادمين من قلب فلسطين هو إيليا سليمان. أفلام سليمان، من بينها «الزمن المتبقي (2009) وفي 2019 «إن شئت كما في السماء» (حمل عنواناً آخر هو It Must Be Heaven)، كانت إضافات نوعية هامّة تنتمي، أسلوبياً، إلى موهبة مؤكدة.

وفي الفترة القريبة ذاتها، أنجز هاني أبو أسعد أفلاماً تحكي وقائع فلسطينية حاضرة، كما في «الجنة الآن» (2005)، و«عمر» (2013)، وآخرها «صالون هدى» (2021). كلها أفلام نالت نجاحات كبيرة أينما عُرضت. كذلك قامت مي المصري (التي لها باع طويل من الأفلام التسجيلية في هذا المجال) بإخراج «3000 ليلة»، كأول فيلم روائي لها، ودارت أحداثه في سجن نساء.

وأسهمت المهرجانات الدولية، إلى حد كبير، في نقل المعرفة عمّا يقع في فلسطين إلى العالم.. لكن هذا لم يكن تلقائياً على الإطلاق. فالحال أن الصراع العربي- الإسرائيلي لم يعد، منذ عقود، حالة بعيدة عن التداول الإعلامي، ما يجعل المهرجانات راغبة في الاستجابة للاهتمام العالمي المنصب، شعبياً وحكومات، حول واحدة من أصعب صراعات الإنسان في سبيل العدالة والمساواة. هي استفادت من تسليط الضوء على موضوع لم يترك ناصية الاهتمام العالمي ليوم، والمخرجون استفادوا عبر مشاهدة أفلامهم وهي تعرض على الشاشات العالمية من تورنتو إلى «كان»، ومن فينيسيا إلى نيويورك.