احتفاء بمرور مئة عام على تأسيسها، تنظم مكتبات الشارقة معرض «تاريخ الحرف والحركة» الذي يقدم تجربة ثقافية وتاريخية تحتفي بتطوّر الكتابة، وتوثق مراحل تطورها عبر مختلف العصور.
يقدم المعرض، الذي يقام بالتعاون مع مجمع القرآن الكريم، مخطوطات نادرة، وتجربة الواقع الافتراضي، وزوايا تفاعلية، تعيد ربط الزوار بجمالية الحرف العربي، وأهميته الثقافية.
مخطوطات نادرة تحكي قصة الحرف
يشكل قسم المخطوطات قلب المعرض، حيث يعرض مجموعة من النسخ النادرة التي تحاكي مخطوطات أصلية تعود إلى حقب زمنية مختلفة، بدءاً من القرن الأول الهجري، وصولاً إلى القرن الرابع عشر، أبرزها صفحة مصحف كتبت بالخط الكوفي المغربي على رق من جلد الخروف، تعود إلى القرن الخامس الهجري، تميّزت بتلوين الآيات باللون الأحمر، ومخطوطة من القرن الثامن الهجري على الورق السمرقندي اليدوي، خطت عليها «سورة الناس»، بخط المحقق، وكذلك نموذج يعود إلى القرن العاشر الهجري كتب بالخط المغربي، مع إدخال الحركات باللونين الأحمر والأخضر، وصفحة تمثل نهايات العصر الراشدي من القرن الأول الهجري، بخط كوفي مصحفي على رق خفيف، وأيضاً مخطوطة من القرن الرابع عشر الهجري مكتوبة بخط الثلث، مزخرفة بفواصل مذهّبة، ومزودة بعلامات الوقف والابتداء باللون الأحمر.
الكتابة على العظام والخشب.. ذاكرة بدائية للنص
يخصص المعرض ركناً توثيقياً مميّزاً لأدوات ووسائط الكتابة القديمة، حيث يمكن للزائر معاينة نماذج فعلية لكيفية تسجيل الكلمات على جريد النخل، والعظام، وقطع الخشب، وهي مواد كانت تستخدم في المراحل الأولى من تدوين النصوص، قبل ظهور الورق وانتشاره، ما يمنح الجمهور رؤية حسية وملموسة لبدايات الكلمة المكتوبة، ويعمّق فهمهم لتطور الوسائل المادية للكتابة.
تجربة بصرية تفاعلية
يعتمد المعرض على دمج العناصر التاريخية بالتقنيات الحديثة، إذ يتيح للزوار استكشاف تطور الخط العربي، والنقطة، والحركات، عبر عصور الإسلام المختلفة، من خلال عروض تفاعلية بصرية عالية الدقة، تعزز الفهم البصري لرحلة الخط العربي من خطوط خالية من التشكيل، إلى نصوص مشكولة تحفظ المعنى، وتيسّر القراءة، إلى جانب تجربة الواقع الافتراضي التي تتيح زيارة معالم مجمع القرآن الكريم، ومتاحفه الزاخرة بالمخطوطات والمقتنيات الثمينة.
ركن الكتبة وذاكرة الطباعة
في زاوية أخرى، يحتفي المعرض بمهنة الكتبة من خلال عرض أشهر الكتب والخطاطين الذين تحدثوا في تطور ونشأة الحرف، وتطوره في الحضارات العربية والإسلامية، عبر القرون، لتكون مرجعاً بصرياً ونصياً للتعمق في البعد الحضاري للكتابة، مع التركيز على مدارس الخط المختلفة، ودورها في صقل الجماليات البصرية للنصوص الدينية والعلمية. أما ركن «رسائل الزوار»، فيقدم تجربة تفاعلية مميّزة عبر طابعة قديمة تتيح للزوار، بخاصة الأطفال واليافعين، كتابة عبارات باللغة العربية تعبّر عن مشاعرهم تجاه اللغة، أو مدينة الشارقة. تطبع هذه الرسائل مباشرة باستخدام آلة طباعة يدوية، في مشهد يحيي التفاعل الحي مع الكلمة المكتوبة، ويعزز من حب اللغة العربية، والانتماء إلى الهوية الثقافية.
الشارقة.. مركز نابض بالحرف والمعرفة
من خلال المعرض، تؤكد مكتبات الشارقة العامة رؤيتها في أن الخط العربي ليس مجرّد وسيلة للكتابة، بل هو تجسيد لهوية حضارية وثقافية حيّة، تتقاطع فيها الجمالية البصرية مع العمق الروحي والمعرفي. ويعيد «تاريخ الحرف والحركة» بناء علاقة الجمهور بالمكتبة، بوصفها مركزاً تفاعلياً نابضاً بالمعرفة والتجربة الحسية.
* تصوير: السيد رمضان