10 أغسطس 2025

رفاه الحيوانات الأليفة في الإمارات... من الرعاية الصحية الذكية إلى التأهيل العاطفي

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

أكثر من 1.5 مليون شخص يربّون حيوانات أليفة في الإمارات، ونحو 42٪ من السكان يمتلكون حيواناً أليفاً، سواء أكان قطة، أم كلباً أم حيواناً منزلياً آخر، بحسب استطلاع أجرته شركة TGM للأبحاث عام 2024. وتتصدر القطط المشهد بنسبة 53%، تليها الكلاب.

وفي هذا السياق، يشهد قطاع رعاية الحيوانات الأليفة نقلة نوعية من العيادات الذكية إلى التأهيل النفسي، ومن التطبيب عن بعد إلى الرعاية المتخصصة بالحيوانات المنقذة، في ظل تطور العمل على تعزيز العافية البدنية والنفسية للحيوانات الأليفة.

في هذا التحقيق، نرصد كيف تطوّر هذا القطاع في الإمارات، ونسلط الضوء على أحدث الابتكارات، ونقف عند تجارب مراكز التأهيل النفسي للحيوانات، وبعض قصص لحيوانات تعرّضت للإهمال أو الإساءة، وترك هذا الوضع ندوباً جسدية ونفسية عليها:

مجلة كل الأسرة

يؤكد الدكتور نسيم وافني، رئيس قسم الحيوانات الأليفة لمنطقة الهند، الشرق الأوسط، تركيا وإفريقيا في شركة «بوهرنجر إنجلهايم»، التوجه المتزايد لتبنّي الحيوانات الأليفة، لاسيّما القطط، ومن ثم الكلاب: «يُعزى هذا التوجه إلى تزايد عدد المقيمين في الإمارات، وارتفاع مداخيلهم. ونتيجة لذلك، يبحث مربو الحيوانات الأليفة، لاسيّما في دبي وأبوظبي، أكثر فأكثر، عن خدمات فاخرة لحيوانهم الأليف، مثل صالونات الاستحمام والحلاقة، ومراكز التدريب المتخصصة، ومرافق إقامة الحيوانات الأليفة الراقية. ومن الاتجاهات الرئيسية الأخرى التي تدفع نحو تحول جذري في رفاه الحيوانات الأليفة هو ارتباطها بشكل كبير بمربّيها، حتى أنها باتت تُحتسب بين أفراد الأسرة، بما يعزز الطلب على الرعاية الصحية الشخصية والشاملة، والخدمات البيطرية الوقائية، والتغذية عالية الجودة».

تقدر الإحصاءات أن 30% من الأسر تنفق ما يتراوح بين 500 إلى 1000 درهم شهرياً على الخدمات المتعلقة بالحيوانات الأليفة ومنتجاتها

أحدث تقنيات الرعاية الصحية دخلت على الخط، يشرح د.وافني: «يسهم إدخال التطبيب عن بعد، والذكاء الاصطناعي، وعلم الجينوم المتقدم، إلى الممارسات البيطرية، في تحسين سبل الوصول للرعاية الصحية للحيوانات الأليفة، وتعزيز كفاءتها، وجعل الخطط العلاجية المصممة حسب الطلب أمراً ممكناً. ويجري تعديل الأجهزة الطبية التي تم تطويرها في البداية لاستخدامها على البشر لتلائم الحيوانات الأليفة، ليغدو استخدام تقنيات مثل أجهزة تتبع النشاط القابلة للارتداء، وأجهزة المراقبة المستمرة للجلوكوز، وأجهزة مراقبة المرضى عن بعد، أكثر انتشاراً في الرعاية الصحية للحيوانات الأليفة، بما يدعم التشخيص، والعلاج السريع، وتحسين جودة حياة الحيوانات الأليفة».

وتبذل الإمارات جهودها من خلال الترويج لرفاه رعاية الحيوان في المنطقة عبر مبادرات، مثل برامج التطعيم الإلزامي، وخطط التسجيل الإلزامي للحيوانات الأليفة، ونشر الوعي حول أهمية اللقاحات السنوية، كما يلعب الأطباء البيطريون دوراً حيوياً من خلال إدخال ثقافة التطعيم في المشورة الروتينية التي يقدمونها في العيادة، ويوضح د.وافني داعياً إلى «وجوب تعريف مربّي الحيوانات الأليفة بالفوائد الصحية طويلة الأمد للقاحات، كما يمكن للجهات الحكومية لعب دور هام في تعزيز الامتثال للقاحات السنوية».

مجلة كل الأسرة

ما الذي يجب أن تعرفه قبل تبنّي حيوان أليف؟

يعتبر د.وافني أن «تبنّي حيوان أليف تجربة مميزة، تأتي معها مسؤوليات كبيرة، وأمور تجب مراعاتها. فالحيوانات الأليفة، والحديث هنا عن القطط والكلاب خصوصاً، تحتاج إلى عناية...

لذلك يتعين على أولئك الذي يخططون لتبنّي حيوان أليف:

  • تقييم أسلوب حياتهم وبيئة معيشتهم، بما يشمل مساحة منزلهم، وقوانين المكان الذي يعيشون فيه، للتأكد من قدرتهم على تلبية الاحتياجات البدنية، والعاطفية، والاجتماعية، لحيوانهم الأليف.
  • مراعاة طقس دولة الإمارات على مستوى السلالة التي يعتزمون تربيتها.
  • رعاية بيطرية دورية، بما يشمل اللقاحات السنوية، والوقاية من الطفيليات، والعناية بها، والتغذية، وأحياناً العلاجات المتخصصة.
  • تخطيط الميزانية وفقاً لإمكاناتك.
  • معرفة أن تبنّي حيوان أليف هو التزام على المدى الطويل، بصرف النظر عن خطط السفر، أو تغيير بلد الإقامة.

 وتلعب العيادات البيطرية ومراكز رعاية الحيوانات الأليفة دوراً محورياً في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة للحيوانات الأليفة، حيث «بات دورها يتخطّى مجرّد علاج المرض، والإصابات، نحو تعزيز عافية الحيوانات الأليفة على المدى الطويل، وتمتلك الدولة اليوم شبكة واسعة من العيادات البيطرية ومستشفيات الحيوانات، ومراكز الرعاية المتخصصة، والعديد منها مجهز بأحدث المعدات الطبية، وفي الإمارات يتعاون المجتمع ومربّو الحيوانات الأليفة معاً، لتأسيس بيئة معيشية ملائمة بشكل أكبر للحيوانات الأليفة».

مجلة كل الأسرة

تدابير تضمن سلامة الحيوانات الأليفة

يزود د. وافني مربّي الحيوانات الأليفة بعدة إجراءات لضمان عافية وسلامة الحيوانات:

  • البدء بأنفسهم من خلال تربية حيواناتهم بأسلوب مسؤول بما يشمل إبقاء حيوانهم مقيداً في الأماكن العامة.
  • الحرص على وضع رقاقة إلكترونية له.
  • إعطاؤه اللقاحات في وقتها، وتنظيف فضلاته.
  • تدريبه بشكل مناسب لتجنب أيّ مشكلات سلوكية.
  • توخّي الحذر، ومراعاة أفراد المجتمع الذين قد يكون لديهم حساسية ما، أو تحفظات على الحيوانات.

ويوصي مطوّري المجتمعات السكنية بـ:

  • تيسير معيشة الحيوانات الأليفة من خلال تخصيص حدائق لها.
  • وضع أنظمة مناسبة لإدارة النفايات.
  • إنشاء مسارات المشي ومناطق الاسترخاء المصممة لاستيعاب الحيوانات الأليفة بشكل آمن، مع الحد من أيّ إزعاج قد يتعرض له الذين لا يمتلكون حيواناً أليفاً.

ويخلص: «يمكن للهيئات المعنية أيضاً لعب دور في تحسين البنية المعيشية الصديقة للحيوانات الأليفة ضمن المناطق العامة، والاستمرار في تطبيق لوائح رعاية الحيوان».

مجلة كل الأسرة

برامج التأهيل في حديقة الإمارات للحيوانات

في الوقت الذي يتلقى فيه الحيوان الأليف عناية طبية دقيقة في العيادات البيطرية لضمان صحته الجسدية، هناك حيوانات أخرى تعرضت لسوء المعاملة أو الإهمال، بخاصة تلك التي تنتهي بها الحال في حدائق الحيوان، أو مراكز الإنقاذ، تحمل ندوباً خفية.

من هنا، تبرز أهمية التكامل بين الرعاية البيطرية والتأهيل السلوكي والعاطفي، وهو ما تسعى إليه مؤسسات رائدة مثل حديقة الإمارات للحيوانات، التي باتت مركزاً متخصصاً لاحتضان الحالات الأكثر هشاشة، ورسم خريطة شفاء تبدأ من علاج الجسد، وتمر بإعادة بناء الثقة، وتنتهي بعودة الحيوان إلى سلوكه الطبيعي ضمن بيئة آمنة ومستقرة.

مجلة كل الأسرة

وفي هذا الصدد، يؤكد الدكتور وليد شعبان، الرئيس التنفيذي لحديقة الإمارات للحيوانات، أنّ «الحيوانات التي تعرّضت للإهمال أو الإساءة تحمل ندوباً عميقة، جسدياً ونفسياً. فعلى الصعيد الجسدي، قد تعاني سوء تغذية، أو إصابات، أو التهابات مزمنة، أو تشوهات جسدية. أما نفسياً، فكثير منها يُظهر علامات خوف، وقلق، وفقدان للثقة، وقد تستمر هذه الأعراض لسنوات بعد انتهاء التجربة الصادمة».

ويوضح: «لقد شاهدنا حالات تنخرط فيها الحيوانات في سلوكات تكرارية، مثل المشي بشكل دائري، أو نتف الريش، أو حتى الانعزال التام».

 نشر الوعي حول اقتناء الحيوانات الأليفة

رفع الوعي بأهمية تربية الحيوانات الأليفة بشكل مسؤول يُعد أمراً بالغ الأهمية. ويروي د.شعبان واقع الحال: «فالكثير من الحيوانات التي نقوم بإنقاذها، بخاصة الأنواع الغريبة، مثل الببغاوات والزواحف، تصل إلينا وهي في أوضاع مزرية، غالباً لأن أصحابها لم يكونوا مستعدين تماماً لتحمّل هذه المسؤولية. فمحبة الحيوانات وحدها لا تكفي؛ لا بد من فهم احتياجاتها الجسدية، والسلوكية، والاجتماعية المعقدة، قبل اتخاذ قرار اقتنائها ورعايتها».

ويضيف د.شعبان موضحاً مسيرة التوعية: «في حديقة الإمارات للحيوانات والمنتجع، نعمل بفعالية على توعية الجمهور من خلال زيارات المدارس، وبرامج الحيوانات السفراء، والحملات التوعوية المستمرة. كما ندعم المبادرات والحملات الدولية لمؤسسات مثل «جمعية حدائق الحيوان والأحواض المائية»(AZA)، والتي تسلّط الضوء على الواقع والتحدّيات المرتبطة باقتناء الحيوانات البرية، مثل الحيوانات الأليفة، وتدعو لاتخاذ قرارات مسؤولة تضع رفاه الحيوان في المقام الأول. ومن خلال هذه الجهود، نطمح إلى تعزيز الوعي، وتشجيع اتخاذ خيارات مدروسة، وغرس الاحترام تجاه جميع الكائنات الحية، بما يسهم في الوقاية من المعاناة قبل أن تبدأ».

مجلة كل الأسرة

ويشرح د.شعبان آليات عملهم في مسار التعافي: «في حديقة الإمارات للحيوانات، نعتمد على مزيج متكامل من الرعاية البيطرية، والمراقبة السلوكية، والتحفيز البيئي، والتغذية السليمة، والتدريب التكيّفي لإعادة تأهيل الحيوانات التي يتم إنقاذها

ويتم إعداد خطة رعاية مخصصة لكل حيوان، تشمل ما يلي:

  • العلاج الطبي: يبدأ من تحقيق الاستقرار الفوري للحالة عبر التدخلات الجراحية، أو الأدوية، أو العلاجات الداعمة، كذلك توفير نظام غذائي متوازن ومصمم وفق احتياجات كل حيوان، بهدف الوقاية من الأمراض الناتجة عن سوء التغذية.
  • إعادة التأهيل السلوكي: نعتمد على تقنيات التعزيز الإيجابي لإعادة بناء الثقة بين الحيوان والإنسان، وتحفيز السلوكات الاجتماعية الطبيعية بطريقة آمنة ومحفزة.
  • التحفيز البيئي والمساحات المناسبة: نحرص على توفير بيئات إيواء تحاكي البيئة الطبيعية للحيوان، وتوفّر مساحة كافية للحركة والاستكشاف، وممارسة السلوكات الفطرية الخاصة بكل نوع. كما ندمج في هذه البيئات عناصر تحفيزية، تشمل فرص البحث عن الطعام، ألعاباً تفاعلية، تحدّيات ذهنية، وأنشطة اجتماعية، بهدف تعزيز السلوك الطبيعي، ودعم الصحة النفسية للحيوانات.
  • التواصل الاجتماعي: عندما تسمح الظروف، يتم دمج الحيوانات التي يتم إنقاذها بشكل تدريجي، وبعناية، مع رفقاء متوافقين من النوع نفسه، بهدف تشجيعها على التفاعل الاجتماعي السليم، وتعزيز تعافيها العاطفي.

ويتم اتباع نهج علمي ومخصص في آنٍ واحد، يضمن تلبية الاحتياجات الجسدية والعاطفية والنفسية لكل حيوان، على حدة، ومساندته بعناية في كل مرحلة من مراحل رحلة التعافي.

لا تقتصر رحلة تعافي الحيوانات في حديقة الإمارات للحيوانات على التئام الجراح، بل تشمل  استعادة الشعور بالأمان والكرامة ضمن بيئة داعمة وآمنة

كما سألنا د. وليد شعبان عن أصعب الحالات التي عايشوها، وما أهمية الدعم النفسي والعاطفي للحيوانات التي تعرضت لسوء معاملة، وكيف ينعكس على قدرتها على التكيف وبناء الثقة مع البشر، فأجاب «بعض أصعب الحالات التي واجهتنا هي تلك التي تخصّ حيوانات عاشت لفترات طويلة في عزلة، أو تعرّضت للإساءة. وتُعد «رادها»، إحدى إناث الفيلة لدينا، من أكثر الحالات تعقيداً؛ فسنوات من التقييد بالسلاسل خلّفت آثاراً جسدية دائمة، فضلاً عن ندوبها العاطفية العميقة. ومن الحالات المؤثرة أيضاً، ببغاء رمادي كان يؤذي نفسه نتيجة اضطراب عاطفي شديد، واستغرق الأمر بالنسبة لنا أكثر من عامين من التأهيل والصبر، حتى بدأ يُظهر بوادر الشفاء النفسي.

تُذكّرنا هذه الحالات أن التعافي ليس دائماً خطاً مستقيماً، وأن كل خطوة صغيرة إلى الأمام تُعدّ إنجازاً كبيراً في رحلة الأمل والشفاء».

مجلة كل الأسرة

ما هي مؤشرات تعافي الحيوان عاطفياً وسلوكياً؟

يرصد د. وليد: «يُقاس التقدّم بخطوات صغيرة لكنها مؤثرة. فنحن نراقب تحسّن الحالة الجسدية، مثل زيادة الوزن، والتئام الإصابات، إلى جانب التغييرات السلوكية، كانخفاض مستويات العدوانية، وإظهار الفضول تجاه عناصر التحفيز البيئي، والاستعداد للتفاعل مع البيئة المحيطة، أو مقدّمي الرعاية».

ويضرب مثالاً: «كان أحد حيوانات الميركات التي تم إنقاذها لدينا يختبئ باستمرار، ويرفض تناول الطعام، لكنه بدأ تدريجياً، بفضل الرعاية والصبر، بالاستكشاف وتناول الطعام بنفسه، والتفاعل مع غيره من الميركات. هذه المحطات السلوكية تُعد مؤشراً واضحاً على أن الحيوان بدأ يستعيد ثقته، ويتجاوز أزمته، ويستعد لحياة مستقرة، وغنية بالتحفيز.

وتم اتباع نهج علمي ومخصص في آنٍ واحد، يضمن تلبية الاحتياجات الجسدية والعاطفية والنفسية لكل حيوان، على حدة، ومساندته بعناية في كل مرحلة من مراحل رحلة التعافي.

أما عن تعزيز الشعور بالمسؤولية الأخلاقية لدى الأفراد والمجتمع تجاه الحيوانات، وترجمة قيمنا الإنسانية والدينية إلى ممارسات واقعية، فيؤكد د. وليد «أقوى وسيلة لغرس حسّ المسؤولية الأخلاقية هي عبر الارتباط العاطفي والتثقيف. فعندما يتعرّف الناس إلى القصص الفردية للحيوانات يبدأون بإدراك أن الحيوانات كائنات حساسة تمتلك مشاعر واحتياجات. ونسعى إلى تعزيز هذا الحس الأخلاقي من خلال مشاركة هذه القصص، والتفاعل مع المجتمعات عبر برامج التوعية، وغرس روح التعاطف لدى الأطفال منذ الصغر. القوانين مهمة بلا شك، لكن التغيير الحقيقي في الثقافة يبدأ عندما تصل الرسالة إلى القلوب، وتُوقظ مشاعر التعاطف والوعي. وهذا هو الهدف الذي نسعى إليه في كل يوم».

مجلة كل الأسرة

ويخلص د.شعبان إلى أن «الدعم النفسي والعاطفي هو جوهر عملية التأهيل الحقيقي. فالحيوانات التي تعرّضت للإساءة تصل إلينا في الأغلب وهي فاقدة للثقة، ومملوءة بالخوف، ومن دون معالجة الجانب العاطفي، لا تكفي أفضل العلاجات الطبية وحدها لضمان التعافي. على سبيل المثال، أحد ببغاوات المكاو المُنقذة لدينا، كان يصرخ بشدة عند رؤية أي إنسان، لكنه اليوم، وبعد أشهر من التفاعل الهادئ والتحفيز البيئي، بات يستقبل مقدّمي الرعاية بفضول وهدوء. فالشفاء العاطفي لا يُحسّن رفاه الحيوان فحسب، بل يُمكّنه أيضاً من التفاعل الكامل مع بيئته، وقد يتحوّل إلى سفير يعكس جمال وقوة نوعه».