13 يوليو 2025

محمد رُضا يكتب: ضع الرأي في الثلاجة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

يسألني عديدون كيف يمكن للناقد أن يكون حيادياً؟ ألا يجب أن يكون له موقف أو قضية؟

كلمة لا (أو نعم) وحدها لا تكفي، لأن المسألة هي كيف يمكن للناقد السينمائي أن يحكم على فيلم وفي باله أن الفيلم يلبّي رغبة شخصية أو موقف يحبّذه؟

في الستينات أثيرت هذه المسألة على صفحات مجلة «سايت آند ساوند» البريطانية عندما كتب المخرج الراحل لندساي أندرسن أن على الناقد أن يحيّد نفسه عن أي تحبيذ أو مواقف مع أو ضد. الفيلم هو كل شيء بالنسبة إليه. وقفت المجلة ضد هذا الرأي واعتبرته مستحيلاً.

لكن الواقع هو أن الاستحالة ليست القضية، لأن المسألة هي ضرورة أن يعالج الناقد الفيلم كما هو، وإلا وظّف مشاعره ومواقفه في النص، ما يحدّ من الكتابة عن الفيلم بأدوات الفيلم وحدها.

على سبيل المثال، خرجت أفلام أمريكية مع حرب العراق وضد حرب العراق. لو كتب الناقد عنها من هذه الناحية (مع وضد) لحشر رأيه. لو تناول موقف الفيلم الذي ينقده بين العناصر الفنية والفكرية التي ترد في الفيلم لكان ذلك أفضل، ولجاء النص فيلمياً وليس مقالاً سياسياً.

كل واحد تجاوز السادسة عشرة من العمر له رأي في شيء ما. ربما من طبيخ الست الوالدة إلى مشكلات العالم المستعصية، لكنّ النقاد الفعليين هم القلّة، وهؤلاء لا يتحدّثون اللغة ذاتها، بل يشاهدون العمل ويأتون بعلمهم لتبيان مستواه والحكم له أو عليه.

في كل أنواع النقد الأدبية والفنية هناك من يكتب رأيه في العمل الذي ينتقده على أساس أنه فعل نقدي. هو يرى هذا الكتاب أو تلك المسرحية من وجهة نظره، وعلى وجهة النظر هذه سيحكم للعمل الأدبي أو الفني أو عليه.

الناتج في هذه الحالة خلط بين النقد كعلم قائم بذاته يستند إلى بحر من الإلمام والمعرفة والتحليل الناتج عن دراسة غير منحازة للعمل، وبين نوع من الكتابة التي لا تبتعد كثيراً عن «هذا يعجبني وهذا لا يعجبني».

زاد الطين بلّة أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي منحت كل الناس حرية أن يكتبوا ما يريدون. هذه الديمقراطية التي تؤذي أكثر مما تُفيد، لأنه إذا ما كتب صاحب رأي شيئاً يؤيد فيه عملاً رديئاً وجد من يوافقه. هو جاهل ووجد جاهلين آخرين يهزّون رؤوسهم بالموافقة. أما الحقيقة فتبقى ضائعة.

يستند كل من لديه رأي وكل من يكتب من منظور سياسي إلى حصيلة شخصية غير أدبية أو فنية من المعرفة. هذا لأن كل شيء يُكتب نقداً يجب أن يأتي من داخل العمل الفني وليس من خارجه.