«تحتاج إلى مركب أكبر»، يقول صيّاد الوحوش المائية كوينت للشريف برودي بينما يخططان مع عالِم البحار هوبر لكيف. سيتمكن الثلاثة من اصطياد سمكة قرش بيضاء هي أضخم من أي سمكة قرش شاهدها أي منهم.
هي أيضاً أكبر سمكة قرش شوهدت في فيلم إلى ذلك الحين مع تعدد الأفلام السابقة التي تحدّثت عن «قرش» هنا و«قرش» هناك، وضحايا بائسين وصيادين مهرة.
خمسون سنة مرّت على إنتاجه (عرض لأول مرّة في شهر مايو سنة 1975) وقريباً يعود إلى الصالات في احتفاء مُستحق.
«جوز» («فكّان» إذا ما أردنا التعريب الدقيق تحديداً لفك علوي وآخر سفلي في مقدّمة رأس تلك السمكة) كان أول فيلم في هجوم سينمائي انطلق من نجاح هذا الفيلم الذي لم يكن متوقعاً. منذ ذلك الحين وإلى الآن شهدت السينما 46 فيلماً تحتوي على ذلك الحيوان البحري المفترس بينها ثلاثة أجزاء لـ«جوز» ذاته تم قديمها في 1978 و1983 و1987.
وحش كاسر
لا تحتوي الحبكة في حد ذاتها على جديد بين أفلام الرعب. من الخمسينات هناك دائماً من يحذّر من خطر محدق سببه وحش أو حشرة ضخمة تبعاً لتعرضها لإشعاع نووي أو زوار فضاء. دائماً هناك من لا يصدّقه إلى أن تتراكم الضحايا ثم يتبدّى الخطر أمام أعين الجميع. لكنها المعالجة الذكية وتوفير الإمكانيات الإنتاجية لتقديم جديد في سينما الوحوش المرعبة هو ما يميّز ذلك الفيلم وأحد أسباب نجاحه الكبير في صيف 1975.
في «جوز» تبحر سمكة قرش كبيرة قرب شاطئ بلدة صغيرة وتبدأ التهام من تستطيع الوصول إليه من السياح السابحين في المياه الدافئة. الشريف برودي يحذّر من النزول إلى الماء، لكن الفيلم يعتمد على تفعيلة استخدمت سابقاً ولاحقاً في مثل هذه الأفلام وهي أنه لسبب أو لآخر، لن يستمع صاحب القرار لطلب برودي إغلاق الشاطئ خوفاً من انحسار السياحة في ذلك الموسم، معتقداً أن المشكلة انتهت باصطياد سمكة قرش كبيرة. لكنها ليست السمكة المقصودة ما يدفع في اتجاه استمرار محاولات صيدها وصولاً إلى المشهد الأخير مع ممثلي الأدوار الرئيسية الثلاثة فوق مركب يبدأ الوحش مهاجمته، ويدفع أحدهم حياته في صراعه مع الوحش.
المشهد الأخير
هذا دفع بالفيلم للتخصص في خط واحد: صراع أبطال الفيلم ضد القرش وضد الممتنعين عن تصديق الخطر الماثل. كذلك يُشهد لستيفن سبيلبرغ بذلك القدر من إتقان التوتر في مجمل الفيلم، بدءاً من ركض برودي على الشاطئ مطلقاً نفير التحذير بعدما اعتقد أنه شاهد القرش يحوم قريباً، وانتهاء بالمشهد الأخير بعد أن تم تفجير القرش وتصوير هوبر وبرودي عند مغيب الشمس. المشهد ذاته يشبه ذلك الوارد في «مبارزة» عندما ينتصر ديڤيد مان (دنيس ويڤر) على وحش مختلف مجسّد بالشاحنة المجهولة القيادة تحاول طوال الفيلم سحقه. ها هي الشاحنة تهوي في الوادي وديڤيد يجلس على حافة الجبل يسترجع ما مرّ معه.
هذا المشهد الذي يتداول فيه الثلاثة على المركب خلال انتظارهم هجوم اليوم التالي يستمر لتسع دقائق من الحوار المهم. وسيلة ذكية لإبقاء المشاهدين مشدودين لا لما سيحدث فيما بعد (الجهوم المنتظر للقرش) فقط، بل كذلك لخلفيات وشخصيات كل هؤلاء.
في نطاق هذه الشخصيات هناك تماثل بين دور الشريف كمنذر لكارثة قد تقع، وشخصية الكاتب النرويجي هنريك إبسن في روايته «عدو الشعب» (انتقلت إلى السينما سنة 1978 من إخراج روبرت شافر وبطولة ستيڤ ماكوين). فبرودي يواجه امتعاض الجميع من حوله بمن فيهم زوجته، وابنه، والمحافظ، وجموع طالبي متعة السباحة من السائحين.
«جوز» يكاد يكون خالياً من الشوائب الظاهرة، جيد الكتابة وجيد التنفيذ، فيه قدر كاف من عناصر التفكير، ومشحون بقوّة توليف تجعل المُشاهد في حالة ترقّب دائم، وموسيقى (من جون وليامز) تنذر بما سيقع وتوحي به.
ما زال النظر إليه يحيلنا إلى نجاحاته. ليس جيداً إلى حد مساوٍ بتحفة ألفرد هيتشكوك «الطيور» (1963) لكنه الفيلم الذي احتوى على عناصر مهمّة في سينما ستيڤن سبيلبرغ من حيث رموز شخصياته ومعالجته السينمائية ككل.