Anora
ازداد تكرار الخيارات السيئة في السنوات القليلة الماضية. في 2021 فاز شيء يشبه الفيلم، عنوانه Nomadland بالأوسكار عنوة عن فيلم كامل عنوانه «الأب». وفي 2022 فاز فيلم «كودا»، وفي 2023 تأكد خروج مانحي الأوسكار عن تبعات التمييز بين ما هو فني وبين ما هو فوضى باسم الفن عندما فاز «كل شيء كل مكان في وقت واحد» (Everything Everywhere All at Once). وفي هذا العام خطف «أنورا» الأوسكار من يدي فيلم أفضل هو «ذَ بروتاليست».
الغالب في كل هذه الأمثلة هو تفضيل المبسّط على المركّب، والسهل على الصعب، والمضمون على الفن.
It was just an accident
توجهات سياسية
مؤخراً، فاز الفيلم الإيراني «حادث بسيط» بسعفة مهرجان «كان» الذهبية في الشهر الماضي، طرح بعض النقاد العرب والغربيين مسألة ما إذا كان فيلم جعفر بناهي استحق الفوز بالسعفة الذهبية أم لا.
يستأهل الموضوع بعض التفسير. ليس أن «حادث بسيط» خلا من الإيجابيات. هناك معالجة المخرج التي تُحسن الحفاظ على البعد النقدي المطروح وحسن إدارته للممثلين. لكن كلا هذين العنصرين ليس كافياً لجائزة بوزن السعفة خصوصاً أن الناتج مبسّط يعتمد الحوار لشرح الحكاية والانتقال بين مرافقها. ما يؤكد أن أحد المبررات الرئيسية لمنح الفيلم تلك الجائزة كان سياسياً يخدم الرغبة في إثارة الموضوع المطروح بناء على ذلك الخلاف القائم بين إيران والغرب.
صحيح أن الفيلم ينتقد الرقابة وصنوف الترهيب والسجن في إيران لكن هذا يرد إيحاءً وحواراً وليس عبر أسلوب فني يتجاوز المباشرة. «صراط» لأوليفر لاكس لديه رسالة أشمل وأعم، وفيها قبس روحاني مدعوم بأسلوب بصري باهر. كونه خرج بجائزة لجنة التحكيم (مناصفة مع الفيلم الألماني) يعني أنه كان مرشّحاً للسعفة.
Mystic River
خسارة أفلام جيدة
هذه ليست المرة الأولى التي يمنح فيها «كان» جائزته الكبرى هذه لفيلم لا يستحقها.
في عام 1989 تمّ التضحية بأربعة أفلام رائعة لقاء منح الجائزة لفيلم ستيفن سودربيرغ «جنس، أكاذيب وأشرطة فيديو» (أمريكي). تلك الأفلام هي «افعل الشيء الصحيح» (Do the Right Thing) للأمريكي لسبايك لي، و«وقت الغجر» (Time of the Gypsies) لأمير كوستاريتزا (البوسنة)، و«مطر أسود» (Black Rain) لشوهاي إيمامورا (اليابان)، و«سينما باراديزو» (Cinema Paradiso) لجيسبي تورناتوري.
وكان «التضحية» (The Sacrifice) للروسي أندريه تاركوفسكي أذهل مشاهديه في «كان» سنة 1986 لكن لجنة التحكيم فضّلت عليه فيلماً أقل منه قيمة هو «المهمّة» (The Mission) لرولاند جوفي (إنتاج بريطاني، فرنسي، أمريكي).
خسر سبايك لي مجدداً عندما شارك بفيلمه الرائع «حمى الغابة» (Jungle Fever)، إذ ذهبت السعفة في سنة 1991 إلى «بارتون فينك» للأخوين جووَل وناتن كووَن. كلاهما جيّد، لكن فيلم سبايك احتوى على كل ما يريده مهرجان من تجديد وروح شبابية مجبولين في سرد جيد.
واحد من أكبر الأخطاء المرتكبة حرمان «ميستيك ريفر» (Mystic River) لكلينت ايستوود من السعفة ومنحها إلى واحد من أسوأ أفلام عام 2003 وهو «فيل» (Elephant) لغز فان سانت على اعتبار أن فيلم ايستوود لا يحتاج إلى تشجيع كما هو حال «فيل» المستقل. عذر واهٍ لأن على الحُكم أن يكون فنياً.
Apocalypse Now
نماذج للفوز غير العادل
والمسألة تتعدّى المهرجان الفرنسي إلى مهرجانات عديدة، بل إلى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي توزّع الأوسكار. مثلاً في 1950 تم منح أوسكار أفضل فيلم لعمل هش اسمه «كل شيء عن إيف» (All About Eve) لجوزف مانكوفيتز. دار الفيلم هو عالم الفن والممثلين. في العام ذاته كان هناك فيلم أفضل منه هو «صنست بوليفارد» لبيلي وايلدر الذي دار كذلك عن عالم الفن والممثلين. المقارنة بين هذين الفيلمين برهان على أن فيلم وايلدر الممتاز تمّ التضحية به لصالح فيلم نصف رديء.
في 1980 منحت الأكاديمية جائزتها الأولى لفيلم «كرامر ضد كرامر» لروبرت بنتون. هذا مخرج جيد لكن الفيلم الذي كان يستحق الفوز بسنوات ضوئية هو «القيامة الآن» (Apocalypse Now) لفرانسيس فورد كوبولا. إذا كان الأمر يتعلق برسالة عائلية في الفيلم الفائز فإنه يتعلّق برسالة كونية ضد الحروب ممتزجة بعناصر بصرية ومشهدية لم تقع قبل «القيامة الآن» أو بعده.
الأمثلة كثيرة ومتكررة، ولن تتوقف عن الوقوع، لأن آراء لجان التحكيم تختلف عن آراء النقاد، وهذه تختلف عن آراء الجمهور السائد.