08 يوليو 2025

قراءات في سينما الزمن البديع.. عندما صاح مصطفى العقاد «هاتولي محمد رُضا»

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

الذاكرة مثل نافذة عريضة مفتوحة على الأمس. قد يكون اليوم مشمساً وقد يكون شتوياً. لا يتوقف ذلك على حالة الطقس، بل حالة المتذكّر. هنا مشاهد لا ينسى أبداً من مناسبة راسخة في الذاكرة في موقع يظل عالقاً في البال.

مجلة كل الأسرة

في أواخر 1975 جلس المخرج والمنتج مصطفى العقاد في أحد مقاهي شارع الحمرا الشهير في بيروت. الجالس قبالته هو ناقد شاب اسمه محمد رُضا. الغاية من المقابلة معرفة ماهية هذا الفيلم التاريخي الكبير الذي سيتم تصويره بعنوان «الرسالة».

أجريت المقابلة، وعدت إلى البيت، وأنجزت كتابتها في تلك الليلة، ثم سلّمتها إلى رئيس تحرير مجلة «بيروت المساء» الراحل العزيز بندر حيدري. العنوان كان مستفزّاً. لا أذكره تماماً، لكنه يوحي بأن مخرجاً يقف وراء الكاميرا لأول مرّة سيبدد 30 مليون دولار على هذا المشروع.

بعد أشهر قليلة اتصل بي مدير أعماله نبيل ضو الذي كان لديه مكتب في شارع الحمرا. حين وصلت قال لي إن مصطفى العقاد، وقد بدأ التصوير في ليبيا، يدعوني لزيارة التصوير. أخبرني مدير أعماله بأن العقاد قال له: «ابعثوا لي محمد رُضا ليرى كيف يستطيع مخرج أول مرّة تحقيق فيلم تكلفته 30 مليون دولار»...

في صحراء «الرسالة»

قبلت الدعوة وسافرت إلى ليبيا. التقطني سيارة من المطار ليلاً والسائق كان إسمه تشَك (Chuck) الذي التقيت به مرة واحدة في هوليوود عندما زرت مكاتبه. شخص لطيف وسهل المعشر سعيت جهدي إلى فهم لكنته التكساسية قبل أن أتعوّد إليها. نظر إلى حذائي وقال إنني احتاج لحذاء «صحراوي».

وصلنا إلى موقع التصوير وكان الجميع نائماً وخلدت بدوري إلى النوم سريعاً.

في اليوم التالي قابلت العقاد وغليونه الشهير. رحّب بي وتوجهنا معاً للمنطقة التي يتم فيها تصوير الفيلم. بعد الظهر أخذني سائق إلى البلدة القريبة لاشتري حذاء استطيع المشي به فوق الرمال. شاهدني تشك مرتديا الحذاء مساء وقال لي: I see you got yourself a pair of new shoes قلت له إنني لم أفهم ما يقول، فكرر الكلمات ذاتها ببطء.

اليوم التالي كان يوم تصوير إحدى المعارك الكبرى في الفيلم. كنت هناك، راقبت التصوير وراقبت ذلك المخرج الذي يدير أكثر من 100 ممثل كومبارس، يترأسهم عبدالله غيث في النسخة العربية، وأنطوني كوين في النسخة الإنكليزية.

لم يحتج العقاد على ما كتبته لكنه كان (رحمه الله) يملك سر الدعابة كفعل انتقامي. ذات مرّة نظر إلى الضابط الليبي المكلّف بمتابعة التصوير وقال له: “هذا الصحافي اللبناني يقول إن هذه الصحراء جافة لا ماء فيها”. نظرت إلى الضابط فإذا هو غاضب. تناول عصاه وضرب بها الأرض عند قدميه وقال: “اتحداك يا صحافي. أحفر خمسة أمتار في أي مكان وستجد الماء”.

نعم في البداية خشيت غضبة الرجل، ثم نظرت إلى العقاد فوجدته يضحك مستأنساً.