عقول إماراتية شابة.. طالبات يسهمن في قيادة مستقبل الخوارزميات والبيانات

تحرص الإمارات على دفع أبنائها لتعلّم الذكاء الاصطناعي، وبناء جيل رقمي متمكّن، يسهم في صياغة مستقبل تقوده الخوارزميات والبيانات، وإعادة هيكلة كل صناعة بلغة التقنية، ليس على مستوى الذكور فقط، بل برز شغف الطالبات الإماراتيات أيضاً بتعلّم الذكاء الاصطناعي، وفهم أسراره، كأداة وكذلك كوسيلة لصناعة الفرق وتحقيق طموحات وطنية تتماشى مع رؤية الإمارات الطموحة إلى المستقبل.

سلطت «كل الأسرة» الضوء على مشاركة طالبات الجامعات الإماراتية في برنامج «الذكاء الاصطناعي للأعمال» من «إس إيه بي»، اللواتي انطلقن في تجربة تعليمية ملهمة، مدفوعة برغبة حقيقية في فهم التكنولوجيا، عبر جلسات التفكير التصميمي، والتفاعل المباشر مع خبراء الصناعة، حيث أظهرت الطالبات شغفاً لافتاً بتعلم أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، ليس كمجال أكاديمي فقط، بل كمسار مهني، ورسالة يمكن أن تترك أثراً في مجتمعاتهن.

كيفية حل مشكلة حقيقية بالذكاء الاصطناعي
من جهتها، لا تتصوّر روضة البستكي مستقبلها المهني من دون الذكاء الاصطناعي، فهو ركيزة في سوق العمل، ومجال دراستها بالأمن السيبراني، وتقول «حفّزتني ثقة جامعة زايد، فهي تحرص دائماً على ربط المعرفة الأكاديمية بالتجربة الواقعية. وبصفتي طالبة في أمن المعلومات، أدرك أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصراً أساسياً في هذا المجال، لذا رغبتُ في الاطّلاع عن كثب على كيفية توظيف شركة SAP لهذه التقنيات في سياق الأعمال الواقعي، لا في الإطار النظري فحسب، بل أكثر ما لفت انتباهي هي ورشة التصميم التفكيري (Design Thinking)؛ إذ عمِلنا ضمن فريق متنوّع التخصصات على حل مشكلة حقيقية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، بدءاً من وضع الفكرة حتى وصولنا إلى حل واضح».
وتضيف روضة: «في الجامعة نقوم بدراسة المفاهيم والنظريات بشكل منهجي، ونبني من خلالها قاعدة معرفية قوية. أما خلال جولة SAP، فكانت التجربة مختلفة لأنها أتاحت لي تطبيق المهارات بطريقة واقعية. مثلاً في ورشة التصميم التفكيري، عملنا كفريق على مشروع حقيقي، ومررنا بخطوات العصف الذهني، واختيار الفكرة، وبناء الحل، خلال وقت قصير، وبوجود مختصين، حيث اكتشفت أنني بحاجة إلى زيادة مهاراتي في تحليل البيانات والتفكير المنطقي أثناء العمل الجماعي، وبرمجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وربطها بالأمن السيبراني بصورة أكثر احترافية، وكذلك مهارات التواصل مع فرق متعدّدة الخلفيات، لما له من دور أساسي في نجاح أي مشروع مشترك، ويسهم في مواجهة التحدّيات مثل مواكبة التطور السريع، والموازنة بين فعالية استخدام البيانات ومتطلبات الخصوصية والأمن».

الذكاء الاصطناعي مكوّن رئيسي في المستقبل المهني
أما بتول عيد، فمنذ أن سمعت عن جولة «الذكاء الاصطناعي للأعمال» شعرت بأنها فرصة مثالية لربط دراستها الأكاديمية في إدارة نظم المعلومات بتطبيقات عملية في عالم الأعمال، وتبين «شغفي بفهم دور الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واتخاذ القرار كان دافعي الأساسي، وقد وجدت في الورش التفاعلية، مثل ورشة التفكير التصميمي (Design Thinking)، تجربة مميّزة جمعت بين التفكير الإبداعي واستخدام أدوات تقنية، مثل SAP Business Builders. هذه التجربة أضافت إلي بُعداً عملياً لم أختبره في الجامعة، وأثارت رغبتي في استكشاف المزيد من الحلول التقنية التي تعالج مشكلات واقعية.
وأدركت من خلال الجولة أهمية الذكاء الاصطناعي كمكوّن رئيسي في مستقبلي المهني، بخاصة في مجالات تحليل الأعمال وإدارة المشاريع التقنية، حيث يمكن أن يحدث فارقاً حقيقياً في تحسين الكفاءة، وجودة اتخاذ القرار. كما لفتت التجربة انتباهي إلى المهارات التي أحتاج إلى تطويرها، وفي مقدمتها التعامل العملي مع البيانات، واستخدام أدوات النمذجة والتعلم الآلي، إلى جانب تعميق فهمي للتحليل التنبئي وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
وأرى أن مثل هذه المبادرات تسهم بفعالية في سد الفجوة بين التعليم الأكاديمي ومتطلبات سوق العمل. فهي تمنح الطلبة تجربة تطبيقية حقيقية، وتساعدهم على التكيف مع بيئات العمل الديناميكية».

كيف يفكر المحترفون في المستقبل؟
كانت مشاركة موزة النعيمي، في جولة «الذكاء الاصطناعي للأعمال» نابعة من رغبتها في الانتقال من التعلم النظري إلى بيئة تطبيقية حقيقية «كنت أبحث عن فرصة أفهم من خلالها كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات الأعمال اليومية، وكيف يفكر المحترفون في المستقبل. وقد جاءت التجربة تماماً كما توقعت، إذ منحتني رؤية أوضح لدور الذكاء الاصطناعي في عالم الأعمال، وخصوصاً من خلال جلسة التفكير التصميمي، التي كانت لحظة تحوّل بالنسبة إلي. تعلمت من خلالها أن كل تحدٍّ يمكن أن يكون بداية لحل مبتكر، وأن الأفكار البسيطة قادرة على التطور إلى مشاريع متكاملة في بيئة داعمة ومحفّزة. فمن خلال الجولة، شعرت لأول مرة بأن ما تعلمته في الجامعة بات ينبض بالحياة؛ المفاهيم التي درستها أصبحت تطبّق أمامي. التجربة كانت بمثابة الانتقال من قراءة خريطة إلى زيارة المكان فعلياً. وقد جعلتني أدرك أهمية الذكاء الاصطناعي كمفتاح أساسي للمستقبل، ليس كأداة تحليل فقط، بل كلغة جديدة لصنع القرارات الذكية. وفي الوقت نفسه، لاحظت المهارات التي أحتاج إلى تطويرها، وأبرزها تحليل البيانات، والمرونة في التفكير، وتقديم الأفكار بثقة في بيئات سريعة التغيّر.
أؤمن بأن مثل هذه المبادرات تسد الفجوة بين التعليم وسوق العمل، لأنها تجعلنا نفكر كأصحاب قرار، لا كمجرد طلاب. ومع ذلك، فإن التحدّيات قادمة، وأكبرها سيكون التأقلم مع التغيّر المستمر في الأدوات والأنظمة. كما أرى أن الحفاظ على الجانب الإنساني وسط عالم تسوده الخوارزميات سيكون تحديا هاماً، لكنني أؤمن بأن الذكاء البشري والاصطناعي ليسا خصمين، بل شريكان في بناء مستقبل متوازن وذكي».

مشاهدة تطبيقات حقيقية للذكاء الاصطناعي
أما الطالبة فاطمة الحجي، فهي ترغب في فهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث فرقاً حقيقياً في بيئة الأعمال، وتوضح: «أكثر ما أثار اهتمامي هو مشاهدة تطبيقات حقيقية للذكاء الاصطناعي، مثل تحليل البيانات الضخمة، وتخصيص تجربة العملاء، وكذلك استخدام أدوات الأتمتة لتحسين الكفاءة. الأنشطة العملية جعلتني أرى كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل مشاكل حقيقية بطرق ذكية وفعالة. فما تعلمته في الجامعة يوفر الأساس النظري الهام، لكنه غالبا ما يفتقر للتطبيق العملي الواقعي. الجولة منحتني فرصة لرؤية الجانب التطبيقي واستخدام الأدوات والتقنيات الحديثة، ما ساعدني على ربط النظرية بالتطبيق، بخاصة في مجال إدارة الأعمال والموارد البشرية، وتحليل البيانات. امتلاك المعرفة والمهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة وليس خياراً، لأنه يسهم في اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة، فقد شعرت بأنني بحاجة إلى تقوية مهاراتي في تحليل البيانات باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتعلّم لغات برمجة بسيطة مثل بايثون، إضافة إلى فهم أعمق لتقنيات التعلم الآلي، وتفسير نتائج النماذج، خصوصاً أننا نعيش في عصر تطور التكنولوجيا، وصعوبة مواكبتها دائماً».

أهمية إكساب الطلبة مهارات الذكاء الاصطناعي
بدورها، تعلّق الدكتورة إيناس اللوزي، مدير بالإنابة لمركز تكنولوجيا الجيل القادم، كلية الابتكار التقني، جامعة زايد، على آلية اختيار الطلبة للمشاركة في دورات SAP التدريبية، وقالت «يُشترط أن يكون الطالب من التخصصات التقنية، في سنوات دراسية متقدمة، وذا معدل مرتفع، مع إجادة اللغة الإنجليزية. ويتم فرز الطلبات بناء على التخصص والدافع الأكاديمي، وتوفر المقاعد، ويخضع المتقدمون لمقابلة شخصية في البرامج المتقدمة. ويُخطر المقبولون، رسمياً، بتفاصيل الدورة، ومواعيدها وآلية الدراسة».
وتؤكد الدكتورة إيناس: «تولي جامعة زايد أهمية كبيرة لاكتساب طلابها مهارات الذكاء الاصطناعي، وقد كانت من أوائل الجامعات الإماراتية التي انضمت إلى «مجلس التعليم الرقمي العالمي»، وأطلقت برامج تعليمية متقدمة مثل «AI Literacy for Students»، ودرجة البكالوريوس في هندسة الأنظمة الذكية. هذه المبادرات تُمكّن الطلبة من بناء ميزة تنافسية حقيقية، وتأهيلهم لمجالات مستقبلية مثل تحليل البيانات، وأمن الحوسبة، والتحول الرقمي، مع تعزيز قدرتهم على التعلم الذاتي وتوجيه مواردهم الدراسية، بما يتماشى مع متطلبات السوقين، المحلي والعالمي. وضمن هذا التوجه، جاء التعاون الاستراتيجي مع شركة SAP لتقديم دورات تدريبية تقنية متقدمة لطلبة الجامعة، نظراً لكونها من أبرز مزودي حلول إدارة الموارد المؤسسية في العالم. هذا التدريب يمنح الطلاب خبرة عملية مع أنظمة مستخدمة فعلياً في كبرى الشركات، ويعزز فرص توظيفهم بعد التخرج. وتحرص الجامعة على عدم تعارض التدريب مع الجداول الدراسية، حيث يتم التنسيق مسبقاً مع الطلبة، وفي حال وجود تضارب، يُتاح خيار التأجيل، أو الانضمام لمجموعة بديلة لضمان استفادة الجميع، من دون التأثير في المسار الأكاديمي».