حبسه أبوه في سرداب البيت.
- لن تخرج من هنا حتى تقول الحقيقة.
كان طفلاً في السابعة وأبوه يهدّده بالعصا. والعصا هي عكّاز الجد. يرتعد ولا يعرف ما العقاب الذي ينتظره إذا اعترف بأنه من كسر المحبرة، ولوّث بالحبر مكتب الأب.
تركه أبوه في السرداب وأقفل الباب. حلّت العتمة، وشعر ببرد وجوع. ثم ارتعد وهو يسمع المفتاح يدور في القفل الكبير. دخل جده وأنقذه من سجنه. طبطب عليه وأخذه ليغسل وجهه. بكى قليلاً، ثم هدأ، وأكل ونام. وحين طلع عليه الصباح ما عاد يتكلم كالسابق. لجلجه رعب الليلة السابقة. صار يتأتئ.
لم تنفع معه دروس النطق، فيما بعد، ولا جلسات الطبيب النفسي. كبر وهو يتأتئ. تفوّق في دراسته على الرغم من تنمّر أولاد الجيران، وسخرية رفاق الصف. وحين أراد دراسة الطب رفضوه في امتحان القبول على الرغم من مجموعه العالي. الحجة: لا ينفع الطبيب أن يتلكأ في الكلام.
أراد الانتحار لكنه لم يتجرأ عليه. وفي لحظة يأس جلس وكتب رسالة إلى وزير التعليم العالي، شرح فيها مشكلته وتساءل:
«سيدي الوزير. للطبيب يدان ولي يدان، وساقان، وعينان، وعقل يفكر، أرى وأسمع وأحس. أقرأ وأستوعب وأحفظ. أستطيع أن أفحص، وأكتب الوصفات، وأداوي. فلماذا أحرم من حلمي؟».
وضع الرسالة في غلاف كتب عليه اسم الوزير وعنوان الوزارة. وبعد شهرين اتصلوا به ليبلّغوه قبوله في كلية الطب. كانت الدراسة قد بدأت لكنه لحق بها.
ثم أحب زميلته سلوى. وقبل التخرج كان لابد من مفاتحتها. سسسلوى… أأأحببببك!
اقرأ أيضاً: أخطاء تربوية تسبب للطفل التلعثم «التأتأة».. كيف نساعده على تجاوزها؟