الذاكرة مثل نافذة عريضة مفتوحة على الأمس. قد يكون اليوم مشمساً وقد يكون شتوياً. لا يتوقف ذلك على حالة الطقس، بل حالة المتذكّر. هنا ثلاثة مشاهد من ثلاث مناسبات في ثلاثة مواقع مختلفة.
على ضفاف دجلة مع عزت العلايلي
ركبت المركب مع عزت العلايلي منتقلين من شاطئ بعيد إلى شاطئ بعيد آخر. كنت تعرّفت إليه منذ منتصف السعينات وفي ذلك اليوم الخريفي كنت سعيداً برحلة معه فوق دجلة. تحادثنا طبعاً في أمور كثيرة قبل وصولنا إلى موقع تصوير فيلم «القادسية» الذي لعب بطولته أمام سعاد حسني.
فجأة وجدته في حالة تأمل. عيناه لم تتركا صفحة الماء، ثم ردد تلك الآية الكريمة فجأة: {لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً}.
لحظة روحانية لم أنسها وستبقى في البال لآخر العمر.
كومبارس نبيل المالح
وصل نبيل المالح في الموعد الصباحي المحدد. نزلت من شقتي وصافحته ثم قاد السيارة بحثاً عن مقهى نلجأ إليه.
كان ذلك قبل وفاته سنة 2016 بعدة أشهر عندما حط في دبي بحثاً عن تمويل مشاريع جديدة: «يا محمد، عندي أفكار كثيرة وبعضها جاهز لكن المسألة هي التمويل. هذا ما يحد من إبداع المخرجين. ما يوقفهم عندنا سنوات طويلة من دون عمل».
آخر فيلم طويل له (ولديه عشرات الأفلام القصيرة) كان «كومبارس» سنة 1993: دراما حول شاب وفتاة لا يجدان الحريّة حتى عندما يلجآن لشقة. يشعران بأن الجدران تسترق السمع والأعين الخفية تراقبهما. عمل رائع وفريد، وأحد أول أفلام الممثلين بسام كوسا وسمر سامي.
«العرّاب» على لسان منتجه
في عام 2005 قصدت مكتب المنتج ألبرت رودي القريب من استوديوهات «تونتييث سنتشري فوكس». استقبلني بترحاب، لكونها لم تكن المرة الأولى التي نتجالس فيها، بل سبق هذا الموعد لقاء آخر توسطه المخرج اللبناني جورج شمشوم.
ألبرت رودي (أو آل) أنتج ما يزيد على ثلاثين فيلماً، أشهرها سلسلة «العرّاب» التي بدأت سنة 1972، وتكررت سنة 1974 (الجزء الثاني)، ثم توقفت سنة 1990 (الجزء الثالث).
كل ما رغبت فيه هو الحديث عن هذه الثلاثية ومخرجها فرانسيس فورد كوبولا. آل كان جاهزاً وأخبرني خلال ساعة بالكثير مما خاضه مع كوبولا خلال العمل. من بين ما قال: «كوبولا لم يكن ليرضى بكلمة لا. إذا لم يحصل على ما يريد حارب من أجله وتوعّد لذلك، جُزآ «العراب» الأول والثاني كانا مثل حياكة اليد».
هل صحيح أنه فرض ممثليه على شركة باراماونت؟
«نعم. لم تكن ترغب في إسناد البطولة إلى مارلون براندو ولا إلى جيمس كان وآل باتشينو، كان بالنسبة إليهم اقتراحاً مستحيلاً».
وأنت طُردت من العمل كمنتج. باراماونت قررت صرفك. هل لأنك وقفت إلى جانب كوبولا؟
«لا. لأني توصلت إلى اتفاق بيني وبين زعماء المافيا الذين هددوا بعض مسؤولي باراماونت بالقتل إذا تم تصوير الفيلم. قمت بنشر نص الاتفاق في صحيفة «نيويورك تايمز» فغضب رئيس باراماونت وطردني… أو أخبرني بأنني مطرود، لكن الطرد لم يقع فعلياً».