مجد الشحي: حماية حقوق النسخ حجر الأساس لاستدامة الإبداع والابتكار

تقود مجد الشحي، مديرة جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ، جهوداً كبيرة في حماية حقوق المؤلفين والناشرين، وترسيخ ثقافة احترام الملكية الفكرية في دولة الإمارات، والمنطقة.
وبخبرة تمتد لأكثر من 12 عاماً في قطاع النشر والاقتصاد الإبداعي، ومسيرة علمية ومهنية غنية شملت تخصصها في إدارة الأعمال والتسويق، أسهمت في بناء منظومة متكاملة تدعم المبدعين، وتواكب التحولات الرقمية.. في حوارنا معها، نتوقف عند محطات تجربتها، ونسلّط الضوء على أدوارها، وإنجازاتها في قيادة الجمعية، ورؤيتها لمستقبل حقوق النسخ، وتحدّياته في ظل التطورات المتسارعة.
ما الذي قادك إلى العمل في مجال حقوق النسخ والنشر، وهل اهتمامك كان نابعاً من شغف أم نتيجة لتجارب مهنية سابقة؟
منذ مارس 2022، أشغل منصب مدير جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ، وهي أول جهة متخصصة في الإدارة الجماعية وحماية حقوق المؤلفين والناشرين، في الشرق الأوسط. كما أتشرف بعضويتي في مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، وهو امتداد لاهتمامي العميق بالتنمية الثقافية، وتمكين الأفراد من خلال الأدب والمعرفة.
حصولي على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال بتخصص التسويق من جامعة الشارقة، وتخرجي في برنامج الشارقة للقيادات، إلى جانب دورة النشر في جامعة ييل عام 2016، أتاحت لي فهماً أوسع لقضايا النشر وحقوق المؤلف على المستويين، المحلي والدولي. لذلك أستند في عملي إلى خبرة تزيد على 12 عاماً في قطاع النشر والاقتصاد الإبداعي، حيث التقى شغفي المبكر بالثقافة والإبداع، مع مسيرتي المهنية، لتتبلور قناعتي بضرورة صون حقوق المبدعين، وتطوير منظومة الملكية الفكرية بما يخدم استدامة الإبداع، ودعم الاقتصاد المعرفي.

ما هو دور جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ، وكيف يمكن أن تسهم في حماية حقوق المبدعين في الإمارات؟
تأسست جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ (ERRA)، عام 2022، كأول منظمة غير ربحية متخصصة في المنطقة تعنى بحماية حقوق المؤلفين والناشرين، عبر إدارة حقوق نسخ الأعمال الإبداعية المنقولة إليها بشكل تعاقدي. ومنذ ذلك الوقت، تعمل الجمعية على تمثيل أصحاب الحقوق، ومنح التراخيص للمؤسسات التعليمية والجهات المعنية، لإعادة استخدام المصنفات المطبوعة والرقمية، بما يحقق التوازن بين نشر المعرفة، وحفظ حقوق المبدعين، وفقًا للمادة 2.1 من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وبتراخيص رسمية من وزارتي الاقتصاد وتنمية المجتمع، إلى جانب دورها الفاعل في تعزيز الشراكة مع منظمات شبيهة في بريطانيا، وأمريكا، وماليزيا وغيرها. كما أن كونها العضو العربي الوحيد في الاتحاد الدولي لمنظمات حقوق النسخ (IFRRO)، وحصولها على عضوية المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، منحها مكانة ريادية تسهم في تعزيز حماية حقوق المبدعين، وتمكينهم من تحقيق عوائد مستدامة في بيئة رقمية متطورة.
تعمل الجمعية على إطلاق حملات إعلامية رقمية بشكل مستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي بهدف توعية الجمهور بأهمية احترام حقوق المؤلف
حدثينا عن أبرز المبادرات التي أطلقتها الجمعية أخيراً لتوعية المجتمع بحقوق النسخ وحقوق المبدعين؟
تُعد التوعية أحد المحاور الرئيسية التي توليها جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ اهتماماً بالغاً، إذ تعمل على إطلاق وتنفيذ مبادرات متنوّعة تهدف إلى نشر ثقافة احترام حقوق النسخ بين جميع فئات المجتمع. ومن أبرز هذه المبادرات مشاركة الجمعية الفاعلة في الفعاليات الثقافية، المحلية والدولية، مثل معارض الكتب، والمؤتمرات المتخصصة، حيث تقدم من خلالها ورش عمل ومحاضرات توعويّة، تستهدف المؤلفين، والناشرين، والطلاب، والمستخدمين، بشكل عام. كما تعمل الجمعية على إطلاق حملات إعلامية رقمية بشكل مستمر، عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف توعية الجمهور بأهمية احترام حقوق المؤلف، وتسليط الضوء على الأثر السلبي للنسخ غير المشروع، سواء على المبدعين، أو على الاقتصاد الإبداعي ككل. ومن ضمن المبادرات الهامة تنظيم مؤتمر حقوق النسخ الدولي الأول، ولقاءات مباشرة مع أصحاب الحقوق لتعريفهم بآليات حفظ حقوقهم، وتوعيتهم بخيارات الترخيص، وفوائد الانضمام إلى الجمعية، حيث تسعى الجمعية من خلال هذه الجهود إلى بناء وعي مجتمعي مستدام يرسخ ثقافة حماية الملكية الفكرية، ويدعم بيئة تشجع على الإبداع والابتكار في دولة الإمارات.

نرصد مشاركة كبيرة للجمعية في معارض الكتب، كان آخرها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ما هي أبرز ملامح هذه المشاركة؟
تعد المشاركة في معارض الكتاب، بشكل عام، محطة هامة في مسيرة جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ، إذ تتيح لنا فرصة مميزة للتواصل المباشر مع الناشرين، والمؤلفين، والمهتمين بقطاع النشر، من داخل الدولة وخارجها. تميزت مشاركتنا في معرض أبوظبي للكتاب هذا العام بجناح خاص للجمعية قدمنا عبره معلومات توعوية، ومواد تعريفية حول أهمية حماية حقوق النسخ، وآليات الترخيص، واجتمعنا مع شركائنا، المحليين والدوليين، بهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات. كما ركّزنا على رفع الوعي العام بأهمية احترام حقوق المبدعين من خلال التفاعل المباشر مع الزوار، وتوزيع مطبوعات توعوية، إلى جانب تغطية إعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجمعية. ونعتبر هذه المشاركة خطوة مهمة لتعزيز حضور جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ على الساحة الثقافية، وترسيخ دورها كمظلة وطنية لحماية حقوق المؤلفين والناشرين، والمساهمة في بناء بيئة إبداعية مستدامة في دولة الإمارات.
في وقتٍ ليس بالبعيد شاركتم في الاجتماع الإقليمي للجنة آسيا التابع لمنظمة «إفرو»، ما هي أهمية هذه المشاركة بالنسبة إلى الجمعية وقطاع النشر بشكل عام؟
مشاركتنا في هذا الاجتماع كانت بمثابة خطوة استراتيجية هامة بالنسبة إلى الجمعية، ليس على مستوى تعزيز حضورنا الدولي فقط، بل لترسيخ مكانة الإمارات كمركز فاعل في حماية حقوق الملكية الفكرية على مستوى المنطقة أيضاً، من جانب إتاحة فرصة التواصل مع منظمات نظيرة من مختلف الدول الآسيوية، وتبادل التجارب والخبرات في مجال الإدارة الجماعية لحقوق النسخ، بما يعزز كفاءة ممارساتنا المحلية، ويوسع آفاق التعاون الدولي. كما ناقشنا خلال الاجتماع التحديات المشتركة التي تواجه قطاع النشر في ظل التحولات الرقمية، وسبل التصدّي للنسخ غير المشروع، بما يسهم في تطوير حلول مستدامة تخدم المبدعين والناشرين، على حد سواء، ويعكس التزام الجمعية بتبني أفضل الممارسات العالمية، والمساهمة الفاعلة في صياغة مستقبل قطاع حقوق النسخ، ومواكبة طموحات الدولة في بناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار والإبداع.

أشرتِ في وقتٍ سابق إلى عرضكم تجربة الإمارات الرائدة في صون حقوق المؤلف. هل يمكن أن تسلطي الضوء على أهم ملامح هذه التجربة وأهم إنجازاتها؟
بالتأكيد، تعد تجربة دولة الإمارات في صون حقوق المؤلف نموذجاً رائداً في المنطقة، لكونها ترتكز على إطار قانوني متطور يواكب المعايير الدولية، ودعم حكومي واضح لمنظومة الملكية الفكرية. وكان تأسيس جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ عام 2022 كأول جهة غير ربحية متخصصة في الإدارة الجماعية للحقوق من أبرز إنجازاتها التي شكلت نقلة نوعية في حماية حقوق المؤلفين والناشرين، عبر منظومة ترخيص فعالة ومتوازنة. كما حققت الجمعية حضوراً دولياً من خلال عضويتها في «إفرو»، و«الويبو»، وشراكاتها مع مؤسسات من أكثر من 10 دول، ما أسهم في تعزيز حماية الحقوق، وتبادل أفضل الممارسات عالمياً، بما يخدم تطلعات الدولة في بناء اقتصاد معرفي مستدام.
ما هي أبرز التحدّيات التي تواجه منظمات إدارة حقوق النسخ اليوم على المستويين، الإقليمي والدولي؟
تواجه منظمات إدارة حقوق النسخ اليوم جملة من التحديات المتزايدة، سواء على المستوى الإقليمي، أو الدولي، في مقدمتها التغيّرات المتسارعة في البيئة الرقمية، وظهور تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الانتشار الواسع للنسخ غير المشروع للمصنفات عبر الإنترنت. كل ذلك يجعل من مهمة الرقابة أكثر تعقيداً، ويضعف من قدرة المبدعين على تحصيل حقوقهم بشكل عادل. كما تُعد محدودية الوعي المجتمعي والتشريعي بحقوق النسخ في عدد من الدول تحدّياً جوهرياً، بخاصة في منطقتنا، حيث لا تزال مفاهيم الإدارة الجماعية للحقوق حديثة العهد، وغير مفعلة بما يكفي لضمان تحقيق التوازن بين إتاحة المعرفة، وصون حقوق المبدعين. إضافة إلى وجود معوّقات تتعلق بتوحيد آليات التعاون والترخيص عبر الحدود، في ظل تنوّع الأطر القانونية، واختلاف التشريعات من دولة إلى أخرى، ما يفرض على هذه المنظمات العمل المستمر لبناء شراكات دولية فعالة، وتطوير شبكات مرنة لتبادل المعلومات والخبرات.

في رأيك، كيف يمكن تعزيز حضور الكتّاب الإماراتيين على الساحة الثقافية، العربية والدولية؟
تبذل دولة الإمارات بشكل عام، والمؤسسات الثقافية في إمارة الشارقة بشكل خاص، جهوداً كبيرة ورائعة لتعزيز حضور الكتاب الإماراتيين، محلياً ودولياً، من خلال دعم المؤسسات الثقافية، وتنظيم المهرجانات والبرامج التي تتيح للكتاب فرصاً مميّزة للانطلاق والانتشار، إضافة إلى دعم نشر أعمالهم وترجمتها، وتعزيز مشاركتهم في الفعاليات الثقافية العالمية، والاستثمار في تدريب ودعم الكتاب الشباب، علاوة على الدور الكبير والهام الذي يقوم به الإعلام في الترويج لأعمالهم وزيادة الوعي بها.
ما هي الكلمة التي تودّين توجيهها للقراء والمؤلفين والناشرين في الوطن العربي؟
أقول لهم، إن حماية الملكية الفكرية وحفظ حقوق النسخ ليست واجباً قانونياً فقط، بل أيضاً حجر الأساس لاستدامة الإبداع والابتكار. عندما نحترم حقوق المؤلفين ونلتزم بقوانين الملكية الفكرية، نتيح للمبدعين فرصة الاستمرار في تقديم أعمالهم المميزة التي تثري ثقافتنا، وتعزز هويتنا. لذا، أدعو الجميع إلى التعاون من أجل تعزيز ثقافة حفظ الحقوق، والالتزام بالمعايير القانونية، فذلك يعتبر الأساس المتين لبناء صناعة إبداعية قوية ومزدهرة، تخدم مستقبلنا الثقافي والاقتصادي.